مسيرة الهدم والدمار الإمامية من الجزار وحتى الحوثي (الحلقة الثامنة)    مليشيا الحوثي تحاول الوصول إلى مواقع حساسة.. واندلاع مواجهات عنيفة    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    الطقس المتوقع في مختلف المناطق حتى مساء اليوم الجمعة    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    مليار دولار التكلفة الأمريكية لإحباط هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    مركز الإنذار المبكر يحذر من استمرار تأثير المنخفض الجوي    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    "طاووس الجنان" و"خادمة صاحب الزمان"...دعوة زفاف لعائلة حوثية تُثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مافيها(صورة)    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    الدوري الاوروبي ... ميلان وليفربول يودعان البطولة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ظلم عبد الناصر القذافي باختياره أمينا ل«الأمة»؟!
نشر في براقش نت يوم 03 - 03 - 2011

في سبعينات القرن الماضي شاعت طرفة «نكتة» تقول: إنه بينما كانت منصة الرؤساء، المدعوين لحضور احتفالات ذكرى «ثورة الفاتح»، على وشك استقبال ضيوف هذه المناسبة «العظيمة» اندفع قرد جاء من منطقة مجاورة
صالح القلاب
واقتحم الصفوف واستهدف المقعد المخصص للرئيس أنور السادات وجلس فوقه، وكان كلما أبعده الحراس بالقوة يعود مرة أخرى ليجلس على هذا المقعد ويتشبث به أكثر وأكثر، وذلك في حين أن الرئيس المصري الأسبق كان على وشك الوصول إلى موقع الاحتفال.
كان الوقت يمر بسرعة وبدأ المنظمون للاحتفال يشعرون بالحرج والخوف. وهكذا، وبينما ازداد التوتر واشتد الارتباك خرج من بين الصفوف أحدهم وذهب مسرعا إلى حيث يتشبث القرد بالمقعد المخصص للرئيس أنور السادات فاقترب منه وهمس في أذنه ببضع كلمات فما كان منه، أي القرد، إلا أن نهض وهو يرتجف ذعرا وهلعا ثم ولى هاربا لا يلوي على شيء وبقي يركض إلى أن اختفى من المنطقة كلها.
صفق المنظمون، الذين اعتراهم الذعر والخوف من أن يصل القذافي ومعه ضيوفه الكبار ومن بينهم الرئيس السادات فيجد الأمور في تلك الحالة المخجلة والمربكة حيث ذلك الوافد الملعون يحتل مقعد أهم هؤلاء الضيوف، وسألوا ذلك الرجل عما همسه في أذن القرد حتى وقف منتفضا وغادر المكان لا يلوي على شيء.. ضحك الرجل بطريقة استعراضية، ثم أردف قائلا: لقد قلت له إن عليه أن يبقى جالسا في مقعده لأن «الأخ قائد الثورة» سيجلس إلى جانبه على الكرسي المجاور ليغتنم الفرصة ويطرح مشروعه الوحدوي عليه بعد أن خذله كل الرؤساء العرب الذين طرح عليهم المشروع.
إن مشكلة القذافي، الذي وصل إلى سدة الحكم في انقلاب هو أقرب إلى المسرحية قياسا بالانقلابات الدامية التي شهدتها دول عربية أخرى، أنه صدق حكاية أنه «أمين الأمة»، وبقي يتصرف على أنه الأمين فعلا على هذه الأمة (العربية)، وأنه لا وحدة ولا اتحاد إلا بقيادته، وأنه هو الرائد والقائد والمنظر الذي لا ينطق عن الهوى، والذي يجب أن يأمر فيطاع ما دام أنه يحمل هذه الأمانة.
لقد شعر العقيد القذافي بمجرد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر أن عليه ك«أمين» لهذه الأمة أن يجترح المعجزات، وأن يحقق ما لم يستطعه الأوائل، وأن يبدأ بتوحيد مصر وسورية والسودان وليبيا التي لم تكن قد أصبحت «جماهيرية» بعد على اعتبار أنها دول تقدمية وقومية، بينما باقي الدول العربية، حتى بما في ذلك الجزائر وكان رئيسها في تلك الفترة هواري بومدين، إما أنها رجعية وعميلة للغرب والولايات المتحدة، أو أنها «قُطْرية» لا تؤمن لا بالعروبة ولا بالوحدة.
في تلك الفترة كان الرئيس أنور السادات الذي ورث عبء مسؤولية كبيرة بعد رحيل عبد الناصر المفاجئ، حيث كانت مرارة هزيمة يونيو (حزيران) عام 1967 لا تزال في ذروتها، بحاجة إلى مجال حيوي عربي ليعزز مكانته التي كانت لا تزال مهزوزة داخل مصر، ولهذا فإنه اضطر لمماشاة القذافي والذهاب إلى تجربة وحدوية جديدة كان يعرف أن مصيرها لن يكون أفضل من مصير تجربة عام 1958 التي انتهت نهاية مأساوية بعد نحو ثلاثة أعوام، وكانت النتيجة إحباطا شديدا لكل الوحدويين الذين كانوا يحلمون بأن تشمل «الجمهورية العربية المتحدة» دولا أخرى بالإضافة إلى مصر وسورية.
وهذا في حقيقة الأمر ينطبق على الرئيس حافظ الأسد الذي كان قد جرى تحميله مسؤولية انهيار الجبهة الشرقية خلال حرب يونيو 1967 ومسؤولية احتلال هضبة الجولان، وينطبق أيضا على جعفر النميري الذي كان بحاجة إلى الهروب إلى الخارج والالتحاق بأي صيغة وحدوية، لأنه كان يعيش حالة حصار داخلي بعد المذبحة التي ارتكبها بحق الشيوعيين السودانيين، وبعد انفراده بالسلطة وتردي علاقاته مع كل الأحزاب السودانية.

