ما أبلغها من عبارة تلك التي قالها ذات يوم أحمدغراب منتج برنامج "هزي يا نواعم": "هدفنا إنقاذ الرقص الشرقي من الانهيار". وفعلا السياسات العربية، التي طالما رقصت شعوبها "على واحدة ونص" أصابها داء عضال ولم تعد قادرة على مجرد هز الأرداف. كان المسؤولون العرب زمان يطمحون للوحدة العربية والسوق العربية المشتركة والأمن العربي المشترك... أما اليوم فأقصى أمنياتهم تلخصها عبارة: "يا الله بستر الحال" أو "يا الله بحملي أقوم". كراسيهم محاصرة تماما، كغزة، والعالم يتفرج عليهم تماما، كما تفرجوا هم على غزة. ليس هذا فحسب، بل إن الوضع العربي عموما أصبح مدعاة للسخرية؛ فأول وثائق تم تسريبها، سواء وثائق "ويكليكس" أم الوثائق الفلسطينية، جعلتهم حفاة عراة أمام شعوبهم، وجعلت الأميركيين والأوربيين يكتمون ضحكاتهم وهم يتأملون الوضع العربي المزري، وكأنهم يشاهدون فيلما كوميديا لجيم كاري. فالأنظمة العربية تعودت على أن تضرب بيد من حديد، ولا يفل الحديد إلا الحديد، وقد أصبحت شعوبها من حديد. لم يتعلموا أبدا من الدول المتقدمة أن القوة المفرطة لا تولد سوى العنف، وأن ثقافة الحصار والعزل لا يعزل الشعوب فقط، بل والأنظمة، وأن التنفيس على الشعب أولا بأول، وفتح قنوات الحرية أمامه، وتحسين مستواه المعيشي، وتطبيق معايير العدالة والمساواة على الجميع، ومحاسبة الفاسدين، هو الحل الوحيد لاستقرار الساسة والشعوب معا. الشيء الذي لم يلتفت إليه الساسة العرب، أن الجيل الذي عهدوه قد انقرض، وأنهم أمام جيل جديد من الشباب قد تجمعهم رسالة واحدة يتداولونها عبر ال"فيس بوك" أم مواقع التواصل الاجتماعي، وأي ضغط في مواجهتهم سينقلب إلى العكس ويتسبب بتمرد أكثر، وبالتالي فالوضع حرج ومحرج، والشارع العربي أشبه بالحراج، وتونس هتفت بالكرسي يا حراجاه يا رواجاه! والعبارة نفسها التي رددتها تونس ارتفعت في معظم الشوارع العربية. الحصار النفسي والمعنوي والمعيشي، الذي طالما عاناه المواطن العربي، أصبح اليوم حصارا نفسيا يعاني منه المسؤولون العرب. وبقدر الهم الذي طالما ركب رأس المواطن العربي لتوفير لقمة عيش لأولاده، يتضاعف الهم لدى المسؤولين العرب للحفاظ على كراسيهم. بالأمس انقلبت المعادلة على "زين الهاربين"، الذي كان يحاصر الشعب التونسي، فأصبح اليوم محاصرا... فسبحان الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، الذي يملي للظالم ويمهله حتى أخذه لم يفلته!