قيادات من "الشباب" في مؤتمر صحفيتبرر الأنباء الواردة عن تنصيب زعيم جديد لتنظيم القاعدة في الصومال الحديثَ عن تاريخ نشاط القاعدة وطموحاتها في القرن الإفريقي والصومال، والتي تنشط فيها واحدة من أكثر الحركات السلفية الجهادية صعودا خلال الفترة الأخيرة، ف"الشباب المجاهدون" التي خرجت من رحم "المحاكم الإسلامية" تمكنت خلال فترة وجيزة من السيطرة على عدد من المدن والمواني الإستراتيجية في الجنوبالصومالي، وتقاتل الحركة لأجل إسقاط حكومة الشيخ شريف "الإسلامية" وإقامة حكومة "إسلامية" أخرى على أنقاضها. وكانت مواقع صومالية إلكترونية ذكرت أن مراسم التنصيب قد أُجريت ل"ناجح فضل عبد الله" الزعيم الجديد للقاعدة في القرن الإفريقي وذلك في مدينة "كيسمايو" الساحلية الجنوبية التي يسيطر عليها الشباب، وأنه قام بإلقاء أطول خطاب له خلال المراسم منذ وصوله إلى الصومال، تحدث خلاله عن ذكريات نضاله إلى جانب القيادي السابق صالح النبهان الذي قتل في عملية نفذتها مروحيات أمريكية منتصف شهر سبتمبر 2009 جنوب العاصمة مقديشو. وتتحدث تقارير عن أن الصومال أصبح ملاذا لمقاتلي القاعدة الفارين من مناطق القتال في العراق وباكستان وأفغانستان، وأن الوجود القاعدي في المنطقة مرشح للتصاعد.. فإلى أي مدى يمكن أن تكون هذه المنطقة بالفعل مأوى للقاعدة؟ وما هي الطموحات والأهداف التي تسعى القاعدة إلى تحقيقها عبر وجودها هناك؟ وما تفسير اهتمام قادة القاعدة بالصومال عبر التسجيلات المستمرة التي تبثها عبر المواقع الإلكترونية؟ وهل العلاقة بين الشباب المجاهدين والقاعدة وصلت إلى حد الارتباط التنظيمي أم أنها ما زالت تقف عند حدود التحريض والشحن الأيديولوجي وحسب؟ اهتمام مبكر بالصومال يعود اهتمام القاعدة بالقرن الإفريقي إلى ما بعد انتهاء الجهاد الأفغاني ضد السوفيت ورحيل أسامة بن لادن والظواهري إلى السودان، وأثناء عملية "إعادة الأمل" التي قادتها الولاياتالمتحدة في الصومال بين عامي 1992 – 1994 شاركت مجموعات من المجاهدين العائدين من أفغانستان ضد القوت الأمريكية، وكانت عملية القتل والسحل الشهيرة للجنود الأمريكان في شوارع العاصمة الصومالية عبر شاشات التلفاز سببا في الانسحاب الأمريكي، واعتبرت هذه المعركة تجربة عملية لإمكانية هزيمة الولاياتالمتحدة، وحينها لم يكن قد أعلن عن تنظيم القاعدة.
كان القياديان في تنظيم الجهاد المصري أبو عبد الله البنشيري -أول قائد عسكري للقاعدة- وأبو حفص المصري من أوائل القادة الذي نشطوا في القرن الإفريقي، وقد مات الأول غرقا في بحيرة فيكتوريا بأوغندة أثناء التحضير لضرب سفارتي أمريكا في تنزانياوكينيا، أما "أبو حفص" واسمه الحقيقي صبحي عبد العزيز أبو ستة الجوهري، المسئول عن أمن التنظيم، وصهر أسامة بن لادن، فقد شارك في القتال ضد القوات الأمريكية في الصومال، وكان له دور كبير في تدريب صوماليين بالتعاون مع الشيخ حسن طاهر عويس الرئيس الحالي للحزب الإسلامي في الصومال، وحليف الشباب المجاهدين حسبما جاء في رسالة من أبي حفص لأسامة بن لادن كشف عنها البنتاجون الأمريكي منذ سنوات، وقد قتل أبو حفص في غارة أمريكية بأفغانستان في نوفمبر 2001. وقد كان تفجير السفارات الأمريكية في كينياوتنزانيا عام 1998 العملية الأهم في القرن الإفريقي لما بات يعرف فيما بعد ب"تنظيم القاعدة"؛ فقد ألحقت التفجيرات خسائر فادحة بالولاياتالمتحدة، وتقول مصادر: