لا شيء شد انتباهي وأثار إعجابي ربما ..أكثر من تلك الوثبة الحركية والتنظيمية عالية الهمة التي ابدتها قيادات وقواعد المؤتمر الشعبي العام بمحافظة تعز خلال شهر رمضان المنصرم ..عبر سلسلة الأمسيات واللقاءات الرمضانية الموسعة التي شملت مجمل مراكز ومديريات المحافظة بما اتسمت به من حوارات نقدية صريحة وجدل سياسي ونظري مفتوح ..عكس بوضوح حالة التحول الثوري الوليدة والناشئة في بنية الفكر السياسي المؤتمري على إيقاع الأزمة الراهنة.. وبالشكل الذي أكد قدرة التنظيم على تخطي مشاعر الانهزامية التي حاول البعض وصمه بها .. انطلاقاً بالدرجة الأساس من قدرة أعضائه وقياداته وكوادره الميدانية على مجابهة المخاطر والتحديات المحيطة بهم وتكيفهم المنهجي في الوقت عينه مع طبيعة الظروف والتحولات الراهنة.. والشيء الأهم.. هو أن تلك الأمسيات الرمضانية قد شكلت في مجملها رداً عملياً على كل أولئك الذين راهنوا قبلاً على زوال المؤتمر الشعبي العام واندثاره بمجرد سقوط النظام ، ومع أنه لا جدال هنا حول أهمية تلك النشاطات التنظيمية ..لا بوصفها فحسب من الظواهر السياسية والحركية الملهمة والناشئة وسط مظاهر الانحطاط السياسي والمدني والديمقراطي المتنامي والمكرس كحالة ثورية مزعومة ومبتذلة على يد أصحاب اللحى وإنما لكونها تؤشر فعلاً لمرحلة جديدة قادمة في مسار العملية السياسية والكفاحية والفكرية الطموحة للتنظيم رغم ضراوة الظروف والتحولات المحيطة به. الأمر الذي يمكن أن يشكل نموذجاً مكرراً ومثالياً لتجربة النهوض المذهلة ( للحركة السياسية البيرونية) في الارجنتين أميركا اللاتينية في منتصف خمسينيات القرن العشرين وذلك بعد حوالي نصف عقد فقط على سقوط الحكم العسكري للديكتاتور (خوان بيرون ) ورحيله عن عالمنا.. رغم أن سقوطه اعتبر آنذاك نصراً معنوياً وأخلاقياً للبشرية جمعاء من وجهة نظر القطبين الشيوعي والامبريالي نتيجة لتهور (خوان بيرون ) أثناء حكمه للأرجنتين في اربعينيات القرن الفائت والمتمثل بتحالفه المعنوي وتعاطفه الصريح مع قيم النازية الهتلرية الألمانية ومع الفاشية الإيطالية بزعامة موسوليني أبان الحرب العالمية الثانية الممتدة من العام 1939م وحتى العام 1945م ..الأمر الذي جعله ونظامه محط رفض وكراهية العالمين الشرقي والغربي خصوصاً بعد اندثار النازية والفاشية وزوالهما في يونيو 1945م على يد الحلفاء. والغريب في الأمر هو أن زوجته الفاتنة ( إيفيتا بيرون) كانت هي رائدة ذلك البعث السريع والمفاجئ لحركة زوجها السياسية المنبوذة عالمياً ولسبب بسيط جداً وهو أن اللصوص والقتلة كانوا هم آنذاك ورثة حكم بيرون المندثر.. الأمر الذي مكن السيدة إيفيتا بيرون من تحويل سجلاتهم السياسية والأخلاقية السوداء إلى نقطة تفوق أخلاقي لصالح الحركة البيرونية.. وهنا ينشأ السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح والمتمحور حول مقدرتنا كمؤتمريين في استلهام الفهم الواعي لظروف وطبيعة المرحلة بما تفرضه علينا من أعباء ومتطلبات كفاحية تتعدى بكثير حدود التفكير النمطي الماضوي المتجذر في مخيلتنا..