لم يفاجئني ما أقدمت عليه إسرائيل من ارتكاب جريمة شنيعة ضد أسطول الحرية , فالمعطيات والتجارب السابقة تشجع أي لئيم على فعل مافعلت إسرائيل ,فالصمت العربي المطبق أو الرد الضعيف وتخلي النظم العربية عن واجباتها تجاه شعوبها بالإضافة إلى الدعم الأمريكي والأوروبي لهذا الكيان الإرهابي أعطى ضوءًا أخضر دائم السطوع لفعل ماتريد أن تفعله. ليس غريباً على دولة بدأت بمجموعة عصابات ارهابية مثل الارغون والهاجانا بل إن التاريخ يذكر أن أول منظمة إرهابية انشئت قبل الميلاد كانت منظمة الورعاء اليهودية أو ماكان يطلق عليهم (المخنجرين) وقد تخصصت في الاغتيالات للخصوم ,هذا التاريخ المشين للصهيونية لايمكن أن يتغير في ظل تمكن اليهود من السيطرة على مواقع القرار الأمريكي والسيطرة على المال والإعلام . لقد أقدم اليهود على مهاجمة أبرياء عزل كل مشكلتهم أن لديهم ضميراً حياً وهم من جنسيات مختلفة عزموا على تقديم العون لأبناء غزة المحاصرين من قبل إسرائيل وبعض النظم العربية.. لقد أجمع العالم على أن ما قامت به إسرائيل في المياه الدولية قرصنة بكل المقاييس والحجة الأغرب التي تتذرع بها أن جنودها كانوا يدافعون عن أنفسهم وأن النشطاء العزل كانوا إرهابيين وأنهم يريدون كسر الحصار عن غزة وهذا يسمح لإسرائيل بمنعهم ,وكأن الحصار شرعي ومفروض من الأممالمتحدة وكأن إسرائيل دولة شرعية أصلاً؟ لقد انقلبت كل الموازين وأصاب الغرور القيادة الإسرائيلية حتى أعماها وجعلها تتصرف بجنون وهي تعتقد أن العالم هو نفس العالم في القرن الماضي عندما كانت تصور نفسها ضحية لمجموعة من البربر الذين يريدون إلقاءها في البحر في الوقت الذي كانت دباباتها تسحق الأسرى المصريين عام 67م تحت الجنازر بكل برود. لقد أحرجت المنظمات المدنية التي شاركت في اسطول الحرية النظم العربية قبل أن تحرج إسرائيل والحكومات التي تتبعها , وما استدعاء السفراء الإسرائليين للاحتجاج إلا نتيجة لهذا الاحراج ولأن هذه الحكومات العربية تحترم مواطنيها وتسعى لإرضائهم. الغريب الموقف العربي , فالجامعة العربية التي لاتجمع ولاتطرح أو تقسم - أما الضرب فهي أبعد ما تكون عنه - دعت إلى اجتماع بعد أن عقد مجلس الأمن جلسته وبالتأكيد سيختلف العرب حول مستوى التمثيل وهل يتم سحب المبادرة العربية التي ظهرت بين قرنين والتي لم تكلف إسرائيل نفسها مجرد النظر فيها مع أنها تعطي إسرائيل أكثر مما تطلب أم أنهم كالمعتاد سيرددون أن السلام خيارهم الاستراتيجي؟ أما اللجنة الرباعية التي يرأسها توني بلير سفاح العراق وأفغانستان وصديق إسرائيل الحميم فلم تحرك ساكناً , فالأمين العام زار غزة واطلع على حجم الدمار الذي لحق بأهلها بل ومنشآت الأممالمتحدة التي يرأسها وهو عضو في الرباعية ولكنه لم يتحرك لإنهاء الحصار أو يندد به. الآن وقد مثلت القافلة (اسطول الحرية) وعياً جديداً وصحواً للضمير الدولي ولو على مستوى المجتمعات المدنية فإن العرب لابد أن يلتقطوا هذه الفرصة وأن يكثفوا العمل الإعلامي الذي يفضح أفعال إسرائيل على مستوى العالم وفي كل مناسبة .. لقد دفع الاتراك ومن كان معهم دماءهم لفك الحصار عن غزة وعلى العرب ألا يكونوا أقل من هؤلاء الشهداء حباً لغزة.. لقد قام الحلفاء بفك حصار برلين حين حاصر ستالين أهلها بسبب رفضهم التعامل مع المارك الذي سكه لهم , فقام الحلفاء بعمل جسر جوي وأنزلوا المواد التموينية عن طريق الجو , واليوم غزة تعاني ويوجد معبر بري في رفح ولكنه يشارك في الحصار بذريعة أن هناك اتفاقات دولية ولكن علماء القانون الدولي بإجماعهم يرون أن كسر الحصار مسألة إنسانية نص عليها القانون الدولي الإنساني ولاتتعارض مع الاتفاقيات المزعومة. وأضح جداً أن المطلوب من الغزاويين رفع الراية البيضاء وإلقاء كل الأسلحة بما فيها المقلاع من يد الأطفال حتى تفتح المعابر وهذا طلب أصحاب المبادرات والمؤامرات. لقد زار النائب الأمريكي (وليم برن) غزة ثلاث مرات ودعا إلى كسر الحصار عنها بالقوة وقد واجه البعض دعوته بالسخرية ولكن أسطول الحرية حقق هذه الدعوة وقدم ضحايا كثراً , أما النائب البريطاني “كلاوى” فقد قاد ثلاث قوافل إغاثة إلى غزة وتعرض للمضايقات من قبل نظم عربية وحول وجهة سيره أكثر من مرة ولم يثنه ذلك عن هدفه , فهل يقدم العرب على كسر الحصار عن اشقائهم ويغتنمون الفرصة اليوم؟! مجلس الأمن أو (الخوف) اختلف حول البيان الرئاسي لأن امريكا لاتريد إحراج إسرائيل أو إغضابها مع العلم أن القرارات الدولية لاتعمل ضد إسرائيل منذ قيامها , وأخشى ما أخشاه من أن يلحق البيان الرئاسي لمجلس الأمن تقرير جولد ستون الذي لم تظهر نتائجه بعد كل ذلك الضجيج والتهليل. لابد من التفاؤل بأن العالم لن يظل كما كان أو كما هو عليه الآن , ولابد للوعي العالمي أن يتشكل مع أن القانون الدولي لايلتزم به إلا الضعيف , والمطلوب من العرب اليوم أن يتحركوا بالاتجاه الصحيح , فسحب المبادرة العربية اليوم مهم جداً لإشعار اليهود بأننا لانزال أحياء ودعم المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها مهم , وتوفير الغطاء السياسي والعسكري وعدم التذرع باختلاف الفلسطينيين , فكل من يقاوم يستحق الدعم , والأهم أن تتوقف النظم العربية عن التعاون في دعم مايسمى الحرب ضد الإرهاب , فقد أصبح واضحاً لكل ذي بصيرة أن من يمارس الإرهاب ضد العزّل وفي المياه الإقليمية الدولية ومن يغزو بلداناً ويقتل الملايين تحت مبررات أسلحة الدمار الشامل التي لايمتلكها سوى الغزاة .. لقد أصبح واضحاً من هو الإرهابي الذي يختطف الحرية ويمارس القرصنة.