إن صالح النبهان وناجح فضل شاركا في التنفيذ بمساعدة وتخطيط من أبي حفص المصري، وإن ناجح فضل نفذ بنفسه تفجير فندق باراديس القريب من منتجع مومباسا الساحلي في كينيا بمساعدة نبهان، وأسفر الهجوم حينها عن مقتل 15 شخصا بينهم إسرائيليون، بالتزامن مع هجوم فاشل على طائرة إسرائيلية كانت تغادر مطار مومباسا بكينيا في نوفمبر 2002. من المحاكم إلى الشباب بعد هذه العمليات اختفت القاعدة من القرن الإفريقي لتعيد إحياء النشاط فيها مع سيطرة "المحاكم الإسلامية" على الصومال، والتي كانت تضم قيادات جهادية لها صلات بالقاعدة خاصة من مجموعة الشباب، ومن هؤلاء القادة: آدم حاشي عيرو، وعبد الله معيلين، وأبو عتيبة، ومختار روبو، وإبراهيم حاجي جمعة "الأفغاني"، وفؤاد محمد خلف، وعدد آخر ممن تلقوا تدريبات في أفغانستان. فقد اعتبرت القاعدة المحاكم نموذجًا لحكومة إسلامية يمكن الراهان عليها، وفي خطابه في يونيو 2006 بعنوان "إلى الأمة عامة، ومجاهدي العراقوالصومال خاصة" يدعو بن لادن مجاهدي المحاكم إلى القتال ضد نظام الرئيس عبد الله يوسف، كما يحرضهم على شن هجمات ضد القوات الدولية، و"أنه أمر سهل؛ لأنهم يفتقدون للعقيدة القتالية، ولا يملكون قضية عادلة يقاتلون من أجلها"، وذكرهم بهزيمة القوات الأمريكية أثناء تجربة التدخل في الصومال عام 1993م. إلا أن صعود نجم المحاكم ونجاحها في تحقيق الأمن ونزع سلاح الكثير من رجال العشائر الصومالية أثار غضب الولاياتالمتحدةالأمريكية، فدفعت أثيوبيا إلى خوض حرب بالوكالة للقضاء على المحاكم، وبسقوط العاصمة مقديشو تشتتت المحاكم، وهاجر قادتها إلى الخارج، وانقسمت إلى جناحين: جيبوتي بقيادة شيخ شريف شيخ أحمد، وأسمرا بقيادة الشيخ ضاهر أويس. لكن إسقاط المحاكم لم يحل المشكلة؛ فسرعان ما نشط مقاتلو المحاكم ضد أثيوبيا، مستغلين حالة العداء التاريخي لدى الصوماليين تجاه أثيوبيا جراء الحقبة الاستعمارية، فلا تزال أثيوبيا تحتل منطقة الأوجادين الصومالية، وقد فشلت أثيوبيا في السيطرة على الأوضاع، واتجهت للبحث عن مخرج من المستنقع الصومالي. أدركت واشنطن أن حليفتها غير قادرة على حسم الموقف بالقوة، فقامت بالتفاوض مع أعدائها، وكان قبول الشيخ شريف للتفاوض والمصالحة مع الحكومة المؤقتة التي تضم كبار أمراء الحرب السابقين الذين قاتلهم شريف بالأمس، سببا في انشقاق مجموعة الشباب عن المحاكم ورفضهم للمصالحة، وكانت هذه المجموعة هي النواة التي تشكلت منها حركة الشباب المجاهدين. عاد شريف من جيبوتي على رأس السلطة في فبراير 2009، وقابله الشباب بالتكفير، ووصفوه ب"المرتد"، والعميل الأمريكي، برغم أن أول شيء فعله هو الإعلان عن تطبيق الشريعة في البلاد، ونتيجة للمسار السياسي الجديد الذي انتهجه شيخ شريف انقلبت القاعدة عليه، وجاء في خطاب بن لادن في مارس 2009: "النزال النزال يا أبطال الصومال" ليدعو صراحة وبشكل مباشر إلى خلع الشيخ شريف وقتاله؛ وذلك لأنه و"نتيجة لإغراءات أمريكية، غير وبدل، وارتد على عقبيه".
