تتنوع الاسباب ووجهات النظر من طرف لآخر ومن شخص لغيره حول اسباب تأخير الحسم لثورة شباب التغيير وتحقيق اهدافها لكنها في مجملها تؤكد على ان القوى السياسية في المعارضة المتمثلة بأحزاب اللقاء المشترك لا تريد بالتأكيد ان ينجز الشباب المتواجد في الساحات ثورتهم حتى لا يحلمون بحقوق اكثر بعد تغيير النظام , وتفضيل القوى المؤيدة للثورة كافة الحلول كالحل القبلي والعسكري وحمل السلاح او حتى الاغتيال على الحل السلمي فبهذا يصبحون هم اصحاب الأولوية في الحكم لاحقاً وتنفيذ اجنداتهم التي يرونها وفرضها رغماً عن الجميع وتكون لهم السطوة في صياغة الدستور الموافق لأفكارهم ورؤاهم , وقد يجيب البعض ببطلان هذا القول معتمدين على تصريحات الشيخ حميد واللواء علي محسن عن عدم رغبتهم في الحكم بعد رحيل الرئيس صالح , والرد على ذلك يكمن في معرفتنا بصدقيتهم في عدم الرغبة بالرئاسة فهم مشاركون في الحكم خلال فترة صالح ولم يكن يطلق على احد منهم ( فخامة الرئيس ) ولكن هذا الوعد يعد باطلاً من اساسه فهم يطرحون الموضوع وكأنهم اصحاب الحق الاول بحكم البلاد دون غيرهم , وعندما يرددون ذلك يبدوا وكأنهم يتفضلون علينا بالتنازل عما يعتبر امراً محسوماً ( حقهم ) وبالتأكيد فإن فاتورة ما أنعموا به لنا من الإنعام على غيرهم يتولى الرئاسة ستكون باهضةً للغاية عليه وستنعكس على الشعب كاملاً باستمرار ما كان قائم خلال فترة حكم صالح . درسنا منذ صغرنا وعبر المناهج الحكومية وفي كتب الاطفال ضرورة حب النظام والمقصود بها الترتيب لمختلف امور حياتنا وما هو متعارف عليه مما جاء نتيجة التجربة سواء التي عايشها المجتمع بذاته او ما جاء من تجارب الآخرين , وعندما رفع شعار الشعب يريد اسقاط النظام كان من الواضح ان المقصود ليس ما تعلمناه بمعنى ان الشعب لا يريد اسقاط النظام المتبع في قواعد المرور التي تضمن حياة راكبي وسائل المواصلات والمشاة , لكن المطلوب اسقاطه هو ذلك السلوك السيئ الذي تفشى في المجتمع نتيجة الإدارة الفاشلة لمن تولوا ادارة دفة الحكم , وانعكست رغبتهم الجارفة التي تحكمها أهوائهم وتقديم مصلحتهم الفردية ومصلحة المحيطين بهم على باقي المصلحة الوطنية مع عدم اعطاء اعتبار لاحتياجات المواطن , حتى اصبح يسمى نظاماً فاسداً بالمجمل ومن هنا جائت العبارة المقصودة بإسقاط النظام ( الفاسد ) على أمل أن يحل محله نظام يقوم على اساس العقد الاجتماعي المتعارف عليه في اقدم تفسيراته وما تمت الاضافة عليه نتيجة تطور علم السياسة وتوسع الخبرة الانسانية بواقع التجربة التي اختزلت بكلمة ( الديمقراطية ) وحتى لا يسقط المدلول لهذه الكلمة التي يتغنى بها الجميع حالياً في الساحات اضيفت لها مفردات تجعل مسار الثورة لا يخرج عن مساره وفي مقدمتها جميعاً ( السلمية ) التي تقدم في طياتها تطمينات ضرورية ومطلوبة للمجتمع المحلي وكذلك في المحيط الاقليمي والعالم أجمع , وعبر هذا السلوك خُلق تعاطفٌ كبير جراء القسوة التي قوبلت بها هذه الرغبة المشروعة والسُبل