جاء تأكيد وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي "أن الحكومة اليمنية لن تسمح بالتدخل في شئونها الداخلية من أي طرف كان، أو أن تصبح أراضيها مكانا للحروب بالوكالة" كاشفا لطبيعة الأزمة السياسية بين اليمن وإيران على خلفية ضبط السلطات الأمنية اليمنية شحنة من الأسلحة الإيرانية في المياه الإقليمية اليمنية قبيل وصولها إلى الأراضي اليمنية والتي احتوت على أسلحة ثقيلة متنوعة بعضها تصنف ضمن "الأسلحة التدميرية". وكانت السلطات اليمنية ممثلة بوزارة الدفاع، نشرت قائمة بشحنة السلاح الإيرانية التي ضبطتها على متن سفينة جيهان (1) في المياه الإقليمية اليمنية، والتي احتوت على كميات كبيرة ومتنوعة وخطرة من الأسلحة كصواريخ الكاتيوشا إم122 وصواريخ أرض جو ستريلا1 و2 تعمل بالحرارة لتتبع الطائرات الحديثة بمختلف أنواعها على مسافة من 4 إلى 5 كم وقاذفات (آر بي جي 7) ومواد متفجرة وأجهزة ومناظير ليلية مختلفة، البعض منها صناعة إيرانية، كانت متجهة لجماعة الحوثيين المتمردة في شمال البلاد عبر ميناء المخا المطل على البحر الأحمر، غرب البلاد. وقد فسر المحللون هذا التصريح بأنه اتهام مبطن لإيران بأنها أصبحت تستخدم الأراضي اليمنية مسرحا لتصفية حساباتها مع الجارة السعودية التي تخوض صراعا سياسيا ومذهبيا في أكثر من مكان في المنطقة، نقلا عن وكالة انباء الشرق الأوسط.
اتهامات شديدة وجاءت هذه الرسالة اليمنية بعد أيام من تفاعلات الأزمة الدبلوماسية بين طهرانوصنعاء والتي تضمنت اتهامات شديدة اللهجة لطهران بدعمها للجماعات المسلحة اليمنية وتصديرها للأسلحة إلى هذه الجماعات لزعزعة الاستقرار في البلاد..وباتت الرسالة اليمنية واضحة لطهران بأن صنعاء لن تفرط بعلاقاتها مع الرياض مقابل التغاضي عن التدخلات الإيرانية المستمرة في اليمن. وقد حظيت اليمنية الإيرانية باهتمام بالغ من قبل أركان النظام السياسي في اليمن، كونها تأتي في ظل أجواء مرور عامين على ثورة 11 فبراير، خاصة أن الكثيرين يعتقدون أن زمن الفعل الثوري توقف عند التوقيع على المبادرة الخليجية بقيادة السعودية. خصوصا وهي وضعت خطة للتسوية والانتقال السلمي للسلطة على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب" ونقلت زمام المبادرة من الشارع اليمني الذي انتفض في ثورة سلمية لإطاحة النظام السابق، إلى الرعاة الإقليميين والدوليين الذين يديرون منذ نحو عام استحقاقات التسوية السياسية بطريقة لا تبدو ملائمة بالنسبة إلى قادة العمل الثوري من التيارات الشبابية والأحزاب. وقد عزز التعثر المستمر لمتطلبات المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية، الحضور الدولي في معادلة التغيير اليمنية، الذي برز في أكثر تجلياته في التحركات الدولية غير المسبوقة، بعد عقد جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي مع القيادة اليمنية، استهدفت دعم التسوية وإعادة الوضع إلى مساره في ما يخص المضي بتنفيذ المبادرة الخليجية، وتصحيح الاختلالات التي ظهرت في الفترة الماضية ويعتقد أنها بدأت تهدد بقوة مسار التسوية. فعقد مجلس الأمن جلسة استثنائية في صنعاء هذه المرة لم تكن رسالة موجهة إلى النظام السابق بل إلى سائر الأطراف السياسيين المعنيين بتنفيذ متطلبات المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية.