سبق خطاب بن لادن عدة خطابات: الأول لأبي يحيى الليبي المسئول الشرعي الحالي في تنظيم القاعدة: "لا سلام بلا إسلام في الصومال" في يونيو 2008، أكد خلاله على موقف القاعدة من اتفاق فصائل المعارضة مع الحكومة ووصفها بالمرتدة، ونصح جميع مجاهدي الصومال بقتالها، وقال: "لا تقبلوا بأقل من دولة إسلامية مستقلة لا تعترف بشرعية دولية، ولا تقر بقوانين وضعية". والخطاب الثاني للرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري: "من كابل إلى مقديشو" شن خلاله هجومًا على شريف، واعتبر أن سيطرة التنظيمات الإسلامية على أجزاء من الصومال تمثل "خطوة على طريق نصر الإسلام وطرد الغزاة"، واعتبر عودة شريف للصومال "تواطؤًا مع الغزاة الصليبيين على محاربة الجهاد، وإنشاء حكومة ترضخ للمطالب الأمريكية، ولا تلتزم بالشريعة"، مشجعا الشباب على مجاهدة "الحكومة الأمريكية الصنع، كما جاهدوا من قبل الإثيوبيين ومن قبلهم أمراء الحرب". القاعدة وحركة الشباب كان وابل الرسائل القاعدية كفيلا بأن يدعم موقف "الشباب"، ويضعف في المقابل موقف شريف لدى المنخرطين في صفوف الشباب، والمجاهدين المحتملين أيضًا، وقد ركزت الرسائل على إظهار شريف كرئيس "مرتد وكافر"، وأنه لا يختلف عن الأفغاني حامد كرزاي، حتى إن بن لادن وصفه ب"كرزاي الصومال"، ودعا إلى محاربته وخلعه، وقد أسهمت الرسائل من ناحية أخرى في عملية الشحن الأيديولوجي والدعم المعنوي للشباب والتحريض على الانضمام إليهم. لكن خطاب القاعدة إلى الشباب فتح المجال للتساؤل حول طبيعة العلاقة بين التنظيمين، ولسبر هذه العلاقة والإحاطة بها يقول الباحث ضياء رشوان ل"الإسلاميون.نت": لابد من معرفة طبيعة تحالفات القاعدة وعلاقاتها الإستراتيجية، حتى نعرف كنه العلاقة، فأولا هناك ما يسمى بالفروع الإقليمية للقاعدة مثل "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، و"القاعدة في جزيرة العرب ودولة العراق الإسلامية"، هذه الفروع تشكلت من خلال مبادرات شخصية لقادة هذا التنظيمات، ورحبت القاعدة بها؛ لأنه يشكل نوعا من الانتشار للفكر الجهادي. وهناك ما يسميه رشوان بالامتدادات الإقليمية للتنظيم؛ وذلك عبر بعض القادة والخلايا السرية المرتبطة بشكل ما بالقاعدة الأم في أفغانستان، فالصومال والقرن الإفريقي هما امتدادان للقاعدة، وتعود أهميتهما للقاعدة برأيه لعدة عوامل منها: "قرب المنطقة جغرافيا من اليمن، الحاضنة الأساسية لكتلة الجهاد الأولى القادمة من مصر، والمقر الجديد لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، فضلا عن الأهمية الإستراتيجية وقربها من مضيق باب المندب وحركة التجارة الدولية، بجانب الوجود الأجنبي الكثيف في البحر الأحمر "قوات حلف الأطلسي"، ناهيك عن وجود دول رئيسية تصنف كصليبية مثل أثيوبيا وبها أقليات مسلمة، ووجود دول مسلمة صغيرة، إضافة للوجود الإسرائيلي الاستخباراتي والأمني المكثف الذي يمكن أن يكون هدفا ثمينا للقاعدة في المستقبل، وأخيرا حالة الفقر، ونموذج الدولة الفاشلة، والغياب الأمني في الصومال، والذي يمكن أن يسمح للتنظيم بمزاولة نشاطه. ويمثل غياب الدولة وسريان حالة الفوضى عاملا مهما من عوامل جذب القاعدة؛ وذلك لسهولة الاختباء من الملاحقة في ظل الحرب العالمية على ما يسمى بالإرهاب، ولتكون المنطقة نقطة انطلاق للقيام بعمليات في شرق إفريقيا، ووجود القاعدة في الصومال يسهل لها التواصل مع تنظيم القاعدة في المغرب العربي عبر فرعه النشط في صحراء مالي والنيجر حسبما يتحدث حسن أبو هنية الخبير في شئون الحركات الإسلامية ل"الإسلاميون.