في رواية (قبلة يهوذا) ل - أوبير برولونجو – يقول باراباس – قائد المقاومة ضد الاحتلال الروماني مخاطباً نتنائيل: ممارسة الثورة هي أن تناضل دوماً ضد الذين يقاتلون معك. فيرد عليه نتنائيل قائلاً: وهي أيضاً أن تتقبل الانتقاد والمعارضة.. وبدون هذا لا تكون الثورة سوى صخرة جامدة، وتكون عمياء. متى كان الناس يفكرون بحرية فلا بد لهذا أن يخدم القضية. لكن باراباس يصرخ بلهجة لا تقبل الرد، موجهاً كلامه إلى يهوذا ومتعمداً تجاهل نتنائيل: يجب أن نقتل المتعاونين، يجب أن نُرهب القرويين إلى حد لا يبقى معهم خيار غير مساعدتنا.. يجب أن نحرق بيوتهم ونسلب مواشيهم،يجب أن نعاملهم كغرباء. فيقول له نتنائيل: ما سيقول كل هؤلاء الذين ساعدونا حتى الآن؟ سيكرهوننا قدر كرههم للرومان. فيصرخ فيه باراباس: أنا لا أقاتل سعياً إلى الحب بل إلى النصر.. سيكرهوننا نعم، وبعد ذلك عندما نصبح الأقوى سيحبوننا من جديد. وهنا تدخل نتنائيل وقال معترضاً: أنا لا أستطيع الموافقة على ما تقول.. تحرير الناس لا يبدأ بتقييدهم. فيرد عليه باراباس بحدّة: أنا لا أعبأ بما اذا كانوا يحبوننا أو لا.. لكني أريد أن يخافوننا.. ويضيف مخاطباً نتنائيل ويهوذا: أنا أحتاج إلى قتلة فهل تريدان أن تكونا من بين القتلة؟ عندئذٍ، غادر نتنائيل الغرفة دون أن يجيب. أما يهوذا – الذي وجد في القتل متعة يموُّهها في الدفاع عن القضية – فقال:نعم. ولشدة حماسه للثورة سلّم صديقه ورفيقه في النضال يسوع إلى الرومان ليصلبوه بعد أن اتهمه بأنه المحرض الحقيقي للثورة. وبذلك ضرب عصفورين بحجر.. فمن جهة أنقذ باراباس قائد الثورة وعشيق أمه الذي كان الرومان قد ألقوا القبض عليه بعد فشل الانتفاضة. ومن جهة ثانية انتقم من يسوع (الخائن) وذلك بعد أن صرّح يسوع أمامه بأنه لا يكره الرومان ولا غير اليهود، وإنما يكره الاحتلال ويكره العنف ويكره الأذى الذي يلحقه الناس ببعضهم. ومع أن الراوية تقول لنا بأن الثورات جميعها تحتاج -أكثر ما تحتاج- إلى قتلة وجلادين ومزايدين ومنافقين وجبناء وأوغاد، إلا أنها تقول لنا كذلك بأن الحرية هي أولى ضحايا الثورات.. وأن الحالمين والطيبين والمتسامحين والثوار الحقيقيين المدافعين عن الحرية وعن كرامة الإنسان هم أول من يتعرض للقمع الثوري، وأول المدانين والمتهمين والمشتبه بهم. ومن هنا وتضامناً مع صحيفة "الأولى" ورئيس تحريرها الزميل محمد عايش أقول بأن تحرير اليمنيين من نظام علي عبدالله صالح، لا يبدأ بتقييد وقمع الحريات ولا بجرجرة الكُتَّاب والصحفيين إلى محكمة نيابة الصحافة وغيرها من محاكم التفتيش. لذلك فإن المطلوب اليوم من كل الكتاب والصحفيين والناشطين ومن كل الأدباء والمثقفين الحزبيين، أن ينفصلوا ولو للحظة عن حظائرهم الحزبية ويعلنوا تضامنهم مع صحيفة "الأولى" لا مع أحزابهم الحاكمة. مع ضمائرهم لا مع الثورة مع الثورة لا مع لصوص الثورات مع الحرية لا مع القتلة.