للمرة الثالثة خلال أقل من ثلاثة أشهر، وقع تفجير جديد في خطوط الغاز التي تمد إسرائيل والأدرن بالغاز الطبيعي بمنطقة العريش المصريّة، الأمر الذي أثار العديد من علامات الإستفهام حول الجهات التي تقف وراء تلك التفجيرات، لاسيما أن الجهات الأمنية المصرية لم تنجح بعدُ في تقديم جناة أو مشتبه بهم للمحاكمة. وعادة ما تسب حوادث تفجير خطوط الغاز في مصر إلى مجهولين. وأعادت التفجيرات الأخيرة قضية معاناة المصريين من أزمة أسطوانات الغاز المنزلية وإرتفاع أسعارها بشكل جنوني وسط تصاعد الدعوات المنادية بوقف تصديره للخارج، ولاسيما إلى إسرائيل.
وقع الحادث الأخير في محطة الدراويش بمنطقة بئر العبد، التي تبعد 80 كيلومتر عن مدينة العريش، من خلال زرع عبوة ناسفة جرى تفجيرها عن بعد، وأصاب المحطة وخط الغاز الموصل إلى مدينة العريش والمنطقة الصناعية بوسط سيناء، وخط التصدير للخارج بأضرار بالغة، وتم إيقاف ضخ الغاز والسيطرة على الحرائق. لكن لم تقدر الخسائر بعد.
وقال الدكتور محمد نبيل المسؤول بوزارة البترول ل"إيلاف" إن الوزارة بدأت في تقدير التلفيات والخسائر، ومن المبكر الحديث عن حجمها، مشيراً إلى أنه لا توجد خسائر بشرية.
وأضاف نبيل أن هناك "عناصر تخريبية" تقف وراء التفجيرات التي تكررت ثلاث مرات بعد الثورة، رافضاً الإفصاح عن هوية تلك العناصر، لكنه إعتبرها جزء مما وصفه ب"الثورة المضادة" التي تستهدف نشر الفوضى في البلاد وإثارة الرعب في قلوب المواطنين، وإيصال رسالة للخارج مفادها أن مصر لا تنعم بالإستقرار والأمن، لافتاً إلى أن ذلك الهدف منه التأثير على فرص الإستثمار في مصر.
ودعا نبيل وزارة الداخلية إلى تكثيف التواجد الأمني حول خطوط الغاز، لمنع تكرار تلك التفجيرات، معتبراً أنها تضر بالأمن القومي المصري، وتضر بعلاقات مصر التجارية مع الدول الأخرى، مما يعرضها لخسائر تقدر بملايين الدولارات يومياً في وقت يعاني الإقتصاد من ركود شديد.
فيما قال مصدر مطلع ل"إيلاف" إن إمدادات الغاز لإسرائيل لم تأثر بالإنفجار الذي وقع في ساعة مبكرة من صباح اليوم، مشيراً إلى أن الإمدادات للأردن هي ما تأثرت بشكل واضح، وتم قطع ضخ الغاز إليها، وأضاف أنه يجري العمل حالياً بكل قوة من أجل إستعادة الضخ للأردن. وأضاف المصدر أن إمدادات الغاز للمنازل في مدينة العريش تأثرت أيضاً، حيث أنقطعت عن نحو 2500 وحدة سكنية.
تعرضت خطوط إمداد الغاز لإسرائيل والأدرن ثلاث تفجيرات منذ نجاح الثورة في الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، الأولى كانت بتاريخ 5 مارس/ آذار في أعقاب إعلان الحكومة المصرية إعادة النظر في تصدير الغاز لإسرائيل، والثانية كانت بتاريخ 27 أبريل، والأخيرة صباح اليوم 4 يوليو، في أعقاب تصاعد الدعوات المطالبة بإيقاف ضخ الغاز لإسرائيل بعد إستئنافه في 10 يونيو من الشهر الماضي.
ووفقاً للدكتور أحمد مراد الخبير الإستراتيجي، فإن مصر صارت مستهدفة بشكل كبير بعد الثورة، وأوضح ل"إيلاف" أن هناك جهات خارجية وقوى داخلية من مصلحتها إجهاض الثورة، منها ما يصفون ب"فلول النظام السابق" الذين يسعون إلى نشر الفوضي والتخريب في أنحاء البلاد، وهؤلاء لديهم جيش من البلطجية والمجرمين المحترفين يأتمرون بأوامرهم، ويسعون ليس للإضرار بمصالح مصر الداخلية فقط، بل والإضرار بمصالحها الخارجية، وأضاف مراد أن هؤلاء يحاولون من حين آخر إشعال الفتنة الطائفية بين المسليمن والمسيحيين، ويحاولون ضرب خطوط الغاز للخارج، لإثارة التوتر في علاقات مصر بإسرائيل والأردن، وإظهار مصر بأنها غير ملتزمة باتفاقياتها الدولية.
