اضطرت المعارضة الليبية المسلحة التي تقدمت إلى مسافة 80 كيلومترا من معقل العقيد معمر القذافي في العاصمة طرابلس إلى التقهقر الجمعة أمام قصف صاروخي من جانب القوات الحكومية. وأثار تقدم المعارضة قبل خمسة أيام إلى مشارف بلدة بئر الغنم الصغيرة احتمال حدوث انفراجة في الصراع المستمر منذ أربعة أشهر والذي أصبح الأكثر دموية في انتفاضات "الربيع العربي". وذكر مصور لرويترز في بئر عياد على بعد 30 كيلومترا إلى الجنوب أن مقاتلي المعارضة الذين كانوا يتجمعون على تل قرب بئر الغنم ويستعدون لشن هجوم ينسحبون الآن تحت قصف القوات الحكومية بصواريخ غراد الروسية. وقال مراسلون لرويترز إن المعارضين عادوا إلى نفس المواقع على طرف بلدة بئر الغنم بعد ظهر امس الجمعة. وأضاف إن الصواريخ سقطت على مسافات بعيدة وصلت الى بئر عياد وهي نقطة لمفترق الطرق عند الجبل الغربي جنوب غربي طرابلس الذي انطلق منه المتمردون الأسبوع الماضي. واكدت معارضة الذهاب والاياب تلك المأزق العسكري القائم بين قوات القذافي التي تمكنت من الصمود أمام حملة القصف الصاروخي التي تشنها قوات حلف شمال الأطلسي منذ 15 أسبوعا ومحاولات المعارضة لاختراق خطوطها في ثلاث جبهات. وألقى القذافي كلمة عبر الهاتف بثها التلفزيون الليبي أمام نحو 100 الف من أنصاره الذين تجمعوا في الساحة الخضراء في طرابلس الجمعة وتعهد بالبقاء ودعا التحالف الذي يقوده حلف شمال الأطلسي إلى وقف حملته الجوية وإلا فسيواجه "كارثة". وأضاف القذافي "انصحكم أن تتراجعوا قبل ان تحل بكم الكارثة". ونصح القذافي الحلف بوقف الحرب الجوية مضيفا "انصحكم اذا تريدوا السلام وتعود الامور الى ما كانت عليه قبل 100 يوم تتفاهموا مع الشعب الليبي". ولوح انصاره بالاعلام الخضراء وصور القذافي الذي قال ان هذا التجمع الضخم تطوعي ويثبت شعبيته بين الليبيين. واطلقت النار في الهواء كما اطلقت العاب نارية فوق العاصمة في نهاية كلمة القذافي. وبعد ساعتين من كلمة القذافي دوى صوت ثلاثة انفجارات وشوهدت اعمدة من الدخان الاسود ترتفع من اتجاه مجمع باب العزيزية فيما يبدو انها غارات لحلف شمال الاطلسي. ويتزايد الاحباط من بطء التقدم داخل حلف شمال الاطلسي فيما يقلق بعض الأعضاء حيال تكاليف الحملة والخسائر البشرية وطول أمد الحملة عما توقع مؤيدوها في بداية الأمر. كما أن هناك خلافات بشأن المدى الذي يمكن أن يذهب اليه الأعضاء في مساعدة المعارضة التي تواجه نقصا في التنظيم والعتاد. وأصبحت فرنسا الأسبوع الماضي أول عضو في التحالف المناهض للقذافي يقر بامداد المعارضة بالأسلحة وبررت ذلك بحماية المدنيين من تهديدات قوات القذافي. وقالت انها استخدمت المظلات لاسقاط بنادق وقاذفات صواريخ الى جانب مساعدات انسانية للمعارضة في الجبل الغربي. ودفع هذا الاعتراف روسيا العضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الى اتهام فرنسا "بانتهاك سافر" لقرار الاممالمتحدة 1970 الذي فرض حظرا شاملا على الأسلحة لليبيا في فبراير شباط.
وحتى حلفاء باريس نأوا بأنفسهم عن العملية الفرنسية بالرغم من أن بريطانيا والولايات المتحدة أعربتا عن اعتقادهما بانه يمكن تبرير الخطوة الفرنسية في اطار أحكام الأممالمتحدة. وذكر التلفزيون الليبي في ساعة متأخرة ليلة الجمعة السبت أن حلف الاطلسي قصف مواقع في ضاحية تاجوراء في شرق طرابلس. ووصف القذافي حملة الحلف بانها عمل من أعمال العدوان الاستعماري يستهدف سرقة النفط الليبي. وقالت عائشة ابنة القذافي في مقابلة تلفزيونية بثت مساء الخميس ان ليبيا على استعداد لابرام اتفاق مع المعارضة إذ كان هذا سيؤدي لوقف اراقة الدماء. وقالت عائشة في مقابة مع قناة فرانس 2 "تجري مفاوضات مباشرة وغير مباشرة ويجب علينا حقن دماء الليبيين". وعلى الرغم من أن تصريحاتها تمثل تغيرا في اللهجة دعا والدها من جديد انصاره إلى مواصلة قتال المعارضين الذين وصفهم بانهم خونة وطابور خامس ومرتزقة. و ذكرت صحيفة الشرق الأوسط التي تصدر في لندن أن ممثلين عن القذافي اجتمعوا مع مسؤولين من فرنسا وبريطانيا في جزيرة جربة التونسية. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها في معسكري القذافي والمعارضة ان الزعيم الليبي على استعداد لترك السلطة بشرط حمايته من الملاحقة القضائية والسماح له بالاقامة في مسقط رأسه في مدينة سرت شمال ليبيا مع توفر ضمانات تتعلق بسلامته. وعرض زعماء الاتحاد الافريقي امس الجمعة استضافة محادثات بين طرفي الصراع في ليبيا بشأن وقف لإطلاق النار والانتقال إلى حكومة ديمقراطية لكنهم لم يحسموا مسألة ما إذا كان هناك أي دور في المستقبل للقذافي. ولم يرد رد فعل فوري من اي من الجانبين على هذا العرض. وقالت وثيقة اطلعت عليها رويترز في ختام القمة التي عقدت في غينيا الاستوائية ان الدول الاعضاء لن تنفذ امر الاعتقال الذي اصدرته المحكمة الجنائية الدولية ضد القذافي تاركة احتمال لجوء القذافي للاقامة في احدى الدول الاعضاء في الاتحاد مفتوحا. ورفض المعارضون للقذافي إجراء محادثات مع نظامه بعد اصدار المحكمة الجنائية الدولية اوامر الاعتقال قائلين انه لا جدوى من اجراء محادثات مع مجرم حرب.