بمحض «الصدفة» تزامن إخراج الطبعة العاشرة من مذكرات الأمير خالد بن سلطان «مقاتل من الصحراء»، مع تطهير الحدود من العناصر «المتمردة» جنوب المملكة. لكن الصدفة تحمل أكثر من إيحاءٍ بنجاح المهمة الجديدة، في أذهان سعوديين، ارتبط الأمير في أذهانهم بمواقفه الشجاعة من حرب تحرير الكويت، التي كان فيها خالد بن سلطان رقماً صعباً ليس على الأعداء ولكن أيضاً على الحلفاء، الذين أخضعهم لمعاملة ندّية. وعلى رغم أن لا مقارنة من حيث العدد والعدة، بين الجحافل العراقية التي واجهها الأمير آنذاك بحزم حتى قبل أن تنضم إليه قوات التحالف عام 1991، وفصائل من «المتمردين» المسلحين، إلا أن القوى الاقليمية المعادية والصديقة، ربما تتذكر بمناسبة إشراف الأمير السعودي على المعارك الجارية الآن، حزم الرجل في معارك من قبل، أصبح بعدها موضوع فخرٍ لكل مواطنيه، ورهبة من أعاديه.
وإذا كان مساعد وزير الدفاع والطيران، كتب أول أسطر من مذكراته وهو يودع كما يقول عمراً من العمل العسكري، وظن أنه يتلقى التحية العسكرية للمرة الأخيرة في حياته، ويطوي سجلاً من الأحداث الجسام، فإنه وإن عاد إلى الميدان اليوم بصفة أخرى ومنصب آخر، يبقى بالنسبة إلى السعوديين هو الرجل نفسه الذي اكتوى بنيران الصعاب، ليقدم النصر لشعبه ومليكه على طبق من التضحيات. ومع أن الأمير نفسه في مقدمة الطبعة العاشرة لكتابه الذي لا يعرف خالد بن سلطان من لم يقرأه، تطلع إلى «عالم يسوده الأمن والأمان ويزهو بالعلم والمعرفة» إلا أنه أدرك باكراً، أن الضعف في عالم لا مكان فيه إلا للأقوياء، ليس خياراً يناسب بلاده التي أخذت بكل أسباب القوة منذ حين. المنطق العسكري للأمير الذي عركته الحرب، وأبلى فيها مع زملائه البلاء الحسن، لم تخف جانب الإنسان فيه، وهو يروي في كتابه مشهد أحد الأسرى العراقيين من أصل نحو 450 أسيراً في معركة الخفجي، قائلاً: «ذهبت للقاء أول دفعة من الأسرى، فإذا بأسير منهم يرمي بنفسه عند قدمي ويحاول أن يقبل حذائي، وهو يلهج بطلب الرحمة، ثم قال وهو ينتحب إن لديه خمسة أطفال وهو عائلهم الوحيد، ولم يأت إلى القتال إلا مرغماً، فأمرته بالوقوف فوراً وطمأنته بأنه لن يتعرض لأذى. تأثرت بذلك المنظر كثيراً حتى إنني قررت ألا أجري أي اتصال مباشر مع الأسرى العراقيين، إذ رق قلبي لحالهم».
ومن أغرب ما لا يصدقه أحد في عهد هذا الزمان ما وثقه خالد بن سلطان عن توجيه الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز له بعد أن بشره بتحرير الخفجي من العراقيين، قائلاً: «لا تنس أن هؤلاء الأسرى أجبروا على قتالنا، فقبل أن تشرع في استجوابهم تأكد أنهم استراحوا واغتسلوا وألُبسوا ملابس نظيفة وقدم إليهم الطعام ولا تستجوبهم قبل ذلك». وهي تعليمات قال الأمير إنه نفذها بدقة. ربما تكون قوة السعودية «الناعمة» تلك في الرحمة والوقوف إلى جانب أشقائها في أحلك الظروف، هي التي تسوّل لبعض المتمردين والمجانين هتك حرماتها، إلا أنهم لا يدركون كما قال أحد الخبراء بالأمور أنها رحمة تخفي من ورائها «قسوة مدمرة ساعة تنتهك حرمات الدين والوطن». مع أن العصابات في المناطق الوعرة في العالم كله ظلت عصية ومربكة، إلا أن المتمردين ربما نسوا أن الجبال نفسها جربها قبلهم رجال آخرون، ظنوا السعودية لقمة سائغة، فعادوا صاغرين. ومع جولتهم مع رجال الأمير خالد بن سلطان ستعود هذه الزمرة أصغر وأصغر.