وأشار مراد إلى أن هناك عناصر إرهابية تسعى لضرب مصر أيضاً، إضافة إلى إحتمالات وجود جهات أو دول خارجية تقف وراء تلك الحوادث لضرب الإقتصاد المصري وإثارة التوتر على حدودها الشرقية.
ودعا مراد المواطنين المصريين إلى حماية مشاريعهم الاقتصادية، مشدداً على ضرورة ألا يتم تفويت ذلك الحادث بسلام، وأن تجرى تحقيقات واسعة لمعرفة المتورطين فيه وتقديمهم للمحاكمة، لمنع تكرارها حفاظاً على الأمن القومي للبلاد.
الإضرار بالأمن القومي العبارة نفسها التي استخدمها اللواء السيد مبروك محافظ شمال سيناء أثناء تفقد موقع التفجير صباح الاثنين، وقال في تصريحات صحافية إن "تفجير خط الغاز يضر بأمن الوطن"، مشيراً إلى محافظة شمال سيناء أول المتضررين من ذلك الحادث، وأوضح أنه يجري تنفيذ مشروعات قومية كبرى خدمية وإستثمارية في المحافظة، وتعتمد في تشغيلها على الغاز الطبيعي، مشيراً إلى التفجير الأخير سيؤدي إلى توقفها.
وينبه الدكتور أحمد عبد السلام الخبير بمركز الدراسات السياسية إلى أن تلك التفجيرات جاءت بعد أقل من يوم واحد على توصيات مؤتمر الوفاق القومي بوقف تصدير الغاز لإسرائيل التي صدرت أمس، وأضاف ل"إيلاف" أن بعض المصريين يشعرون بالغضب بسبب تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار بخسة، ويعتقدون بضرورة إيقافه وتوجيهه إلى استثمارات قومية أو بيعه بأسعار أعلى للدول الأخرى، وإذا كانت اسرائيل تريد الشراء بالأسعار المتعارف عليها عالمياً فلتفعل أو تحرم منه.
مشيراً إلى أنه يجب على الحكومة البحث عن حل لهذه القضية بما لا يثير إحتقان المصريين، ويحقق عائد إقتصادي واضح من وراء عملية تصديره لإسرائيل، لافتاً إلى أن هناك معاناة من جانب المصريين من أزمة أنابيب الغاز بصفة مستمرة صيفاً وشتاءاً، وأرتفاع أسعارها بشكل جنوني، حيث ارتفع سعر الإسطوانة المنزلية خلال عام من سبعة جنيهات إلى نحو ثلاثين جنيها، وتقع مشاجرات يومية في طوابير توزيع تلك الإسطوانات، وتشهد إصابات وقتلى في بعض الأحيان.
وصدرت أحكام قضائية عدة بوقف تصدير الغاز لإسرائيل منها الحكم الصادر في 18 نوفمبر 2008، من محكمة القضاء الإداري، ثم صدر حكم ثان بتاريخ 6 يناير 2009، ولكن هذا الحكم تم نقضه من المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 2 فبراير 2009، وقبلت المحكمة طعن الحكومة على حكم الإيقاف، وفي 27 فبراير 2010، أصدرت حكماً نهائيا بعدم اختصاص القضاء بنظر الطعن على قرار الحكومة المصرية بتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، باعتباره عملاً من أعمال السيادة.
ووفقاً للإتفاقية الموقعة بين مصر وإسرائيل بتاريخ 30 يونيو 2005، فإن الأخيرة تحصل على 1.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، ولمدة 20 عاماً بسعر يتراوح ما بين 70 سنتاً و 1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، وهو سعر يعتبره الخبراء زهيداً وبأقل من التكلفة التي يبلغ 2.65 دولار للمليون وحدة حرارية.
ويخضع الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال وصديقه حسين سالم الوكيل الحصري للصفقة إضافة إلى وزير البترول الأسبق سامح فهمي للمحاكمة الجنائية بتهمة تصدير الغاز لإسرائيل بأقل من السعر العالمي، وإهدار المال العام والإضرار به.