وعلى خلفية الأدوار الإقليمية والدولية لرسم خريطة الطريق في اليمن ما بعد صالح، بما يحقق مصالح هذه القوى والأطراف، أزداد الدور الإيراني في اليمن من خلال تقديم المزيد من الدعم للحوثيين، هذا الدعم لم يكن وليد الأزمة الحالية، إنما هو منذ سنوات طوال. النفوذ الإيراني ويؤكد المحللون أن إيران تسعى إلى توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط من خلال دعم وتسليح المتمردين في اليمن بوسائل عدة من أبرزها، دعم قنوات الاتصال السياسية وإرسال شحنات أسلحة إلى المتمردين ورموز سياسية أخرى في اليمن، وهو ما اعتبره محللون استخباراتيون، جهودا إيرانية مضنية تهدف إلى توسيع نطاق النفوذ الإيراني في مختلف أنحاء المنطقة. ووفقا لهؤلاء فإن اليمن قد يكون مجديا في إطار أية مساع إيرانية للرد على هجمة عسكرية إسرائيلية للمنشآت الإيرانية، لأنه على الرغم من أن الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح قد تنحى عن الحكم في البلاد، لكنه ترك وراءه يمنا هشا ونخبة سياسية مقسمة وانفلات أجزاء كبيرة من البلاد عن قبضة الحكومة اليمنية، حيث يشهد جنوب البلاد معارك ضارية بين عناصر مسلحة تابعة لتنظيم القاعدة والجيش اليمني فيما باتت أجزاء كبيرة من أراضي الشمال تقع تحت سيطرة الحوثيين. يذكر أن المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن استغلوا الثورة اليمنية وأرادوا تعزيز نفوذهم في بعض المناطق باليمن، وهم يحصلون على أسلحة إيرانية، إلا أن وقوف السلفيين ضدهم واندلاع القتال بينهم كبح جماحهم. وفي حقيقة الأمر، فإن الأزمة الحالية بين طهرانوصنعاء لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، طالما أنها تأتي في سياق الاستراتيحية الإيرانية في المنطقة، وكانت قد تفجرت أزمة دبلوماسية بين البلدين خلال أكتوبر الماضي، عندما وجه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اتهامات لإيران بالتجسس على اليمن وتقديم الدعم والعون للحراك الجنوبي من أجل الانفصال، فيما ردت طهران برفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلا. وتسعى إيران لإيجاد بؤرة ومركز ثقل لها في اليمن مستهدفة في ذلك دول الخليج وخاصة السعودية، كما تسعى لتهديد الملاحة الدولية عبر السيطرة على مضيق باب المندب واعتباره ورقة تفاوضية كما هو الحال مع مضيق هرمز، وذلك من أجل تحسين موقفها في موضوع ملفها النووي. الأكثر إثارة وعلى الرغم من وجود كيانات جديدة تلعب أدوارها على الساحة اليمنية، فإن الجولة الحالية هي الأكثر إثارة للدهشة، لأن اليمن قد تتحول،على ما يبدو، إلى "حرب بالوكالة" وتصبح الأراضي اليمنية ساحة للصراع الدولي بصفة عامة، وبين إيران والدول العربية في المنطقة بصفة خاصة. ويؤكد المراقبون حقيقة العلاقة بين إيران وحوثيي اليمن، فقد تحالف نظام الملالي المتشدد في إيران مع قوى في اليمن تسعى إلى زعزعة استقرار الحكومة المركزية، على عكس توجهات الدولة الموالية ظاهريا للغرب، كما حدث في دول أخرى في الشرق الأوسط، ذات حكومات مركزية ضعيفة، في العراق، ولبنان، والسلطة الفلسطينية. وإدراكا منها لخطورة العلاقة بين إيران والحوثيين في اليمن على أمنها القومي، عملت المملكة العربية السعودية على تدعيم نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعزله عن تهديد المتمردين الحوثيين، ثم كللت جهودها بالتوصل إلى اتفاق بين النظام والمعارضة على ترك على صالح الحكم وأن يتولى نائبه، فالحوثيون ينتشرون على طول الحدود اليمنية السعودية، وتشعر الرياض دائما بالقلق حول أمن الحدود نظرا لتاريخ المنطقة. ففي الستينيات من القرن الماضي، قامت مجموعات بتنفيذ عدة أعمال تخريبية في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك ضد وزارة الدفاع وقاعدة جوية بالقرب من الحدود السعودية اليمنية.وفي نوفمبر 2009، عبر عدد كبير من المسلحين الحوثيين الحدود إلى السعودية وسيطروا على جزء صغير جدا من أراضي المملكة، مما أدى إلى قيام الأخيرة بردود فعل عسكرية سريعة. ومنذ ذلك الحين، وقعت اشتباكات عنيفة بين السعوديين والحوثيين على جانبي الحدود، أسفرت عن وقوع خسائر في صفوف القوات السعودية. ولا شك، أن الحوثيين والحراك الجنوبي الانفصالي وغيرهم من المتضررين من الثورة الشعبية باليمن، هم أصحاب مشاريع صغيرة تتناقض مع الوحدة اليمنية ومع أمن واستقرار اليمن ومع الدولة المدنية الحديثة، وهم يعملون لأجندات خارجية، ولذلك لابد من حوار وطني قادر على دمج جماعة الحوثيين في نسيج الوطن اليمني، على اعتبار أن اليمن عرضة للتأثيرات الإقليمية والدولية في هذه المرحلة الانتقالية. ويبقى التأكيد على حقيقة أن إيران تريد من خلال تواجدها سواء في اليمن أو في بقعة من العالم تنفيذ إستراتيجيتها، بما يحقق مصالحها وأهدافها.