بغية الارتقاء بمستوى العمل الحزبي والسياسي والجماهيري والمدني المستقبلي للمؤتمر الشعبي العام إلى مصاف التحديات الماثلة. ومسألة كتلك ستتطلب البدء ولا شك بإحداث قطيعة شاملة مع كل أشكال وطرائق النضال التقليدي والاستعراضي القديم الذي طغى ولا يزال حتى اللحظة يطغى على مسارات العمل السياسي والجماهيري المؤتمري منذ تشكل بذوره التكوينية الأولى أوائل عقد الثمانينيات من القرن الفائت. إن خسارة السلطة لا يمكن ان تؤدي بأي حال من الأحوال إلى تقوقع الطرف الخاسر ..والمقصود هنا حزب المؤتمر الشعبي العام وانزواؤه على هامش التاريخ ..لأن هذا معناه التفريط بإرث سياسي ووطني جبار اختزله أو لنقل حققه بامتياز على امتداد حضوره في المشهد الوطني أبرزها شراكته الرئيسية في تحقيق الوحدة وقيادة شروط التحول المدني والديمقراطي في البلاد على امتداد حضوره الثلاثيني في المشهد السياسي الوطني الممتد منذ العام 1982م إلى العام 2012م. وإذا كانت خسارة السلطة تعني شيئاً مقدساً بالنسبة للمؤتمريين بغض النظر عن الوسائل والكيفية التي تمت بها ..فمن المهم في هذه الحالة ان يبادروا بإطلاق مسيرة إصلاح جذري على الصعيد التنظيمي الداخلي أولاً ..كمقدمة موضوعية لإصلاح الخلل المحتمل في علاقة التنظيم المتشعبة مع بقية القوى الجماهيرية والطبقية والشعبية من حوله وأمر كهذا يتسم بأهمية حيوية ومحورية من وجهة نظري..خاصة في ظل التشوهات المريعة التي تسمم من حولنا كل المثل السامية على إيقاع الثورة والتحول المزعومين لأن من شأنه وعبر الاستنباط المدروس لأشكال وطرائق العمل السياسي والجماهيري والحركي الحديثة بأنماطها الشعبوية المفترضة والمنفصلة عن ( الإطار الأبوي البونابرتي التقليدي العام ) والمبنية خارج الإطار النخبوي المعهود العمل ليس فحسب على تعزيز أسباب حضورنا الدائم في المعترك السياسي والوطني .. وإنما أيضاً الإسهام في تمكيننا من الإمساك بصورة حاسمة ومؤثرة بزمام المبادرة الشعبية التي لا يزال لنا حضورنا الفاعل في محيطها ..خاصة إذا ما وضعنا بعين الاعتبار أن مشهد أولئك الذين يسهبون اليوم في الحديث عن الفضائل المدنية والديمقراطية والثورية..فيما خواصرهم مثقلة بالمسدسات وبالنزعات الدموية والإجرامية..يمكن أن يشكل حافزاً مهماً بالنسبة لنا في تعزيز وتصعيد أسباب المقاومة المدنية كونهم من يشكلون مصدر التهديد التاريخي للنظام الاجتماعي..وليس نحن ..حتى وإن اعتمروا هذه المرة ( قبعة النبوة ) التي لا تمنحهم بالتأكيد حق احتكار الفضائل الثورية التي يزعمونها خصوصاً وأن ما يعزز من فرص المؤتمر الشعبي في استعادة دوره التاريخي في رسم مستقبل العمل السياسي الوطني ليس فقط امتلاكه لمقومات الحضور والتأثير الملحوظ والمثير للجدل في الوسط الجماهيري والشعبي رغم ضراوة ووحشية هجمة التحريض والإقصاء الحركي والمعنوي التي طالته على مدى ما يقرب من عامين على هذا الصعيد وإنما أيضاً لخلوه في المرحلة الراهنة من أغلب رؤوس ومكونات الفساد الذين تساقطوا أبان الأزمة كأوراق الخريف غير مأسوف عليهم .. وتلك إحدى الميزات الحميدة والإيجابية للازمة الناشبة منذ أوائل العام الفائت والتي اسهمت بدورها في تطهير وتنقية المؤتمر الشعبي بصورة آلية وتلقائية من ( عسس الظلام ) بصورة ما كان يمكن لها أن تفلح في الظروف الطبيعية والعادية ..