تفاقمت في الآونة الأخيرة عمليات تنظيم القاعدة، وانتقلت من مكانها الرئيسي وهو أفغانستان إلى مناطق أخرى في إفريقيا والشرق الأوسط. والملاحظ أن نشاط القاعدة يزيد في المناطق التى تعانى من غياب الدولة، التي تواجه فيها الدولة اضطرابات وحركات تمرد استطاع التنظيم أن يستثمرها لصالحه، ولكن عودة النظام كفيلة بإنهاء وجود التنظيم وانتقاله إلى مكان آخر. فإذا كان التنظيم ينشط حاليًا في اليمن والصومال وبعض دول الساحل الافريقى بسبب الأوضاع الأمنية هناك، فان التنظيم نفسه يكاد يكون قد اختفى من الجزائر بعدما كانت واحدة من الدول التى ينشط فيها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامى الفرع المغاربي للقاعدة، لكنه الآن نقل عملياته إلى مالي والنيجر وغيرهما من دول الساحل الإفريقي. والدليل الأبرز على نشاط القاعدة في اليمن هو أن المواجهات بين القوات اليمنية وعناصر القاعدة، لم تبلغ من قبل، ما بلغته هذا الأيام، حيث فاقت حصيلة القتلى من الطرفين في الشهرين الماضيين ما بلغه عدد القتلى والضحايا في مواجهات الطرفين وهجمات تنظيم القاعدة على مدى أكثر من 13 عاماً في الفترة من 1997 حتى عام 2010. وكان أبرز ما شهده الشهران الماضيان استهداف القصر الجمهوري في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت في 25 فبراير في عملية انتحارية أدت إلى مقتل أكثر من 20 من جنود الحراسة، ثم مقتل نحو 150 من ضباط وجنود الجيش في هجوم كبير شنته جماعة «أنصار الشريعة»، المرتبطة بتنظيم القاعدة، على مواقع عسكرية في منطقة دوفس بمحافظة أبين. وفي 31 مارس شنوا هجومًا مباغتًا على موقع عسكري في منطقة الحرورة بمحافظة أبين حيث قتلوا ما بين 20 إلى 30 جندياً، واستطاعوا في هذه الهجمات الاستيلاء على عدد من الآليات العسكرية الثقيلة والأسلحة. وقد تحول نشاط القاعدة، والجماعات الجهادية المرتبطة بها، ابتداء من العام الماضي 2011، من الهجمات المباغتة، التي كان ينفذها في الغالب عدد محدود من العناصر، إلى نشاط واسع وحرب مفتوحة تخوضها مجموعات كبيرة من الجهاديين ضد القوات الحكومية في عدة مناطق. ففي اثناء الثورة الشعبية اليمنية العام الماضي، استطاعت «أنصار الشريعة» الاستيلاء على أجزاء كبيرة من محافظة أبين في جنوب اليمن، بما فيها عاصمة المحافظة زنجبار، وأعلنت عن قيام إمارة إسلامية أطلقوا عليها «إمارة وقار الإسلامية». كما تمدد «أنصار الشريعة» في بعض المناطق في المحافظات المجاورة لأبين، حيث أقاموا مركزًا تدريبيًا لقواتهم في منطقة عزان بمحافظة شبوة، وأعلنوا قيام إمارات إسلامية أخرى في شبوة ولحج، كما استطاع مئات من الجماعة السيطرة على مدينة رداع في محافظة البيضاء لنحو أسبوعين في يناير الماضي. ونقلت إذاعة أمستردام عن بعض الصحف اليمنية عن زعيم «أنصار الشريعة» في أبين جلال محسن المرقشي المكنى بأبو حمزة، أنهم قاموا بتنظيم الحياة في المناطق التي يسيطرون عليها، وتحسين خدمات الصرف الصحي والكهرباء، كما قاموا بالفصل في العديد من قضايا المواطنين التي ظلت في المحاكم لسنوات طويلة.ولكن تفيد المعلومات بأن معظم سكان المناطق التي يسيطر عليها «أنصار الشريعة»، نزحوا منها منذ وقت مبكر، وهم الآن يعيشون في ملاجئ بمحافظة عدن، فيما تحولت مدنهم ومناطق سكنهم في أبين إلى أنقاض بسبب المعارك التى شهدتها هذه المناطق. وقد أكدت لجنة شكلها مجلس النواب اليمنى أن أهم أسباب نجاح هجمات القاعدة تعود إلى زيادة عدد مقاتليها بشكل لافت ومثير. ولفتت النظر إلى وجود تنظيم القاعدة في كل المحافظات اليمنية، وشددت على أن من أهم أسباب توسع نشاط القاعدة، الانقسام في القوات المسلحة، وضعف النشاط الاستخباراتي العسكري. وعلى الرغم من أن التقارير الحكومية لم توضح أسباب زيادة نشاط «القاعدة» والجماعات المرتبطة به في الجنوب اليمني، إلا أن معظم الجنوبيين يعتقدون أن نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح هو المسؤول عن ذلك، منذ أن حشد ودعم الإسلاميين الجهاديين في الجنوب، لمحاربة الحزب الاشتراكي اليمني في السنوات الأربع الأولى بعد تحقيق الوحدة اليمنية في 1990، وصولاً إلى الاستعانة بهم بقوة في حربه ضد الاشتراكي عام 1994. كما يتهم الجنوبيون، الرئيس السابق وأعوانه بتسليم أبين للقاعدة خلال فترة الاحتجاجات الشعبية في العام الماضي، بهدف تخويف العالم من إمكان توسع نشاط القاعدة وسيطرتها على البلاد في حال سقوط نظام