يتعرض الأطباء في اليمن لاعتداءات متكررة تصل إلى حد القتل ما جعل بعضهم يفكر في مغادرة البلد في وقت تدهورت ثقة المواطنين بمهنة الطبيب. وأدت حادثة مقتل طبيب يمني على يد أقارب مريض إلى شيوع حال قلق وتوجّس، في أوساط الأطباء والعاملين في المجال الصحي. وقالت مصادر في نقابة الأطباء والصيادلة أن بعض الأطباء هاجر إلى دول عربية مثل الإمارات وعمان. وكان الطبيب درهم محمد القدسي قضى في كانون الثاني (يناير) الماضي، بعد أيام على إصابته بطعنات وجهها له عدد من أقارب مريض قضى في المستشفى الذي يعمل فيه القدسي. وتسود الأوساط الطبية والشعبية حال غضب بسبب عدم القبض على قتلة القدسي، على رغم مضي نحو 6 أشهر على الحادثة. كما ترفض أسرة القتيل دفن جثمانه. وشهدت صنعاء وعدد من المدن اليمنية اعتصامات نفّذها أطباء وناشطون مدنيون. واعتبر عبد القوي الشميري، أمين عام نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين، الحادثة "نتاج حال الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد". وأوضح أن تزايد الاعتداءات على أطباء وعاملين في المجال الصحي فاقم من الشعور بعدم الطمأنينة، خصوصاً في ظل ما سمّاه " تقاعس السلطات في ضبط المتهمين". وهو الأمر الذي شجع على استمرار الاعتداءات. وذكر الشميري ان بعض الأطباء غادر البلد، وآخرون يفكرون في الهجرة للعمل في بلدان عربية أو أجنبية، بسب عدم توافر ضمانات العمل الآمن للطبيب. واتهم الشميري وسائل الإعلام ومسؤولين حكوميين بالتحريض على الأطباء. ولفت إلى أن مسؤولين في الدولة ساهموا في هذا التحريض، من خلال تقديم صورة سلبية للأطباء ولعملهم في تصريحاتهم". مشيرا إلى 13 حالة اعتداء على أطباء وعاملين في المجال الطبي، سجلت خلال السنوات الماضية، بينها حالات قتل. بيد أن مصادر طبية رجحت أن يكون الرقم أعلى من ذلك، مشيرة إلى اعتداءات لا يتم تسجيلها في نقابة الأطباء والجهات الرسمية، وتُحَلّ ودياً. كما سجلت حوادث اعتداء أطباء على زملاء لهم لأسباب سياسية، فيما لا يزال الانقسام يسود كيانهم النقابي. ويعتقد كثر أن الطبيب اليمني قلما اهتم بتحصيل المعارف، بعد تخرجه وأنه لا يهمه سوى المال. وباتت المهنة موضوعاً لأعمال درامية ساخرة، من قبيل الميكانيكي الذي يتحول إلى ممارسة الطب. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود 228 مستشفى حكوميا. وتشكو السلطات الطبية من عجز في الطاقة الاستيعابية، إذ يوجد 7 أسرّة وثلاثة أطباء لكل 10000 من السكان. وخلال السنوات العشر الماضية، انتشرت المستشفيات الخاصة في شكل لافت. بيد أن ذلك لم يوقف تدهور الثقة بالعاملين في المجال الطبي، بل زادها خصوصاً بعد حدوث حالات وفاة نتيجة أخطاء طبية، بعضها في عمليات بسيطة مثل استئصال اللوزتين. وتحاول الحكومة إقناع مواطنيها بعدم السفر إلى الخارج لغرض العلاج. ونفى الشميري أن تكون أخطاء الأطباء وراء الاعتداءات التي يتعرضون لها، وقال ان معظم دول العالم، بما فيها الولاياتالمتحدة، تشهد أخطاء طبية تتجاوز ما هي عليه في اليمن. ومع ذلك، ما زال الأطباء يعملون في ظل أوضاع أمنية سيئة، مؤكدا ان ما يتعرض له الأطباء في اليمن لا يحدث حتى في المناطق التي تنعدم فيها كل مظاهر سلطة الدولة مثل الصومال. ويرى الشميري ان ما يتعرض له العاملون في مجال الصحة جزء من حال الاعتداءات التي يتعرض لها عاملون في مجالات أخرى، معتبراً ذلك نتيجة لحال الفوضى التي تعيشها البلد. وكان هدم قوات عسكرية الشهر الماضي منزل من يعتقد أنه المتهم الرئيس في قتل القدسي، قوبل باستهجان عدد من المنظمات، ويخشى بعضهم أن يسفر ذلك عن ثارات عوض أن يحل القضية. وما زالت الرقابة الرسمية على أداء الأطباء والمستشفيات ضعيفة. ويعتقد بعضهم بأن عدم اكتشاف حالات إصابة بأوبئة جديدة، كأنفلونزا الخنازير والطيور... ربما يعود إلى تدني إمكانات الرصد الوبائي. وتنتشر في اليمن أمراض تقليدية مثل التيفوئيد والملاريا. وخلال الشهر الفائت فقط، أعلنت منظمة الصحة العالمية خلو اليمن من مرض شلل الأطفال. وكانت السلطات أغلقت كليات الطب البشري في الجامعات الخاصة، باستثناء واحدة، وهي التي قتل في مستشفاها الطبيب القدسي. وينتشر في الريف قيام ممرضين بدور الطبيب في معالجة المرضى. وبات مقتل القدسي قضية رأي عام وحملت صوره على جدران المدن والمركبات وأطلق موقع باسمه على شبكة الانترنت.