يرتبط رمضان ارتباطا وثيقا مع أصالة هذا البلد وعمقه الحضاري والتاريخي، ولهذا تظهر بصمات تلك المظاهر التراثيّة والتاريخية واضحة جلية في هذا الشهر الفضيل، وتبدأ تلك النسمات منذ اللحظة التي يتحرّى الناس فيها رؤية الهلال قبيل رمضان. ويكون لشهر رمضان احتفاء خاص في اليمن، حيث تُضاء الشوارع والمساجد ليلًا، وتُقام الليالي الشعرية والاحتفالات العامة بالميادين المشهورة والمساجد المعمورة. في صباح اليمن الرمضاني لا تكاد تجد أحدا مستيقظاً، تكون الشوارع خالية والمحلات مقفلة، سوى محلات قليلة جدا يلجأ الناس إليها عند الحاجة الملحّة، حتى الدوام الحكومي يتأخر عن موعده الطبيعي ساعتين أو 3 ساعات. وعند صلاة الظهر تمتلأ المساجد ويقبل الجميع إلى الصلاة، وبعد الصلاة يظل أغلب الناس في المساجد يقرؤون القرآن ويذكرون الله تعالى، ويصطحب الناس معهم أولادهم كي يشاركوهم في هذا الأجر. ولطول هذه الجلسة يلجأ بعضهم إلى اصطحاب ما يُسمّى «الحبوة»، وهي حزام عريض يقوم الشخص بوضعه على محيط جسده، بحيث يضمّ إليه قدميه، ومثل هذا يساعده على الجلوس في وضعية الاحتباء لساعات طويلة دون أن يشعر بالتعب، وتُستخدم «الحبوة» بكثرة في جنوباليمن. أما بالنسبة لأهل الشمال فيأتون بالمخدّات التي يضعونها خلف ظهورهم أو المتّكأ، وينطقونها هناك «المتْكى»، ويظل الجميع في هذا الجوّ الإيماني حتى يصلّي الناس صلاة العصر. وبعد صلاة العصر تكون هناك كلمة إيمانية قصيرة يلقيها إمام المسجد أو أحد الدعاة الموجودين، ثم يكمل البعض جلوسه في المسجد، بينما يخرج الآخرون لقضاء حوائجهم وتجهيز لوازم الإفطار. وعندما يقترب أذان المغرب، يستعدّ الناس للإفطار، بحيث يأتي كل واحد منهم بشيء من إفطاره إلى المسجد ليجتمعوا هناك ويفطروا معاً، مما يزيد في تعميق أواصر التقارب بينهم. يقوم الناس بفرش مائدة طويلة تّتسع للموجودين في المسجد ويضعون فيها الأطعمة والمشروبات المختلفة، بحيث يجتمع المصلّون على هيئة صفوفٍ ويكون الأكل جماعيّا، وتزخر موائد الإفطار في اليمن بأشكال وأصناف من الأطعمة والحلويات، ويعد «الشفوت» الطبق الرئيسي الأشهر على المائدة اليمنية في رمضان، ويعد «بنت الصحن» أشهر أطباق الحلويات، ويجلس الصائمون على هيئة حلقات لتناول الإفطار، ولا بد من وجود «السحاوق»، وهو مسحوق الطماطم مع الفلفل، وهذه المائدة خفيفة على المعدة، لذلك فإن الوقت بين الأذان والإقامة يكون قصيرا، بحيث لا يتجاوز ال7 دقائق. بعد الصلاة يرجع الناس إلى أهاليهم كي يتناولوا الإفطار الأساسي، وبالطبع فإن عناصر المائدة تكون أكثر دسامةً وتنوّعاً، حيث يقدّم فيها: «اللحوح» واللبن، و «الشفوت» وشوربة «العتر»، ويُضاف إلى ما سبق مرق اللحم أو الدجاج، وقد يأكلون «العصيدة» وإن كان هذا نادراً بسبب ثقل هذه الوجبة على المعدة. ثم يقوم الجميع بالاستعداد للصلاة، ويلاحظ أن وقت الإقامة يُؤخّر نصف ساعة مراعاة لأحوال الناس، ويصلّي الناس 11 ركعة، وبعضهم يصلّي 21 ركعة، وبعد كل 4 ركعات يأتي أحد المصلّين ويقوم بتطييب بقية المصلين، وقد يضعون الماء المبخّر في المسجد.;