وبالطبع، فإن تلك الوحدة التي سلقت سلقا، والتي كانت متسرعة، ولم يأخذ أصحابها السادات والأسد والقذافي بعين الاعتبار واقع الحالة الراهنة في ذلك الحين بعد ترسخ طابع الدولة الإقليمية على حساب حلم الوحدة العربية، قد انتهت غير مأسوف عليها بعد أن خلفت وراءها صراعات وضغائن ودسائس ومؤامرات، من بينها الخلاف الذي غدا مستحكما بين الرئيس السوداني جعفر النميري والرئيس الليبي، والذي أدى فيما أدى إليه أن تبنت ليبيا الثورة والقومية والوحدة العربية جون قرنق وحركته الانفصالية.
لم يتعلم القذافي من الفشل الذريع الذي انتهت إليه تلك الوحدة الثلاثية، ذلك الفشل الذي كان يجب أن يحد من طموحاته، وأن يبين له صعوبة تحقيق أحلامه بالطريقة التي يحلم بها، وأن يجعله واقعيا يدرك أن الوحدة بالطريقة التي كان يتصورها حزب البعث والتي كان يعمل لها جمال عبد الناصر وتتصورها حركة القوميين العرب غير ممكنة، وأن أقصى ما يمكن تحقيقه على طريق الحلم الوحدوي المنشود هو إقامة تكتلات اقتصادية عربية بالإمكان تطويرها من خلال الجامعة العربية لتنتهي إلى صيغة كصيغة الاتحاد الأوروبي القائمة الآن.

أصيب العقيد القذافي، الذي أصبح «الأخ قائد الثورة»، بعد فشل الوحدة الثلاثية بما يمكن اعتباره السعار الوحدوي، فهو اتجه إلى مالطا ديمنتوف لكنه فشل، ولم يفده إنفاقه المالي السخي في هذا المجال، ثم اتجه إلى تونس وفشل، ثم إلى اليمن الجنوبي وفشل، ثم إلى تشاد وفشل.. وفي النهاية كان هناك مجلس التعاون المغاربي، الذي جاء ردا على مجلس التعاون العربي، مصر واليمن والأردن والعراق، الذي جاء هو بدوره ردا على مجلس التعاون الخليجي، فاحتل موقع الرئاسة فيه، وبقي يعتبر نفسه رئيسا له رغم أن هذا المجلس أصبح اسما بلا مسمى، وغدا ما يشبه بقايا الوشم في ظاهر اليد.

وهكذا، وإلى أن تحطمت اندفاعة «أمين الأمة» الوحدوية على صخور الحقيقة والواقع، اتجه نحو أفريقيا ليصبح زعيما لها بلا منازع، وليصبح ملك ملوكها، وليبادر بعد أن أشبع غروره الوحدوي بإحلال الخريطة الأفريقية محل الخريطة العربية، وليبدأ بشتم العرب والتبرؤ من العروبة مع الاحتفاظ بعلاقات مصلحية مع مصر وتونس بقيت تخضع بدورها لمزاجه المتقلب ونزواته السياسية غير المستقرة.

وبالنتيجة، فإن «الأخ قائد الثورة»، الذي جنى عليه جمال عبد الناصر عندما منحه، ربما من قبيل الممازحة والسخرية، لقب «أمين الأمة»، قد حول حلم العرب الجميل بالوحدة من خلال تجاربه الوحدوية الفاشلة والمشوهة إلى مهزلة، وذلك إلى حد أن بقايا الأحزاب العربية الوحدوية باتت تتحدث عن هذا الأمر باستحياء، وأن الحديث عن الوحدة العربية بات يواجه بالاستهزاء حتى من قبل الوحدويين الذين أفنوا الجزء الأكبر من أعمارهم وهم يتبنون هذه الدعوة النبيلة، والمحزن حقا أن الصورة التي ستبقى منطبعة في أذهان الأجيال الشابة عن وحدة أمتهم المنشودة هي صورة القذافي وهو يطل من نوافذ المنزل الذي كانت قد استهدفته تلك الغارة الجوية الأميركية في عام 1986 ويصرخ بذعر وهلع وبأعلى صوته: إلى الأمام.. إلى الأمام.. ثورة.. ثورة!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.