لا يستطيع أحد أن ينكر على زعماء المحافظات الجنوبية ما يتحلون به من مهارة سياسية وكفاءة وطنية عالية تجاه وطنهم وشعبهم وفي ممارسة مسؤولياتهم المختلفة.. وقد خبرناهم، في كل مراحل ومحطات العمل الوطني وفي كل مفاصل الحكم، أوفياء لمبادئهم وقيمهم ولقضيتهم التي يؤمنون بها ولا يقبلون المساومة فيها مهما كانت الظروف.. أما الارتهان لأحد أو لأية جهة خارجية فهو المستحيل بعينه؛ لأنه مشطوب من قاموسهم السياسي..! هذه حقيقة ساطعة مسلّم بها.. لكن الحقيقة المرة، هي أن ما يعيب على زعماء الجنوب فشلهم المشين في إدارة صراعاتهم وخلافاتهم بصورة تبعث على الأسى والازدراء فهم حتى في المنفى.. ولا ندري أية متاهة هذه التي يتعاركون فيها مع طواحين الهواء..!؟ أعتقد أن مقارنة زعماء المحافظات الجنوبية بنظرائهم السياسيين والدينيين والعسكريين في هذه الحالة بالتحديد - ستكون مقارنة ظالمة ومجحفة جداً - ذلك أن المعروف عن زعماء المحافظات الشمالية أنهم لا يؤمنون كثيراً بالصراع، وعندهم الغاية تبرر الوسيلة، كما أن عندهم المصالح الشخصية فوق كل اعتبار، وليس في قاموسهم السياسي أية خطوط حمراء، فكل الخطوط والمربعات والمساحات مفتوحة ومشروعة مادام فيها فيد ومنفعة..!. إنهم مفتونون بالمال, حد النخاع والعبادة والتقديس، وهي حالة ليست موجودة في ثقافة الجنوبيين المعروفين بتقديسهم للمبادئ ولأشكال الصراع الطبقي أكثر من أي شي آخر..!. ليس في هذا تحامل على أحد.. ولكنها الحقيقة التي أدركناها باليقين من خلال معايشتنا الطويلة لإخواننا زعماء الجنوب والشمال..! فالسياسيون الشماليون لا يمتهنون السياسة إلاّ من أجل المادة وكسب المال وإن كان غير مشروع، أما السياسيون الجنوبيون فقد عرفناهم أصحاب مشاريع أيديولوجية دغمائية عادة ما تزج بهم في صراعات تناحرية تطيح برؤوس بعضهم إلى الفناء..! السؤال: لماذا هذه الحالة الصراعية الدراماتيكية المؤسفة عند الجنوبيين..؟! الإجابة بالتأكيد ليست عندي، ولكنها عند الرؤساء (البيض وعلي ناصر والعطاس) ومعهم السياسيون الباقون والوزراء الأصنج والجفري وهيثم قاسم وصالح عبيد ومحمد علي أحمد والقادة الجماهيريون باعوم والخبجي وقاسم عسكر وشلال والنوبة والشنفرة والمعطري وطماح والنقيب.. والقائمة تطول.!. أودّ أن أنوّه إلى أنني عندما أتحدث عن الشماليين والجنوبيين – في هذه الجزئية بالذات – فإنما أتحدث عن بعض السياسيين وأصحاب النفوذ الديني والعسكري والمشيخي، وليس عن المواطن اليمني العادي المعروف بعزَّته..! ويبقى على الطرفين أن يقتربا من بعضهما ويلتقيا في نقطة الوسط التي لا تقبل بالمبادئ المتطرفة ولا بالأموال المدنسة.. كالحل الذي لا يُقتل فيه الذئب ولا تفنى الغنم..!.