بينما تختفي مليارات الدولارات، من ثروة الشعب في حسابات المختلسين من المحتلين وساسة ' العراق الجديد'، تكريسا للفساد ودعما لميليشيات القتل، ليست هناك ميزانية او نية لإزالة اكوام المدرعات والدبابات والشاحنات العسكرية التي استهدفتها القوات الامريكية وحلفاؤها بذخائر اليورانيوم المنضب والتي لا تزال تحتل مكومة في وسط المدن كالبصرة ويمتد تأثيرها الى باقي المدن بلا استثناء ، ليستنشق الناس سمومها مسببة الموت البطيء. وعلى الرغم من حملات بعض المنظمات العراقية المستقلة والاختصاصيين العالميين والمنظمات الدولية حول تدهور الاوضاع البيئية جراء استخدام المواد الملوثة والسامة المشعة من قبل الاحتلال التي سببت تلوث اكثر من 300 موقع في العراق ، لم تقم قوات الاحتلال او البلدان التي ساهمت في الغزو أو حكومات الاحتلال المتعاقبة باي اجراء للتخفيف من حجم الكارثة. وقد كتب الباحث البيئي كاظم المقدادي في دراسته المعنونة 'انتشار امراض السرطان والمشكلات البيئية القائمة'، المنشورة في مجلة المستقبل العربي في شباط/فبراير 2009 ، عن ' ذخائر اليورانيوم المنضب المصنعة من النفايات المشعة والسامة، والتي جربت من قبل القوات الامريكية وحلفائها لاول مرة في ميادين القتال ' الحية' في المنطقة واستعمالها ثانية وبانواع جديدة ومطورة في عام 2003 ودورها في نشر امراض السرطان والتشوهات الولادية في العراق والخليج مهددة ليس الجيل الحالي فحسب بل الاجيال المقبلة'. والدراسة مهمة لانها تتناول موضوعا يجري التعتيم عليه وهو ازدياد انتشار الامراض السرطانية في دول الخليج، خاصة في الكويت والسعودية، نتيجة التدهور البيئي فضلا عن استخدام الاسلحة السامة واليورانيوم المنضب في عامي 1990 و2003. ويذكرنا الباحث كاظم المقدادي بتحذير العالم الامريكي أساف دوراكوفيتش، المتخصص بالذرة وطب الاشعاع، من ' ان غبار اليورانيوم المنضب لاتوقفه حدود'. ويظهر هذا واضحا في فيلم ' الغبار المميت'، لفريدر واغنر، الذي يوثق حالة العراق الكارثية بشكل تفصيلي يمزق القلب. وكأن استخدام اليورانيوم المنضب لم يكن كافيا لعقاب العراقيين وتدمير بلدهم على مدى اجيال مقبلة ، استخدمت قوات الاحتلال الفسفور الابيض في مدينة الفلوجة، اثناء شن الهجوم الوحشي عليها، في عام 2004. والمعروف ان الفسفور الابيض يحرق جسم الإنسان فلا يتبقى منه إلا العظام وان ضرره على البيئة والانسان طويل الامد لانه يترسب في التربة أو في أعماق الأنهار والبحار وعلى الكائنات البحرية مثل الأسماك. وقد قام عدد من المهتمين بالشأن العراقي في بريطانيا ، منذ ايام ، وبعد اتصالهم بعدد من الاطباء في الفلوجة الذين وثقوا ازدياد حالات الاصابات بالتشوه بين الاطفال وولادة الاجنة المشوهة ، بكتابة رسالة الى الدكتور علي عبد السلام التريكي، رئيس الدورة السادسة والاربعين للهيئة العامة للامم المتحدة. جاء فيها بان نساء الفلوجة بتن يتجنبن الحمل والانجاب، خلافا لكل النساء في العالم ، اللواتي يتطلعن شوقا الى اليوم الذي ليصبحن فيه امهات، خشية انجاب اطفال مشوهين. وتدل الارقام والاحصائيات المذكورة في الرسالة بان مخاوف نساء الفلوجة ليست وهمية بل تستند الى واقع مرعب بكل المقاييس. اذ ازداد عدد الاطفال الذين يولدون بتشوهات خلقية مروعة اما بلا رأس أو عين واحدة في وسط الجبهة، أو بشرة مصدّفة اوأعضاء مفقودة كلياً، كما ازدادت حالات السرطان المختلفة وبالتحديد اللوكيميا بين الاطفال. وقد تم توثيق هذه التشوهات في برنامجين قدمتهما شبكة 'سكاى نيوز' التلفزيونية البريطانية في حزيران/ يونيو 2008 وفي الاول من ايلول/ سبتمبر الماضي. وتشير الرسالة الى ان 'من بين 170 حالة ولادة حديثة في مستشفى الفلوجة، 24 بالمائة من الاطفال توفوا خلال سبعة ايام و75 بالمئة منهم كانوا مشوهين خلقيا وبمقارنة هذه الارقام مع سجلات شهر اب/ أغسطس 2002 تبين بانه من 530 ولادة توفى ستة اطفال فقط في الاسبوع الاول مع وجود حالة تشوه