حروب الجماعات العصبوية الايديولوجية، وبخاصة جماعات الإسلام السياسي، مروعة ومدمرة. تقوِض، أول ما تقوض، فكرة "المواطنة" ومدنية الدولة وسلام المجتمع عموما، والمجتمعات المحلية خصوصا. خلال الأيام الماضية استمعت من اصدقاء في "الحالمة" تعز، حكايات عن تورط مجموعات عقائدية، في الغالب، في حملة تحريض و"شيطنة" لسكان حارة "الجحملية" التي صارت منمطة وفق خطاب سياسي وحربي جهول باعتبارها معقلا حوثيا. أعرف أن للحوثيين تواجدا في هذه الحارة مثلما أن لهم تواجدا في مناطق اخرى في تعز، المدينة والمحافظة، إما عبر الانتماء للجماعة او عبر التحالفات مع بعض القوى السياسية أو الشخصيات الاجتماعية، وهو الحال نفسه في محافظات يمنية أخرى. لكن تحويل "الحارة" إلى ثكنة حوثية لمجرد أن بعض شبابها حوثيون لأسباب سياسية واجتماعية، فخطاب أخرق يفتقر إلى المسؤولية والأخلاق والوطنية، يوازي تماما قول بعض المتعصبين أن سكان صعدة حوثيون أو ان سكان عمران أثرياء ومتنفذون او أن الثقافة والمدنية حكرا على عدنوتعز (منقوصا منها الجحملية!) التعميمات والصور النمطية ظالمة. وهي كارثية في زمن الحرب خصوصا هذه الحرب الداخلية التي تقوض "الجوامع الوطنية" وتطلق الغرائز قدر، وغالبا قبل، ما تطلق الرصاص. الجحملية حارة "يمنية" بامتياز. وأظنها من آخر الحارات التقليدية في اليمن. بل لعلها الحارة الأكثر مدينية قبل أن يستشري خطر الجماعات العقائيدية الاسلاموية في اليمن في العقدين الاخيرين. الصور النمطية مقيتة وخطيرة. من يروج لها يتورط في سفك الدماء وترويع الأبرياء حتى ولو لم يكن محاربا. ومن المحزن أن "الجحملية" التي طلع منها مبدعون في شتى المجالات، وفيها عديدون من رموز تعز الثقافية والاعلامية والأدبية والسياسية، صارت عند بعض الناقمين الموتورين مجرد "جيب" حوثي (أو زيدي) في تعز.
عناوين بعض الحروب تحفز العصبيات وتكرس فرزا ما قبل وطني وضد مدني، من شاكلة هذه الحرب الكارثية التي تحشر اليمنيين داخل بنى (وهمية في اغلبها) طائفية وعنصرية وجهوية. ومن المحزن ان تصير حارة شكلت طيلة عقود نموذحا ل"المدينة" العابرة للمناطق والأصول والمذاهب والايديولوجيات، الضحية الأولى للفرز العصبوي في المدينة "الحالمة" التي تزعزع يقينياتها كوابيس الجماعات الماضوية.
اتفهم حالة الغضب من الحوثيين وحلفائهم في تعز، وفداحة الدمار الذي تسببت به هذه الحرب الاجتياحية لتعزوعدن ومدن يمنية اخرى، لكن من العار أن يتورط ناشطون ومحسوبون على "المقاومة" في جرائم كراهية ضد سكان "بلد في حارة" على حد تعبير صديقي وزميلي فكري قاسم.