النبيلة في سبيل اسقاط نظام يشهد الجميع بتفشي الفساد فيه حتى وصفه رأس النظام نفسه بالاخطبوط , وحين يتم اسقاط نظام كهذا كان لا بد من توفير بديل يملأ الفراغ الناجم عن اسقاطه , ومن هنا نتجت اهمية كلمة ( المدنية ) التي تختزل داخلها الكثير من المفاهيم التي ستطرح بعد اسقاط النظام حيث تجعل من حرية الافراد والتداول السلمي للسلطة والقضاء على الفساد وحرية التعبير والفكر والمواطنة المتساوية بين جميع ابناء الوطن وغيرها عناصر يمكن ملامستها ضمن العنوان الرئيسي للدولة المدنية المرجوة , لكن للأسف الشديد فقد تم اختزال كافة العناصر لمعنى الدولة المدنية عند بعض الثوار الى مدنية الجانب الإداري وتقزيمها اكثر في استبدال الكادر الوظيفي بآخرين ممن حسبوا على الثورة , وليس ادل على ضيق الفهم للمدنية واحتسابها بمعنى مغاير ان القبائل الموالية للشيخ صادق عندما استولت على عدد من المباني الحكومية وبعضها وزارات تناقل البعض انه تم استلام مهام وزارات من قبل الثوار برؤية تجعل من المباني هي الوزارات وليست الاعمال التي تتولى شئونها , فهل اسقاط الإدارة المحلية جعل من القبائل الذين دخلوها هم القائمين بالاعمال التي تتولى شئونها بموجب قانون انشائها .. بالتأكيد لا, كما أغدقت وسائل الاعلام ( الثورية ) بوصف القبائل المسلحين بالثوار في حين انهم وقفوا مع شيخ قبيلتهم فقط الذي لو كان قال لهم ان يطلقوا نيرانهم على المتواجدين في ساحة التغيير لما تأخروا في ذلك ثانيةً واحده . وكانت هذه إحدى الفرصتين كان من الممكن رحيل الرئيس صالح بسببهما , وهما : الأولى : بعد جمعة الكرامة التي هزت كرسي الحكم بدماء الثوار التي ازهقت بيد القناصة , وكان الرئيس صالح مستعد لمغادرة البلاد على اثرها واكسبت ثورة شباب التغيير تعاطفاً دولياً منقطع النظير لكن ما اطال في بقاء صالح بمنصبه هو القلق الاقليمي والدولي من البديل المطروح على اثرها قامت آلة السلطة بالضرب على تابوهات الخوف لدي الدول الاخرى وبالذات الغربية منها ليطول له المقام قليلاً اثر ذلك . الثانية : وهي ذات صلة بالاولى وكان من الممكن ان تقنع العالم أجمع بأن تخوفكم الذي أبقى صالح في سدة الحكم لم يكن له مبرر اصلاً وهي وجائت هذه الفرصة إثر قصف الجيش وقوات الأمن لمنزل الشيخ صادق الاحمر , فلو خرج الشيخ صادق الاحمر واخوانه ليصرحوا انهم جزء من هذه الثورة السلمية وسيبقون على سلميتها لقدموا للمجتمع الدولي ما يمكن ان يكون جواباً دامغاً ببهتان إدعاءات الرئيس صالح , ووصلت فكرة ان العقلية القبلية قد تجاوزت تلك الصورة المأخوذة عنها لم تعد كالسابق , وكانت تلك الرسالة ستكون عامل تطمين كبير للمجتمع المحلي كذلك بأن من يخشى منهم على النظام المدني النشود اصبحوا جزءً منه ولم يعودوا مناوئين له لتفضيلهم النظام القبلي على ما سواه . للأسف الشديد فقد غلبت الرؤية القبلية وتم الرد عبر الاستيلاء على المنشئات الحكومية ونهبت محتوياتها , وهو امر لا يمكن الدفاع عنه , فلو قدمت الصورة