*ما قاله حميد الأحمر في برنامج الجزيرة الجمعة الماضية لا يجب أن يمر مرور الكرام، وأعني تحديداً تسليح الحرس الجمهوري للحوثيين والحرب غير المعلنة بين الفرقة الأولى مدرع وقائدها والحرس الجمهوري وقائده، إما أن يكون الكلام الذي ذكره حميد الأحمر صحيحاً وعليه لا بد أن ينتصر الجيش لنفسه ودماء أفراده وقادته التي أهدرت في صعدة، ويقلب الطاولة على الجميع، نظراً لعجز المؤسسات المدنية السياسية عن الانتصار له، ناهيك عن الانتصار لنفسها أو للشعب الذي أوكل إليها أمره، وإما أن يكون كلام حميد الأحمر كذباً وبهتاناً وزوراً، وعلى الجهات المختصة أن تطالب برفع حصانته البرلمانية ومحاكمته بتهمة الإساءة للقوات المسلحة وترويج الأكاذيب للنيل من معنوياتها في وقت تعيش فيه حالة حرب ضد المتمردين على النظام والقانون. *شخصياً لا أصدق أن ما قاله حميد الأحمر قد حدث بالفعل، لأنه لا يعقل أن يكون الرئيس عاجزاً عن إقصاء قائد الفرقة والمحور الشمالي الغربي، مع افتراض أنه أصبح يشكل خطراً على الرئيس أو على ولده قائد الحرس والقوات الخاصة، ولا يعقل أن يسمح الرئيس مهما خف عقله وتدبيره بإزهاق أرواح اليمنيين من الجيش والمدنيين بأسلحة الحرس الجمهوري، لأن ذلك إن حدث فهو خيانة وطنية لا تغتفر وغباء سياسي لا يقع فيه رجل محنك بالفطرة مثل علي عبدالله صالح، وقد اختبرته سنوات ثلاثة عقود من المراس السياسي والكر والفر، فهل يعقل أن يلجأ إلى ضرب نفسه بنفسه مهما كانت الظروف والأسباب؟ *الأمر الآخر الذي يشكك بصدق هذه الرواية الحميدية، لماذا صمت حميد الأحمر على فعل كهذا إن كان علمه ولديه الأدلة والبراهين، لماذا لم يطرح الموضوع في مجلس النواب وهو أحد أعضائه، وأقل القليل سيطالب بلجنة برلمانية للتحقيق، وإذا فشل بإمكانه أن يعقد مؤتمراً صحافياً لوسائل الإعلام يقدم فيه ما يثبت هذا العبث الذي يقوم به قيادات القوات المسلحة، ألا يعد صمت حميد الأحمر إلى الآن جريمة أيضاً وخيانة؟! *ثم كيف يصمت قائد الفرقة الأولى مدرع قائد المنطقة الشمالية الغربية على الضيم، وهل يعقل أن يسمح لأفراده أن يذهبوا إلى حتفهم بواسطة سلاح الحرس الجمهوري، هل هو من الغباء لدرجة أن يدخل هذه اللعبة المهزلة دون أن يحرك ساكناً، دون أن يعلن العصيان العسكري أو يقدم استقالته المبررة ويلجأ إلى البرلمان أو الإعلام ليفضح خيانة الرئيس أو ولده على الملأ، فإن كان حدث ما حدث بالفعل وارتضاه علي محسن لنفسه وقواته وأفراده فقد ارتكب أيضاً خيانة وطنية لا تجعله أهلاً للمسؤولية ولا مؤتمناً للقيام بواجب الدفاع عن أمن الوطن واستقراره؟ *وأنا أنصح حميد الأحمر ألا يحاول تحويل مجرى الخلاف السياسي بينه وبين الرئيس إلى خلاف شخصي بحت، وإذا كان بحق يهدف إلى التغيير والإصلاح فعليه العمل في ظل العمل الحزبي المؤسسي، عليه أن يدفع الأحزاب المعارضة إلى الضغط على الحزب الحاكم وعلى الرئيس لاستكمال الحوار على طاولة وطنية بحتة تخرج بحلول وطنية في ما يخص التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات ولجنتها وصولاً إلى إجراء الانتخابات في موعدها المؤجل، باتفاق الأحزاب السياسية وقرار مجلس النواب، وإذا كان حميد الأحمر يفكر بوطنية حقة وحرص على مصلحة الوطن فننصحه أن يصرف عن تفكيره إمكانية التغيير والإصلاح بعيداً عن علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي، لأن ذلك محض خيال بحت والإصرار عليه سيؤدي إلى كوارث وتضحيات لا نعتقد أن الشعب اليمني لديه القدرة على تحملها أو دفع نتائجها. *من حق حميد الأحمر أن يوحد أو يقود المشترك والقوى المعارضة تحت سقف الوحدة والديمقراطية والأطر الدستورية, ومن حقه أن يسعى إلى السلطة أو الحكم، لكن ضمن أطر ديمقراطية يحددها الحوار مع القوى جميعها بما فيها حزب الرئيس علي عبدالله صالح، وليكن التغيير الذي يريده حميد الأحمر والشعب اليمني عن طريق الاقتراع والبرامج الانتخابية، أما بدون ذلك فيعني الانقلاب على مؤسسات دستورية قائمة ومنظومة قانونية واجتماعية وسياسية حميد الأحمر نفسه جزء لا يتجزأ منها، هذا الانقلاب يعني حرباً أهلية وصراعاً دامياً، لأنه لا معنى لمؤتمر الإنقاذ ولا لرؤيته مهما كان حجم المشاركين فيه ما لم يكن هناك خط مع المؤتمر الشعبي وحوار جاد مع الرئيس، هل سينفذ حميد الأحمر وأعضاء مؤتمر الإنقاذ الوطني رؤيتهم التغييرية بالقوة؟! هل سيقبل الرئيس وينصاع لقرارات ورؤى الإنقاذ ورغبات المنقذين باعتبارها قرآناً منزلاً أم سيحمل الأمر على أنه موقف شخصي من حميد الأحمر ورفاقه؟ *إذا كانت السلطة القائمة مجنونة فلا أنصح حميد الأحمر بدفعها إلى مزيد من الجنون، لأن الشعب سيكون الضحية كما كان الضحية في كل الصراعات الدامية التي عاشتها اليمن ولم تلتئم جراح بعضها حتى الآن، وأولاً وأخيراً أقولها بصراحة ما لم يرد الرئيس صالح نفسه فعل التغيير فلا أظن أن أي قوة حالية بإمكانها أن تفرضه عليه، ويستحيل القيام بأي ثورة خضراء أو برتقالية مهما كان جمالها وأحلامها في مجتمع كاليمن، ينوء بثقافة القبيلة قبل الحزب وبثقافة الشيخ قبل الرئيس وبثقافة المنطقة قبل الوطن، ناهيك عن وعي متدن بالديمقراطية وأمية غالبية، وعقول وقلوب لا تزال متعلقة في لا وعيها بالواحد الحاكم الرئيس الملك القوي الأب والمثال، حتى وإن لبست قشور الديمقراطية وأعراض الحداثة والمدنية المعاصرة.