بعد ان بات القرضاوي ممنوعا من الدخول الى بريطانيا وفرنسا بسبب آرائه المتطرفة ، فإن هناك من الدول الكثيرة التي لا ترحب باستقباله او ترفض دخوله، حتى تحول الى شخصية منبوذة ملاحقة، غير انه في نظر مريديه صار العكس تماما، بطل عصره، ورجل الاسلام الجديد المنتمي لعصر الثورات، وكان القرضاوي عضدا خفيا ومعلنا للظواهري وبن لادن دون توقف. تواصل واستمر القرضاوي في لعب دوره العقائدي حتى لحظة مقالتنا، فاذا ما صمت جهرا نتيجة الضغوط وتوريطه قطر مع العرب وجيرانه ودول مجلس التعاون، فإن سلوك قادة قطر معه تدلل على مكانته لديهم فقد تحول الى عنصر استفزاز مقزز، والاكثر من ذلك احساس القرضاوي بتضخم ذاته وبقيمته ووضعه المتين، كونه اخوانيا متميزا لدى حكام قطر ورجالاتها الافذاذ، إذ قام امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مؤخرا باستقبال القرضاوي على مأدبة إفطار رمضانية وقبل رأسه على مرأى من الكاميرات في خضم الازمة التي تعصف بعلاقات الدوحة بجيرانها العرب. كل ذلك التمثيل وتقبيل الرأس ليس سلوك الاحترام الحقيقي ،بقدر ما كان ينم عن ارسال رسالة واضحة للاخرين، رسالة تدلل باحتضان وحماية وتودد لرجل الاخوان المطلوب رأسه في قائمة المطلوبين، فالقضية ليست في مأدبة الافطار الرمضانية ابدا فذلك تقليد طبيعي وسنوي لدى الدول في استقبال رجالات الدين المهمين والشخصيات المرموقة في المجتمع، غير ان التقبيل السياسي! له معاني متعددة تنم عن الولاء، بخلاف عادات التقبيل القبلي والاجتماعي المعبر عن احترام الصغير للكبير. تلك القيم الكونفوشيوسية في التربية لا اخال ان قطر كانت تمارسها تلك اللحظة في الافطار الرمضاني عن وعي، وإنما نتيجة لنصائح المستشارين من حول الشيخ تميم، فهم وحدهم كانوا ينفثون سمومهم الخفية، مستغلين خبرته السياسية القصيرة والمحدودة نتيجة عمره وتجاربه في عالم الدبلوماسية ودهاليزها، ولا يهم المستشارين توريطه بقدر ما يهم اولئك الزمر والجماعات المتغلغلة في اروقة ومكاتب القصر ومراكز البحوث وقناة الجزيرة من تنفيذ اجندة معينة. ومنذ عام 2010 حتى عام 2017، يدخل الاخوان وتركياوقطر والقرضاوي في حالة تزاوج وعناق حار معلن بعد ان كانت تلك العلاقات الدافئة خفية، غالبيتها تحت الارض وقليل منها فوق السطح، ففي الضفة التركية من الالفية الثالثة ، كان حزب العدالة والتنمية يصعد بسرعة في الساحة السياسية التركية، ويكتسح القوى المعارضة له في البرلمان حتى هيمنته على منصب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، فمن احشاء حزب الفضيلة الاسلامي المحظور سيولد حزب المجددين في الحزب ويؤسسون عام 2002 حزب العدالة والتنمية التركي، وهو بمثابة مشروعهم العثماني الجديد برداء ليبرالي متأسلم، مرحلة خاصة بتركيا لما بعد اتاتورك من حيث التحولات والصراع. في تلك الاجواء يصبح اردوغان رجل المرحلة البارز والنجم الصاعد في حزبه والحكومة التركية، وقبل مرحلة الربيع العربي بسنوات، صارت تركيا مع ماليزيا نموذجا اسلاميا حداثيا، وبات الاخوان يلوحون باهميته وقيمته السياسية، بل واصبحت تركيا المعاصرة في الالفية الثالثة مرجعية للاسلام السياسي المعتدل! وبات مفهوم المعتدل والوسطي خطابا سياسيا مطاطيا مراوغا قابل للتفسيرات المتنوعة والمتناقضة والمنسجمة مع طروحة المسلمين الديمقراطيين غير أن بيرق الاخوان المنتكس في بعض البلدان والنشط في بعضها، صار يفتش عن نموذج للتسويق السياسي والنموذج المقبول، صار لديهم، كعبة سياسية، يحجون اليها سفرا كل اسابيع، وبلد حاضن لكل الهاربين من انظمتهم، ومكانا هادئا للحركة السياسية والاستثمار، حيث ظلت تركيا حذرة من منح كل شخصية اخوانية او اسلامية سقفا يتعدى الاقامة كتسهيل وللبعض والأكثر اهمية درجة اللجوء السياسي، فيما عدا الكبار منهم يمنحون جنسية تركية بهدف توفير الامن لهم كاملاً. في هذه السنوات من صعود حزب العدالة والتنمية التركي للسلطة في تركيا تغنى بمواصفاته المميزة والتنموية رجالات ومفكرين اسلاميين كبار كحسن الترابي في السودان، والغنوشي في تونس، والقرضاوي في قطر، والصحفي المصري،، المفكر الاسلامي! فهمي هويدي والتميمي والعوا هذا على سبيل المثال وليس الحصر، فهناك العديد من الوجوه والاقلام، التي قلبت الدنيا ولم تقعدها لتمجيد النظام السياسي في تركيا. فتح اردوغان وحكومته احضانه الدافئة للاخوان طوال تلك السنوات كجزء من اهتمام براغماتي بالعام الاسلامي والعربي كسوق مهمة ولشعوره بصعود ذلك التيار، وقد ازدادت وتوسعت العلاقة مع الربيع العربي وتولي حكومة الاخوان في مصر في فترة مرسى، ثم بعد سقوطه وهروب العديد منهم لدول البلقان وتركيا، بل ووصل بعضهم بعيدا الى بلدان امريكا اللاتينية وجنوب افريقيا، ولكن حكومة قطر وبفضل القرضاوي وانحياز بعض رجالاتها للاخوان تحولت قطر الى عش الدبابير الاخواني الجديد.