لعل أهم تحول في تاريخ المنطقة بعد الثورات الجديدة القرارات الأخيرة للرئيس المصري غير العسكري ضد سلطة العسكر التاريخية في مصر. من الواضح أن ثمة توافقات واتفاقات حصلت بالسر، في حين يبقى من الصعب تحديدها وفك شيفرتها على المدى القريب. غير أن السؤال الأكثر أهمية الآن: ماذا تريد أمريكا بالضبط في بنية المنطقة مستقبلاً؟ فالحاصل أن من حق مرسي وضع يده على أسباب المشاكل المتراكمة التي على رأسها فساد المؤسسة العسكرية بالذات. وإذ ظهر عبر خطابه بالأزهر عقب إصداره لتلك القرارت كمن يدعو للإسلام - لا بصفته المعني الأول بتحقيق التعايش والتجانس بين المواطنين هناك خصوصاً مع اختلاف تعددهم الديني في أمة كمصر - فإن القلق يبقى أكثر من مشروع لدى المصريين على نطاق واسع من أخونة الأمن والجيش مثلاً. ويبدو معروفاً أنها تغييرات في مناصب عسكرية وأمنية فقط، بما يعنى أن نفوذ المجلس العسكري نفسه لايزال قائماً وعلى نحو جوهري. ثم إن مصر استمرت تحت سلطة العسكر سياسياً منذ الثورة الأولى ليمتد ذلك الأثر عربياً؛ أما اليوم فإنه زمن المفارقة الأكبر يصنعها مرسي كرئيس مدني لديه سلطات على الجهاز العسكري، بحيث يصيغ أهم تحول في بنية دولة عربية مركزية التأثير من حالة الدولة العسكرية إلى الدولة المدنية - كما تأمل الثورة الجديدة طبعاً - وليس باتجاه الدولة الدينية التي سترجع شعوب المنطقة برمتها إلى نقطة الصفر للأسف. كذلك يعلمنا التاريخ أن المنطلقات الدينية تصبغ الرعب فيمن يريد للمنطلقات الوطنية أن تكون هي الفاعل الأبرز. ولقد قالها مرسي بعزيمة إخوانية لا تخفى : «رويداً رويداً وهكذا نفعل». إلا أنها تظل كعبارة مخاتلة حمالة أوجه مبعث خوف لدى مدنيين مصريين أيضاً؛ نظراً لما تحمله من إشارات ملتبسة لا تضمن بشكل واضح وكما ينبغي حماية الحقوق والحريات المدنية الواجب ترسيخها في مصر من أجل مستقبل أكثر فاعلية من الناحيتين الوطنية والإقليمية.