واحدة'. وأوضحت 'سكاى نيوز' أن تحقيقًا صحافيًا أجرته قبل خمسة عشر شهرًا أظهر تزايد عدد الأطفال الذين يُولدون مشوهين فى الفلوجة، مضيفةً أنها قامت بإعداد ملف عن حالات الأطفال المشوّهين الذين ولدوا فى المدينة خلال الأشهر الثمانية الماضية. وأن هناك تنوعًا فى حالات التشوه عند الأطفال، وأن إصابات الأطفال شملت مشكلات عديدة، من بينها تشوهات فى البطن وتشوهات فى الوجه تسببت فى وفاة الكثير منهم قبل بلوغهم سن الخامسة من العمر. ونقل التقرير شهادة احد جنود فرقة المشاة الأمريكية الأولى، الذى شارك فى هجوم الفلوجة، قائلا: 'أعرف أن الفوسفور الأبيض قد استخدم بالفعل'. وانه شاهد 'جثثًا محترقة، وأطفالا محترقين ونساء محترقات.. الفوسفور الأبيض يقتل بلا تمييز'. وجاء في الرسالة التي وقعها الجراح البريطاني المعروف دافيد هالبن والمهندسة الكيمياوية العراقية ملاك حمدان والطبيب المختص كريس بيرنز كوكس والدكتور هيثم الشيباني المختص بعلوم البيئة والمعماري نيكولاس وود والدكتورة نوال السامرائي، وزيرة الدولة لشؤون المرأة العراقية سابقا، ان 'الدكتور بيرنز كوكس، كان قد خاطب عضوة البرلمان البريطاني كليرشورت مستفسرا عن هذه الحالة. فكتبت بدورها رسالة الى دوغلاس الكسندر، سكرتير الدولة لشؤون التنمية الدولية ، مطالبة اياه بتوضيح موقف الحكومة البريطانية من الاطفال المشوهين في الفلوجة. استلمت السيدة كلير جوابا بتاريخ 3 أيلول/ سبتمبر، اي بعد يومين من بث فيلم سكاي نيوز، جاء فيه ان حالات ولادة اطفال مشوهين في الفلوجة لا تزيد عن الحالتين او الثلاث في السنة، لذلك ليست هناك مشكلة. ان رد الوزير يتنافى مع تقرير محطة سكاي ومع التقارير الواردة الينا من اطباء في الفلوجة. وتدل الرسالة، المماثلة في فحواها لرسائل اخرى استلمت من مسؤولين بريطانيين آخرين، بصدد صحة الاطفال العراقيين وتأثير اليورانيوم المنضب، بان هناك حملة تضليل وتزييف للحقائق للتخلص من مسؤولية جريمة كبيرة جراء استخدام الحكومة البريطانية اسلحة مميتة ذات تأثير بعيد المدى على المدنيين. وهو خرق لميثاق الاممالمتحدة ومعاهدات جنيف ولاهاي وممثلية روما لمحكمة الجنايات الدولية خاصة وان التاثير المدمر لليورانيوم المنضب وذخائر الفسفور الابيض سيؤثر على حياة اجيال مقبلة'. ويطالب الموقعون على الرسالة الهيئة العامة للامم المتحدة بان تعترف بان ازدياد عدد الولادات المشوهة وحالات السرطان بشكل غير مسبوق في العراق وخاصة في الفلوجة، البصرة، بغداد والنجف، هو مشكلة حقيقية. وان تعين لجنة محايدة تقوم بإجراء بحث شامل في مشكلة ازدياد عدد التشوهات الولادية والسرطان في العراق. وان تشرع بتنظيف العراق من المواد السامة التي استعملتها القوات المحتلة بما فيها اليورانيوم المنضب والفسفور الابيض. ومنع الاطفال والبالغين من دخول المناطق الموبوءة لتقليل التعرض لهذه المهالك كما طالب الموقعون بالتحقيق في استخدام هذه الاسلحة فيما اذا كانت جرائم حرب، او جرائم ضد الانسانية قد حدثت وعليه الامتثال لميثاق الاممالمتحدة ومعاهدات جنيف ولاهاي وممثلية روما لمحكمة الجرائم الدولية. والمعروف ان اتفاقية جنيف لعام 1980، تحرم استخدام الفوسفور الأبيض ضد السكان المدنيين أو حتى ضد الأعداء في المناطق التي يقطن بها مدنيون، وتعتبر استخدامه جريمة حرب. ان الدول التي ساهمت في غزو العراق بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية مسؤولة مسؤولية كاملة عن تحديد مواقع التلوث الناتجة عن استخدامها لاسلحة سامة ومشعة ومنها اليورانيوم المنضب وبالتالي العمل على تنظيفها، كما ان حكومات الاحتلال المتعاقبة تتحمل مسؤولية التستر على جرائم المحتل حماية له ولها، والطريقة الوحيدة لوضع حد لامتداد تأثير هذه الجريمة على اطفالنا ومواطنينا جميعا هو اقامة محكمة دولية لمحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم البشعة واجبارهم على الشروع بعملية التنظيف باسرع وقت ممكن.