* وهو الواقع الذي يتبدى بوضوح من خلال حالة التخبط المنهجي التي تعتري اليوم سير أنشطة الحزب الحركية والسياسية والجماهيرية في ظل افتقاره الكارثي لأدوات التأثير الشعبي والقاعدي التي فقدها بشكل تدريجي ومنظم خلال سني انكفائه المشئوم تحت العباءة الإصلاحية.. وجراء تجاهل قيادته النخبوية لحقيقة أن الأفكار والعقائد الأيديولوجية القديمة..عادة ما تكون أشد خطراً على ما يليها من أفكار. * ربما لا جدال هنا في أن أزمة الحزب الاشتراكي هي أزمة هوية بالتحديد .. كونها تعبر وبشكل موضوعي عن ضراوة الانتكاس الذي شاب ويشوب مسيرته السياسية والحركية والثورية منذ اللحظة التي قرر فيها ( تيار الرفيق علي سالم البيض ) التخلي عن هويتهم الأيديولوجية والسير على خطى المختلين عقلياً ( غورباتشوف ..وادوارد شيفارنادزة ) عبر الانتهاج غير الممنهج لسياسة ( الجلاسنوست ) الوطنية، والمسمى مجازا ببرنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل والمقر في دورة اللجنة المركزية المنعقدة في فبراير 1990م ..أي قبل ثلاثة أشهر فقط من موعد إعلان الوحدة اليمنية ..وذلك في خطوة متهورة أسفرت بشكل أساسي ليس فقط في تقويض دعائم المشروع الثوري والسياسي والحضاري للحزب .. وإنما أيضاً في التمهيد لانحداره إلى المستوى الذي لم يعد فيه قادراً حتى على لملمة أشلائه والحفاظ على تماسكه الداخلي وروابطه القاعدية والحركية والشعبية ..رغم المزاعم المتكررة آنذاك (لنخبة البروسترويكا الوطنية) في أن مشروع الإصلاح السياسي آنف الذكر كان ينطلق في الأساس من طبيعة الفهم الموضوعي لجوهر ومضمون العملية الثورية الوطنية في الجنوب .. ومن الاستخلاص الموضوعي أيضاً لمضامين الوثائق النقدية التحليلية الصادرة عن الحزب تباعاً في العام 1978م والعام 1986م..الخ * وعلى الرغم من أن ورطة الإصلاح السياسي المتهورة تلك لم تفلح ومنذ خطواتها الأولى حتى في لملمة شتاته وسد انقساماته الداخلية العميقة والمتجذرة آنذاك منذ تفجر الأحداث الدامية في يناير 1986م بما خلفته من فرقة وانقسامات حركية وطبقية وشعبية..لم تعفه -أي الحزب -من نتائجها المدمرة حتى بعد نجاحه في تحقيق مشروع الوحدة اليمنية التي ولجها في مايو 1990م * إلا أن الرفاق لم يستفيدوا بحسب المعطيات القائمة من أخطاء التجارب الماضوية التي كان من نتائجها الرئيسية والمباشرة إفقاد الحزب للحمته وتماسكه الداخلي ومناعته الأيديولوجية والحركية التي ولج على ضوئها بوابة الوحدة في مايو 90م واهناً ومجزءاً مما سهل ابتلاعه وبشكل خاص من قبل القوى الراديكالية المتطرفة التي ظلت على امتدادها الوجودي متربصة به وعلى رأسهم (الإخوان المسلمون) الذين يتحملون بصفة أساسية مسؤولية احتدام عوامل الثقة الناشبة بين شركاء الوحدة والحكم (المؤتمر والاشتراكي) خلال الفترة الانتقالية الممتدة من 90م إلى 94م جراء سياسة الشقاق والانقسام السياسي والطبقي التي بذرها بينهم .. بالإضافة إلى حملات التحريض الديني والسياسي والجماهيري والأخلاقي واسعة النطاق التي شنها ضد الحزب الاشتراكي بما فيها أعمال القتل والإرهاب والاغتيالات والتصفيات الجسدية التي نفذها بصورة مسعورة ومنظمة ضد كوادره وقياداته المركزية خلال الفترة ذاتها وصولاً إلى مرحلة الصدام الحربي المسلح ..حرب صيف 1994م والتي كانت مليشيات الإصلاح أيضاً على رأس طلائعها الغازية والمدمرة للحزب والجنوب معاً مثلما كانت قياداته هي المنظر الرئيس لشروطها وأدواتها وذرائعها الجرمية ..الخ * مع أن هذا الواقع لا يبرر في حقيقة الأمر للقيادة الحالية تجاهل تلك الأخطاء والاستمرار في السير على نفس المنوال الانهزامي .. لأن هذا معناه النفريط العمدي بميراث ومكتسبات حركة وطنية وثورية جبارة تمتاز بحضورها الفاعل والمؤثر على امتداد مراحل العملية الثورية الوطنية .. والمغامرة ليس فحسب بسمعة الحزب وتاريخه الثوري والتقدمي الجبار، وإنما أيضاً بمستقبله السياسي والحركي وبعلاقاته الدولية وحضوره التاريخي المكتسب بين منظومة الأحزاب والحركات الطليعية والتقدمية في العالم، بوصفه عضواً فاعلاً في منظومة الاشتراكية الدولية. * وما ينبغي على قيادة الحزب أن تفعله في هذا الصدد هو المبادرة للتكفير عن أخطاء المرحلة والسعي لاقتناص الفرص المتاحة للانتعاق أولاً من قيود الارتهان الاتكالي للقوى الراديكالية المتشددة داخل حزب الإصلاح والعمل على استعادة شخصية الحزب المفقودة ..وقبل كل ذلك يجدر بالدكتور ياسين سعيد نعمان التشمير عن سواعده في سبيل استعادة ولو جزء ضئيل من أمواله ومقراته المنهوبة منذ صيف المشترك من قبل حليفه الرئيسي حزب الإصلاح والتي لا تزال بحوزتهم حتى اللحظة ..علهم يفلحون بذلك في تحقيق أهم شروط التكافؤ والعدالة الانتقالية التي لطالما تغنوا بها وأنشدوها على وقع أقداح الكوكتيل. الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة