"سامي غالب "صديقي الذي تعرفت عليه في بداية التسعينيات ،ووجدته يتخلق بصفات الارستقراطية الأخلاقية ،ولأنني بدأت قراءاتي في بداية الثمانينيات بمجموعة كتب قمت بإنقاذها من عملية إحراق قام بها ابي العزيز ،خوفا من مداهمة الأمن الوطني لمنزلنا الكائن في وادي المدام حارة القاهرة،عام 78م ،فلقد قام الوالد بتجميع مكتبة أخي أحمد ناجي النبهاني ،وقام بإحراقها على دفعات داخل "المافي"هي ومجموعة ثمينة من اشرطة الكاسيت التي تجمع نجوم الفن في مصر والشام ...لكنني استطعت إخفاء شنطة ثياب مليئة بالكتب ،في السائلة المجاورة لبيتنا ،أسفل جبل القاهرة ...حينها بدأت بالقراءة ،وكانت الكتب التي انقذتها من الحريق مثل "زعماء الاصلاح "وفجر الاسلام ،وضحى الاسلام ،وظهر الاسلام "لأحمد أمين ،وعلمانية الاسلام لمحمد عمارة ،ورسائل حسن البنا ،وكتاب عن الشيوعية والاسلام لعبد المنعم النمر ،وكتاب "ما العمل "وخطوة للأمام خطوتان للخلف "للينين "وكتب للريماي عن حركة القومية العربية ،وآخر لنديم البيطار ،ولعصمت سيف الدولة نظرية الثورة العربية ،واعدام السجان ،وهل كان عبد الناصر ديكتاتوريا ،ومشكلة الديمقراطية في مصر... ،وقتها قرأت عن جمال الدين الافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ،وسيد قطب ،وخاصة كتابه البديع "العدالة الاجتماعية "الذي ألفه قبل انضمامه للإخوان المسلمين،ربما سنة 51م... حين كنت في الجامعة سنة أولى عام 1990 م،بعد أن تأخرت عن التحاق بها لمدة ثلاث سنوات ، كلفني الدكتور عامر النجار بعمل بحث عن رجالات عصر النهضة ،وسرعان ما عدت لكتاب "زعماء الاصلاح "لأحمد أمين "ثم بدأت بقراءة ثلاثة مجلدات عن "الاسلام الحركي"" لفتحي يكن "وتفاجأت بأن فتحي يكن يسطو على صفحات كاملة من كتاب أحمد أمين "زعماء الاصلاح "دون أن يشير للكتاب ،والصفحات التي نقلها !...سأعود إلى بداية مقالي ،وهو الاشارة إلى الارستقراطية الأخلاقية لصديقي "سامي غالب"،وسأتحدث عن سبب انشداده لكاتب ومفكر اقتصادي بحجم "جلال أمين "بالنسبة لي أجد السبب طبيعيا ،فالقلوب والعقول ماتشابه منها إئتلف،لكنني بدأت بالتفكير عن سبب إعجابي بمفكر اقتصادي بديع مثل "جلال أمين ،ووجدت أن السبب يعود إلى بداياتي في القراءة ،حيث مثل لي "أحمد أمين "بثلاثيته "وكتابه زعماء الاصلاح ،إلى جانب كتابي لينين وكتب عصمت سيف الدولة وكتاب للريماوي وآخر للبيطار ،وكتب لعمارة ...الخ جذوري المعرفية ... "جلال أمين هو الابن الأصغر ل"أحمد أمين "ولعلّ الأب قد وّرث لابنه مجموعة صفات منها حب اللغة العربية ،والوضوح والبيان... حين يكتب في الاقتصاد فهو يمزج بين النزعة الانسانية ،والمعرفة ،وخصوصية الاقتصاد ،كل حركة لعلم الاقتصاد وموقفه النقدي منها مرتبط بالانسان كمحور للاقتصاد والسياسة والأدب والسينماء والأغنية ...الخ. لم أجد رأيا في عبد الناصر أكثر توازنا وموضوعية مما قرأته للكثيرين سوى ما قاله "جلال أمين" في العديد من كتبه ،ومنها كتابه "شخصيات لها تاريخ "الصادر عن دار الشروق بطبعته الأولى عام 2007م والثانية عام 2008م ،وسأنقل للقارئ هذا المقتبس من كتابه هذا ،وما قاله عن "جمال عبد الناصر " "كان كل يوم يمر بعد وفاة عبد الناصر يزيدني تقديرا له ولسياسته ،ويزيد استعدادي لغض النظر عن عن القيود التي فرضها على الحريات ،ويجعلني أدرك أكثر فأكثر أن الغالبية العظمى من الناس في مصر لم تعان من فقد الحريات بل زادت حريتهم بحصولهم على رغيف الخبز وضروريات الحياة .إني لم أفقد بالطبع إيماني بأهمية الحريةالسياسية ،ولكن لكل مقام مقال ،ولكل عهد القضية التي يجدر التأكيد عليها .والقضية الأساسية الآن هي استعادة المكاسب التي أتى بها عبد الناصر لمصر وتعرضت للتهديد شيئا فشيئا بعد وفاته "ص92