عشت أخاف على أقدامي أكثر مما أخاف على رأسي .حتى عندما أنام جرت العادة ألا أضع المخدة تحت رأسي بل تحت أقدامي لأنهما اللتان تحملاني " أبرطع" بهما من صبح الله وحتى المغيب ،جرياً وراء كل شيء .. أما رأسي فماذا قدّم لي غير وجع الدماغ ! حتى التي ستكون يوماً ما زوجتك قد تصادف أنه لا يعنيها من أمر رأسك شيئاً ،غير ألا تحرجها أمام صديقاتها يوم الزفاف وتدخل إلى صالة العرس وأنت "أصلع!"الرأس. بالمناسبة خسرت بسبب رأسي قرابة 20تجربة حب دفعة واحدة ! والغريب أنني لما استخدمت قدميّ وركلت تصوراتي المثالية في الحب ، نجوت ؟! للأقدام في هذا البلد المدعوس مهام إنسانية كثيرة . في أسوأ الحالات – مثلاً- عندما يكون المرء مديوناً لشخصٍ ما وحدث أن صادفه فجأة في الطريق نفسه الذي يسير فيه ، فإن الرأس يتحول لحظتها إلى مجرد استدارة سمجة ويتوقف تماماً عن التفكير ، فيما الأقدام وحدها من تنقذان الموقف و"تطحسان" بك - بلمح البرق - هاربا من أقرب زقاق ، والشاطر يلحقك !! في أحايين كثيرة لا أخاف على شيء من روحي مثلما أخاف على قدميّ..كما ولا أحب شيئاً في هذه البلاد"المزبوطة" تماما مثلما أحب قدميّ وأعتمد عليهما في كثير أشياء.حتى عندما كنت طفلاً ينتظر العيد بفارغ الصبر،كان أول شيء تشتريه لي والدتي- رعاها الله- فردتا الجواُرب . أتذكر جيداً أن العيد جاء مرة ولم تكن والدتي حينها قد اشترت لي شيئاً غير فردتي "الشُرّاب". كانت أمي حزينة يومها، وكنت غير آبه بشيء..لبستهما وخرجت فرحاناً ألعب مع أطفال الحارة وأنا عريان من كل شيء إلا من الفرح ومن الضحكات . لم أكن حينذاك قد عرفت أن عورة الرجل من "السُرّة إلى الركبة"..كما وأني كلما كبرت صرت أعرف – جيدا - أن العورة الحقيقية في هذا البلد الأعور هي أن تفكر وتعمل بين جوقة من الأغبياء والفارغين! من يسمعني أتحدث الآن عن رأسي، سيظنه رأساً نوويا وأستطيع في لحظة غضب أن أضرب بهِ مقر "البنتاجون" من هُنا مثلاً! فيما أنّ كل الذي استطيع فعله فقط هو أن أضرب رأسي عرض أقرب حائط وأنام حالماً بيوم يصبح لرأس الآدمي هنا نصف قيمة رأس جنبية الشيخ فلان الفلاني على الأقل!! [email protected]