استطاع أحمد فؤاد نجم أن يحفر أسمه كأحد أهم شعراء العامية في مصر، فقد عبر بأشعاره عن قضايا الشعب والجماهير البسيطة الكادحة، واستطاع تطويع الموروث الشعبي ودمجه بالمتغيرات السياسية، فأصبح ملهما للثوار والنشطاء السياسيين ودافعا لهم على مواصلة طريقهم نحو الحرية والديمقراطية. ارتبطت أشعار نجم بحياة الناس ومعاركهم اليومية مع المشكلات الحياتية وخرجت في أحداث هزت مصر كهزيمة عام 1967 في عهد الرئيس عبد الناصر واتفاقية كامب ديفيد في عهد الرئيس السادات وبروز ملف التوريث في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك ودفع نجم ثمن مواقفه هذه سنوات طويلة عاشها متنقلا بين السجون. وتعبير نجم عن البسطاء نابعا من كونه واحدا منهم، عانى معاناتهم وشعر بآلامهم، حيث عمل في بداياته خادما في بيت عمه، ثم في معسكرات الجيش الإنجليزي متنقلا بين مهن كثيرة كبائع وعامل إنشاءات وبناء وترزي، واشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر عام 1946 والتي تشكلت خلالها اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال. وفي الخمسينات عمل نجم في السكك الحديدية وبعد ذلك عمل كساعي بريد وهو الأمر الذي قربه من الفئات الشعبية، ليتلمس حجم القهر الواقع على الفلاحين، وفي عام 1959، انتقل إلى النقل الميكانيكي في حي العباسية، وخلال تلك الفترة دخل السجن بتهمة تزوير استمارات حكومية وهو الأمر الذي لم يخجل نجم من الاعتراف به.
لقاء السحاب
عند خروجه من السجن عام 1962 التقى نجم بالشيخ إمام عيسى الملحن والمغني الضرير الذي صار رفيق الطريق وتلازم مصيرهما في الفن والنضال والحياة وعبرا معا عن تطلعات قوى التغيير في المجتمع في الشوارع والمصانع والجامعات حيث تلازمت أشعار نجم مع غناء إمام لتعبر عن روح الاحتجاج الجماهيري الذي بدأ بعد نكسة يونيو 1967. ووضع الاثنان أولى لبنات مشروعهما المشترك في تاريخ الأغنية السياسية العربية حيث كانت أغنية "الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا" والتي كانت أول أغنية مصرية على الإطلاق تجرؤ على السخرية من الرئيس عبد الناصر أو "عبد الجبار" كما سمته كلمات نجم وتبعتها أغاني "بقرة حاحا" بنبرتها الحزينة التي تبكي نهب مصر، و"يعيش أهل بلدي" التي تتمسك بالأمل والحماسة، ثم جاءت أغنية "مصر يمّا يا بهية" غزلاً وطنياً في حب مصر. اعتقل أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر لمواقفهما السياسية، كما اعتقلا في عهد الرئيس الراحل أنور السادات أكثر من مرة بعدما أطلقا عليه أكبر حملة سخرية ضد حاكم مصري على الرغم من استقبالهما حرب أكتوبر بأغنية "دولا مين ودولا مين". انتشرت قصائد نجم التي لحنها وغناها الشيخ إمام كالنار في الهشيم داخل وخارج مصر، فكثر عليها الكلام واختلف حولها الناس بين مؤيدين ومعارضين، في البداية استوعبت الدولة الشيخ وفرقته وسمحت بتنظيم حفل في نقابة الصحفيين وفتحت لهم أبواب الإذاعة والتليفزيون. لكن سرعان ما انقلب الحال بعد هجوم الشيخ إمام في أغانيه على الأحكام التي برأت المسئولين عن هزيمة 1967، فتم القبض عليه هو ونجم ليحاكما بتهمة تعاطي الحشيش عام 1969 ولكن القاضي أطلق سراحهما، لكن الأمن ظل يلاحقهما ويسجل أغانيهما حتى حكم عليهما بالسجن المؤبد ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية. قضى الشيخ إمام ونجم الفترة من هزيمة يوليو حتى نصر أكتوبر يتنقلون من سجن إلى آخر ومن معتقل إلى آخر ومن قضية إلى أخرى، حتى أفرج عنهم بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات. ومن أبرز الأغاني التي سجن نجم وإمام على خلفيتها هي أغنية "نيكسون بابا" في عام 1974 التي كتبها نجم أثناء زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون إلى مصر بعد حرب أكتوبر وغناها الشيخ إمام، ثم حكم على نجم وإمام بالسجن لمدة سنة كاملة عام 1977 بسبب قصيدة "الفول واللحمة" التي تنتمي إلى ما عرف ب "قصائد المناهضة للنظام الحاكم ". ورغم الاعتقال، فقد انتشرت كلمات نجم وألحان الشيخ إمام في العالم العربي وعبرت أغاني الثنائي المشتركة عن تظاهرات الطلبة في السبعينات وانتفاضة 17 يناير 1977. في منتصف الثمانينات تقريبًا، بدأت العلاقة الفنية بين إمام ونجم تفتر شيئًا فشيئًا حتى انفصلا تمامًا. قرر وقتها الشيخ إمام أن يعتكف وأصبح يغني في مناسبات خاصة جدًا أو في بيوت الأصدقاء وذلك حتى وفاته في عام 1995. أما نجم فتحول لكتابة أشعارًا لمسلسلات التليفزيون والإذاعة، وفي التسعينات ألف فوازير رمضان وأشعار لمسرحيات الدولة. نشر نجم عددا من قصائده التهكمية الساخرة في عهد الرئيس حسني مبارك خصوصا خلال الانتخابات الرئاسية في 2005 وسخر من قضية توريث الحكم لابنه جمال وقد كان خلال هذه الفترة من أبرز أعضاء حركة كفاية.
رحلة الشقاء
ولد أحمد فؤاد نجم في 22 مايو عام 1929 بقرية عزبة في الزقازيق محافظة الشرقية، من أم فلاحة اسمها هانم مرسى نجم، وأب كان يتقلد منصب ضابط شرطة أسمه محمد عزت نجم، لكن تم عزله، فاشتغل موظفا بوزارة المالية ثم فلاحا في أرض كان يمتلكها قبل أن يتوفى. وجد نجم نفسه طفلا ضمن سبعة عشر ابن لم يتبق منهم سوى خمسة والسادس فقدته الأسرة ولم يره، التحق بعد ذلك بكتاب القرية وأدت وفاة والده إلى انتقاله إلى بيت خاله بالزقازيق حيث التحق بملجأ أيتام عام 1936 - والذي قابل فيه عبد الحليم حافظ- ليخرج منه عام 1945 وعمره 17 سنة بعد ذلك عاد لقريته للعمل راعي للبهائم ثم انتقل للقاهرة عند شقيقه إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته. تزوج نجم مرات عدة أولها من فاطمة منصور التي أنجب منها ابنته عفاف ثم زواجه من الفنانة عزة بلبع والكاتبة صافيناز كاظم وممثلة المسرح الجزائرية صونيا ميكيو، ثم زوجته الحالية السيدة أميمة عبد الوهاب.