نت". وهو أمر يبدو سهلا برأيه مع وجود حركة سلفية جهادية تتقاطع مبادئها ومعتقداتها وأهدافها مع تنظيم القاعدة فكريا وأيديولوجيا، فالحركة تسعى إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وترتفع رايتها فوق "رأس كامبوني"، وتكفر الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله، ولا يعترفون بالمنظمات الدولية ولا بشرعيتها، وهم أيضا يهدفون إلى توسيع عملياتهم لتشمل دول الجوار الصومالي المصنفة لديهم كصليبية، ومن ثم يجب تطهيرها من "الكفار". وبرغم هذا التقاطع الفكري والأيديولوجي، فمن المستبعد الحديث عن تقاطع تنظيمي، فرغم تجاوب الحركة مع خطاب بن لادن عبر إصدار "لبيك يا أسامة" الذي وزعته الحركة في شوارع العاصمة مقديشو، فإن الإصدار لا يحتوي على أكثر من ردود الفعل العاطفية لإظهار الولاء الفكري، لكن لم يعلن قادة الحركة حتى الآن أي بيعة لابن لادن؛ فالبيعة لدى الحركات السلفية هي عقد الولاء العملي للتعاون، وإقامة روابط تنظيمية قوية. ملاذ آمن وقاعدة للانطلاق نشرت صحيفة التايمز البريطانية في مايو 2009 أن 290 مقاتلا من بريطانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وباكستان وأفغانستان شوهدوا وهم يدخلون مقديشو.. تسللت هذه المجموعات عبر السواحل الصومالية الممتدة والتي يصعب السيطرة عليها أمنيا؛ حيث تمتلك الصومال أطول السواحل على مستوى القارة الإفريقية، يبلغ إجمالي طول السواحل الصومالية 3025 كم، وتمتد المياه الإقليمية الصومالية إلى 200 ميل بحري داخل مياه المحيط الهندي؛ مما يجعل من دخول مقاتلين أجانب عملية سهلة. وفي دراسة بعنوان: "الصومال في انتظار المرحلة الأصعب" تذكر مجموعة الأزمات الدولية أن "وجود القاعدة في الصومال تعزز أواخر عام 2006 مع تدفق متواصل للمتطوعين الجهاديين من أنحاء العالم الإسلامي ومنهم عدد من الشباب الصومالي في المهجر، وتتفاوت التقديرات بشأن أعدادهم ما بين عدة مئات إلى عدة آلاف". ويعلق حسن أبو هنية على هذه المعلومات بأن "حركة الشباب المجاهدين من جانبها ترحب باستقبال المقاتلين في صفوفها، سواء كانوا عربا من اليمن والجزيرة العربية، أو أجانب من أوروبا وأمريكا؛ فالشباب كحركة سلفية يتفوق لديها الانتماء إلى الإسلام فوق الانتماءات القبلية والعرقية المتجذرة في الصومال، وهي تتلقي الدعم من الخارج وتراه نوعا من النصرة، سواء كان هذا الدعم في صورة أسلحة ومعدات من إريتريا، أو متطوعين، وإلا فمن أين تحصل الحركة على هذا الكم من الأسلحة الذي يمكنها من الاستمرار في الحرب. والصومال كدولة تتكون من عشائر وقبائل متنوعة هي بيئة مثالية للقاعدة، كما يتحدث أبو هنية، فكلما كانت المنطقة أكثر بدائية وتتوفر على مكونات عشائرية وإثنية كانت أقرب إلى مجتمع المدينة الأول التي نشأت فيه دولة الإسلام الأولى، وكانت أفضل لنشاط القاعدة، و"القبيلة تعتبر مصدر إلهام وقوة للتيار الجهادي هناك؛ فكلاهما يكرهان الدولة والنظام، وإلا هل سألنا أنفسنا: لماذا يتبلور فكر هذه الجماعات الإسلامية وينشط في مناطق القبائل في أفغانستان وباكستان والصومالواليمن ولم يجد أرضية في مدن حضرية؟ وهي أيضا بيئة مثالية للهاربين من حضارة الغرب وماديته الطاغية، ولذا نجد عناصر من أوروبا وأمريكا تنخرط في صفوف الشباب المجاهدين، وقد نفذ أحدهم القادمين من أمريكا واسمه "شروة محمد" عملية انتحارية في بوساسو شمال شرقي الصومال؛ ما دفع مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) للتحقيق والبحث عن سبب تخلي الصوماليين عن الحياة المريحة في الولاياتالمتحدة والتوجه للقتال في الصومال. الإسلاميون.نت