شابٌ ساذج لطمته شرطية حمقاء، فأشعل النار في نفسه، فهاج الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، وأحرق ليبيا وسوريا واليمن، وبالكاد نجت مصر وتونس.. وبقية الدول العربية الأخرى!. هذه حكاية الربيع العربي، مأساة عبثية، تشبه حكايات البسوس وداحس والغبراء.. وغيرها من الوقائع الجاهلية كتجليات تاريخية لظاهرة واحدة كامنة في عمق جينوم الثقافة العربية المتخمة بالغفلة والحمية والاندفاع. قامت حرب (داحس والغبراء) بسبب سباق خيول، وقامت حرب البسوس بسبب ضرع ناقة، كلتا الحربين دامت أربعين عاما، ما يعني أن حرائق الربيع العربي التي لا تزال مشتعلة من سنوات ستستمر سنوات أخرى أيضاً وربما عقود.! أربع سنوات ثورية في اليمن لم تدمر فحسب البنية التحتية المتواضعة للدولة والمجتمع المدني.. بل قوّضت حتى البنية النفسية والفكرية للتغيير والتنمية والوحدة الوطنية!. الهموم الإنسانية الحضارية المتعلقة بالحريات وتخلقات الحداثة أصبحت ترفاً لصالح هموم بشرية غابرة تتعلق بالأمن ولقمة العيش.! والقلق المعرفي الذي رضعناه من الكتب واعتنقناه منذ الصغر.. ترك مكانه شاغراً لنوع آخر من القلق البدائي المتعلق بالحد الأدنى من الحقوق الآدمية.! والثورة مستمرة، ولا أحد يدري إلى أين ستصل، ولكن فيما لو وصلنا، بمعجزةٍ ما، إلى بر، فسنتذكر هذا الغرق طويلاً، وعندما ينكؤنا أحفادنا بالسؤال عن هذه السنوات الثورية العجاف سننكر علاقتنا بها، ونبحث عن إناءٍ نبصق فيه عار الذكريات.