ما أن أطل الربيع ، حتى عم الهرج والمرج ربوع الغابة (السعيدة) ، بعد أن ضاق سكانها ذرعاً بالفقر والحزن والكآبة ، وبظلم الملك ، وحاشيته من السباع والضباع ، عدى عن فساد الجرذان وتناحر القطعان ، فخرجت الجموع تنشد حياة كريمة ، في غابة مدنية حديثة ، وترفض قانون (البقاء للأقوى) ، وللضعفاء الموت والتقوى... لكنها ما أن اقتربت من الشجرة الحاكمة ، حتى هاجمتها الذئاب والكلاب ، وتآمر عليها كل ذو مخلب وناب. أعلن (السبع الأسود) ، انضمامه للحشود ، في ثورتها على فصيلته ، من جالبات الهموم ، وآكلات اللحوم ، مؤكدا: " أنا لست مفترسا بل فريسة " ، وقدم الوعود وأقسم العهود ، أن ينتزع – بعد حين - نابيه وأن يقتلع – بنفسه – مخلبيه. عندها انقسم الجمع الثائر ، بين مؤيد ورافض وحائر ، بين ديك يصيح: هو قائدنا لقد تاب ، ونعامات دفنت رأسها في التراب ، وحمامة قالت: أين الخير من وجه الغراب ! بعد أن حذا حذو (السبع الغامض) ، عشرات السباع والقوارض ، ومئات الذئاب والثعالب ، وآلاف الأفاعي والعناكب ، اختلط الحابل بالنابل ، فكيف للحيات أن تحمي البلابل ، وهل يذرف التمساح دمعاً بلا مقابل ؟ جاء الخريف ، وجاءت مبادرة حكيمة ، من غابة في الجوار ، بإجراء الحوار ، حماية للأشرار من عبث الأبرار ، على أن يتم اقتسام الحكم والمتاع –مؤقتاً- بين السباع والضباع ..!
بعد عام ونصف من الانتظار ، نصف عيش ونصف انتحار ، تساءلت الغابة في احتيار: الوحوش مازالت هنا ولها القرار ، تأبى الرحيل وتأبى الاعتذار، الطاولة لها ، بل هي النجار ، فعلى ماذا هذا الحوار؟ عندها قال الفأر للحمار: لسنا دولة ، نحن غابة ، وبقانون الغاب – يا صاحبي – كلنا أشرار ، فقط نتبادل الأدوار: عاش الملك ، ويحيا قائد الأحرار.!