التي اغلق بها شباب الثورة في تعز عدد من المنشئات الحكومية وكتبت عليها عبارة ( مغلق من قبل الشعب ) دون المساس بمحتوياتها لكانت لا تزال مقبولة في حدها الادنى لدى الآخرين لكن ما حصل أكد مقولات صالح عن مناوئيه وعززت الشعور الداخلي للمواطنين من القادم , وجعلت الكثيرين من القوة الصامتة حتى المتعاطفين مع الثورة يقفون الى جوار النظام رغم علمهم بفساده . استمر مسلسل الهفوات لدى قوى المعارضة ممثلةً بالأحزاب عبر عدة اجراءات تم اتخاذها , ومنها : 1- تدجين الثوار في الساحات وجعلهم كقطيع داخل مزرعة لايقدرون على اتخاذ أي قرار او فعل ثوري , رغم ما ابدوه من صبر وتقديمهم لأرواحهم راضين في سبيل الحفاظ على سلميتها . 2- تشكيل العديد من اللجان باختلاف مسمياتها في ساحات التغيير عبر اسماء يتم تقديمها من قبل الاحزاب على غرار ما كان متبعاً في تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وإقصاء الشباب المستقل منها . 3- الخطاب الاعلامي الممثل للثورة لم يرتقى الى وعي الثوار . 4- الخروج عن النهج السلمي للثورة للمرة الثانية عبر محاولة اغتيال الرئيس صالح , ورغم انكار كافة الاطراف عن مسئوليتها في ذلك الحادث لكن الاحتفال الذي جرى في الساحة وذبح الاثوار واعداد الولائم جعلهم يبدون بصورة غير ما نادوا به وكسبوا التعاطف المحلي والدولي به برفع شعار السلمية , وظهروا مسعرين حرب مقنعين المؤيدين للثورة ان رفع السلاح هو الحل الأمثل لحسم الثورة , وبهذا تمكن الطرف الذي يدعوا لحمل السلاح الى سحب الاطراف ذات التاريخ والسجل الحافل بالوعي الثوري السلمي ينجروا الى دائرتهم ولهذا رأينا مدينة مثل تعز تبدوا عبر وسائل الاعلام - للأسف الشديد -في صورة مشابهة لما يرد من ليبيا . 5- تأييد بعض المنضمين للثورة – كالفرقة - لطرف على حساب غيرهم ممن يتواجدون في الساحات . 6- تسرب الكثير من الشباب الثائر من ساحة التغيير وانكفائهم بمنازلهم باستثناء يوم الجمعة بسبب القسوة التي يتم التعامل بها معهم في حال إبداء آرائهم من اللجنة الامنية . خلاصة ما يمكن قوله هنا ان خروج شباب التغيير الى الساحات بصورة سلمية , ومطالبتهم بالمدنية عبر شعار اسقاط النظام القائم , لم تكن تعني اسقاط الدولة وهيبتها , ولاتعني الانجرار بسيادة الوطن الى مربع العمالة او التواطؤ او التآمر على حساب الشعب المغلوب على أمره , وما يتم الان هو اسوأ من القتل فمن حكم عليه بالاعدام يصل في فترة ما الى التسليم بما حُكم عليه لكن الأسوأ هو إعطائه أملاً بالنجاة من الموت , ثم إخباره بضرورة تنفيذ حكم قتله وهذا ما جرنا اليه احزاب اللقاء المشترك اكثر من مره ابتداءً بتسمية ايام الجمعة التي كانت في بدايتها ( الحسم , الفرصة الاخيرة , الرحيل ) لتصبح الان ذات مدلولات فضفاضة يلمح منها التعويل على الغير وهو امر يتنافى مع ابسط شرورط ومقومات العمل الثوري ليصدق عليهم قول البردوني عليه السلام وهو يقول : الأباة الذين بالأمس ثاروا أيقضوا حولنا الذئاب وناموا