مع أنها اسهمت وبشكل اساسي في خلق المقدمات الموضوعية لتحويل المؤتمر الشعبي إلى كيان سياسي وحركي صلب ومتماسك يستمد بقاءه وديموميته من صمود وبسالة من تبقى من أعضائه وكوادره وقياداته الصامدة في الميدان على امتداد الجغرافية الوطنية . وعموماً ينبغي التأكيد هنا على أن مستقبل العمل السياسي داخل مكونات التنظيم ينبغي أن يقوم على إشاعة وتشجيع أنماط جديدة ومتقدمة الرؤى والتصورات والأشكال النضالية والفكرية الجديدة والكفيلة في الوقت عينه بتنويع وتوسيع اسس وطرائق العمل السياسي والجماهيري الممنهج انطلاقاً في المقام الأول من حتمية قبول النخب الفوقية في مختلف هيئات ومكونات التنظيم بفك الوصاية الأبوية ( البونابرتية ) التقليدية المعهودة والمهيمنة على صياغة القرار السياسي التنظيمي والبدء بإحداث إشراك فعلي وواسع لدور القواعد الحزبية الشعبوية في صنع وقيادة مستقبل العملية السياسية للتنظيم.. وأمر كهذا يعد أساسياً وحيوياً في الوقت الراهن بغية التوصل إلى استراتيجية ناجحة تتيح لنا الحفاظ على كياننا ومقاومة مشاريع الاجتثاث الجاهزة وغير المعلنة التي تستهدف وجود وماضي وحاضر ومستقبل المؤتمر الشعبي العام على امتداد المشهد الوطني خصوصاً وأن خصوم اليوم ليسوا كخصوم الأمس ..فخصوم اليوم هم عبارة عن عصابات جهادية لاهوتية متوحشة ومدججة بكل قيم الإفك والابتزاز والكراهية التصفوية ومجردة في الوقت عينه من كل قيم وأخلاقيات العمل السياسي والمدني النقدي والبناء القائم على مبادئ الجدل السياسي والنظري المفتوح ..الأمر الذي يضع المؤتمر الشعبي العام بكل هيئاته ومكوناته الحركية والثقافية والقاعدية والتنظيمية والفكرية أمام امتحان أخلاقي صعب ومعقد حول قدرتهم على مجابهة المخاطر الاقتلاعية التي تستهدفهم والحفاظ على بقائهم ومستقبلهم ووجودهم المفترض في المعترك السياسي والوطني خاصة وأن معضلة المؤتمرالشعبي العام في هذا المنحى تكمن بالدرجة الأساس في بساطة تكوينه الفكري والسياسي والايديولوجي والجماهيري والطبقي المحكوم عادة بالفطرة المفرطة أحيانا إلى حد السذاجة وفق مفهوم الاحتيال السياسي السائد والمتجذر في وعي إخواننا في الله ومن والاهم من (كرادلة المشترك ).. الأمر الذي جرد أعضاءه وكوادره وقياداته العليا والمتوسطة من ميزة التعاطي مع محيطهم السياسي والايديولوجي وفق مفاهيم الغدر والغيلة والاحتيال والإيقاع الكيدي والاغتيال البربري للهوية والشخصية السياسية والحركية والإنسانية للخصم ..كماهو حال الأحزاب والقوى العقائدية المتعددة في الساحة.. كالإخوان والقوميين من بعثيين وناصريين وكذا الماركسيين ..,, بالصورة التي عايشناها ولا نزال نعايشها منذ أوائل العام الفائت ..أي منذ بدء الأزمة ..