حكمه. واحد الأسباب الرئيسية لقوة نفوذ تنظيم القاعدة في اليمن هو تدفق مجموعات من عناصر حركة الشباب المجاهدين الصومالية إلى الشواطئ اليمنية لدعم الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة التي كانت تخوض مواجهات عنيفة مع وحدات الجيش اليمني. أما عن تفاقم نشاط القاعدة في الصومال، فعلامته الأساسية حدثت يوم 9 فبراير الماضي عندما أعلنت حركة الشباب الصومالية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد انضمامها إلى تنظيم القاعدة، وذلك في تسجيل مصور بثته مواقع إسلامية. وتضمن التسجيل رسالة من زعيم حركة الشباب المجاهدين، ويدعى مختار أبو الزبير يعلن فيها الولاء لأيمن الظواهري الذي تولى قيادة القاعدة العام الماضي عقب مقتل أسامة بن لادن. وجاء هذا التطور في وقت واجهت فيه جماعة الشباب ضغوطا شديدة من عدة جبهات. فقد سيطرت قوات الاتحاد الإفريقي مدعومة من القوات الحكومية على العاصمة مقديشو كما أرسلت كينيا وإثيوبيا قوات لمطاردة مسلحي الشباب داخل الصومال. كذلك فقدت الحركة جزءًا كبيرًا من شعبيتها بعد أن منعت وكالات الإغاثة الأجنبية من ممارسة عملها في المناطق التي تخضع لسيطرتها خلال أسوأ موجة جفاف تمر بها البلاد منذ 60 عامًا. ويرى مراقبون أن اندماج الشباب في القاعدة يمكن أن تغيير طبيعة الصراع في الصومال، فضلاً عن أن هذه الخطوة قد تكون مناورة من قيادة القاعدة التي أضعفتها بشدة الضربات بطائرات بدون طيار في مخابئها الجبلية في باكستان وفشلت في تنفيذ أي هجوم كبير ناجح في الغرب منذ عام 2005، ذلك أن القاعدة تحتاج في الوقت الراهن لإظهار النفوذ والتأثير بالنظر إلى عجزها العملي. وبذلك فإن الاندماج مع الشباب يعطيها الفرصة لأن تفعل هذا وهو من وجهة نظر ليا فارال الخبيرة الأسترالية في شؤون تنظيم القاعدة «حل قليل المخاطر فضلا عن أنه رخيص التكلفة للقيادة المركزية للقاعدة،فضلا عن أن ذلك يؤكد سلطة الظواهري على القاعدة ويسمح له بإبراز أهمية التنظيم في وقت يعانى فيه من الضعف». وبالطبع فإن القاعدة تستثمر الوضع الراهن في الصومال الذي يتميز بالفوضى والسيولة، والاهتمام العالمي غير القادر على وقف عمليات القرصنة والإرهاب المنتشرة في هذا البلد الإفريقي. وقد اكتسبت القاعدة زخمًا في أعقاب انضمام حركة الشباب الصومالية لها، حيث كشف تقرير إخباري نشر في لندن أن عشرات من المسلمين البريطانيين المتشددين يجرى تدريبهم من قبل إسلاميين مسلحين لخوض «حرب مقدسة» في الصومال. وذكر موقع صحيفة التليجراف البريطانية إنه تم تجنيد ما يصل إلى 50 متطوعًا من البريطانيين بينهم مسيحيون اعتنقوا الإسلام ورجال صوماليون يحملون الجنسية البريطانية للقتال لحساب جماعة الشباب الصومالية التي تستلهم فكر تنظيم القاعدة. وذكر خبراء استراتيجيون بريطانيون أن المتطوعين البريطانيين يشكلون قلب قوة دولية من المقاتلين الأجانب القادمين من دول مختلفة منها الولاياتالمتحدة وكندا وبعض دول أوروبا وشرق أفريقيا. ويخشى مسؤولو الحكومة البريطانية الآن من أن الصومال قد تصبح في الوقت الراهن وبصورة متسارعة أرضية لتجنيد الجهاديين البريطانيين بنفس الطريقة التي كانت عليها أفغانستان في تسعينات القرن الماضي. وتصنف الاستخبارات البريطانية الصومال كواحدة من أكثر ثلاث دول في العالم إلى جانب اليمن وباكستان تمثل تهديدًا إرهابيًا محتملاً على بريطانيا. والذي يؤكد ارتباط تفاقم نشاط القاعدة في كل من اليمن والصومال، هو أن وسائل الإعلام الأمريكية نشرت أن هناك خطوات تقوم بها الإدارة الأمريكية لبناء قواعد سرية في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، في جهود منها لمكافحة الإرهاب في المناطق التي تشهد وجودًا لتنظيم القاعدة. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» نقلاً عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن الولاياتالمتحدة تبني شبكة من القواعد السرية لطائرات بدون طيار في القرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية في إطار حملة نشطة ضد جماعات مرتبطة بالقاعدة في الصومال واليمن. وأضافت: إن واحدة من تلك القواعد في إثيوبيا، وهي حليفة الولاياتالمتحدة في القتال ضد منظمة الشباب الإسلامية، كما يجري العمل على بناء قاعدة أخرى في جزر سيشل بالمحيط الهندي. ومن المعروف أن أسلوب المواجهة عبر الطائرات بدون طيار هو الأسلوب نفسه المتبع لمواجهة التنظيم في أفغانستان