حيث كنا ولا نزال حتى اللحظة عرضة يومية لكل أشكال البطش السياسي والدموي والغدر والغيلة والابتزاز والتخوين والتجريم المجاني المشمول بجملة من اليافطات الثورية وشعارات ( الوطنية العاطفية ) التي سخروها بأسوأ الصور الممكنة لتحقيق أهدافهم الاستغلالية في القفز على عجلة التاريخ الوطني والسطو على مقدرات الثروة والحكم في البلاد ..وليس أدل على ذلك مما حدث في جامع دار الرئاسة في يونيو العام الفائت وما تبعه من أعمال وجرائم انتهاكية تفتقر في مجملها لأبسط شروط وأخلاقيات العمل السياسي والمدني الحر والمثمر رغم المناخ الديمقراطي الواسع الذي يتمتعون به في ظل المؤتمر الشعبي العام وبفضله بصورة لا يمكن لأحد نفيه أو إنكاره. ولهذا السبب ربما لا يزال المؤتمريون عاجزين حتى اللحظة عن استيعاب حقيقة أن هناك مشروع اجتثاث فعلي وغير معلن يستهدف حزبهم ووجودهم من قبل لصوص الثورة والثروة معاً ممن بدأوا يتوسعون في الوقت الحالي بترويج مصطلحي (الفلول وبقايا النظام ) كجزء من حملة تحريض سياسي واجتماعي واسعة النطاق معدة ومرسومة سلفاً لهذا الغرض كما توحي بذلك أحداث وتداعيات المرحلة. وإن كان الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد يكمن في عدم توافق مصطلح الفلول هذا أصلاً من الناحية الموضوعية مع المؤتمر الشعبي العام نتيجة لطبيعة تكوينه الشعبي والجماهيري والمدني الشفاف والبسيط وخلوه في ذات الوقت من تعقيدات البناء الحركي والعقائدي والايديولوجي الذي تتسم به مكونات الأحزاب العقائدية الأخرى كالإخوانجيين والاشتراكيين وغيرهم ممن يصبح بناء الفلول والمليشيات والجيوب الخلفية جزءاً أساسياً ومهماً من مكوناتهم الحركية والحزبية العامة ..كما هو الحال بالنسبة ( لشبيحة بعثيي سوريا ) الذين يشكلون اليوم إحدى القوى الأيديولوجية الضاربة في حماية النظام السوري وبقائه ومكتسباته ..أوكما كان الحال سابقاً بالنسبة لمليشيا الحزب الاشتراكي في بلادنا والتي بنيت أبان حكمه الشطري لجنوب ما قبل الوحدة كنوع من التشكيلات العسكرية شبه النظامية التي رافقت مسار بناء وتطور الحزب حتى الوحدة وما بعدها أيضاً ,,وهو الواقع الذي ينطبق أيضاً على المليشيات الجهادية والدموية التابعة لمكونات حزب الإصلاح .. رغم نفيه وتنصله الرسمي منها طبعاً ..والتي تشكل أبرز أذرعته الانتقامية والتصفوية الجبارة بالصورة التي يمكن قياسها من خلال احتدام حدة العمليات الجهادية والإرهابية المنفذة في عدد من مدن ومحافظات الجمهورية وعلى رأسها صنعاء وأبين منذ سيطرته على أهم مفاصل ووزارات الدولة ..بالإضافة إلى حروبه الدموية والمتكررة منذ منتصف العام الفائت تحديداً ضد الحوثيين في مناطق شمال الشمال ..صعدة ومحيطها ..وبدرجة أقل ضد حركيي الجنوب في عدن والضالع بهدف فرض أجندته الاستحواذية من جهة وتقديم نفسه من الجهة الأخرى للغرب والجيران في السعودية والخليج كشريك مهم ومحتمل في التصدي للنفوذ الإيراني وشغل وظيفة شرطي المرحلة بالنسبة لسياساتهم ومصالحهم الاستراتيجية في المنطقة.. ü الرئيس التنفيذي لحركة الأحرار السود في اليمن رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة نقلاً عن صحيفة تعز