تشكلت الانتفاضة الإيرانية الأخيرة من فقراء إيران الذين يفترض أنهم عماد النظام وأقوى داعميه، بعدما أثار غضبهم استعراض النخبة الحاكمة مظاهر الترف والبذخ، فضلاً عن تباينات ملحوظة في المجتمع الإيراني. تحدى المحتجون السلطات الإيرانية، لكن يبدو أن أبناء طبقة النخبة منفصلون عن الواقع، ولا يدرون شيئاً عما يجري في حياة الناس العاديين، ولم يتوقعوا هذه الانتفاضة. وبرأي سكوت بيترسون، محرر لدى صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"، تفاجأ حكام طهران بالاحتجاجات، كما صدم مفكرو المعارضة لدى سماعهم ومشاهدتهم شعارات رفعها متظاهرون طالبوا بإسقاط النظام، ووصل بهم الأمر لوصف المرشد الأعلى بأنه "ديكتاتور". ضرر شديد ويقول المحرر إنه إثر خروج الفقراء الإيرانيين للتعبير عن غضبهم الشديد، بات الجميع يدركون حجم الضرر الذي أصاب أحد أعمدة الثورة الإسلامية. من هؤلاء بائع عطور يدعى عشقان،32 عاماً، وهو حاصل على شهادة جامعية في الكيمياء، ولكنه اضطر للعمل كبائع في محل يملكه صديقه. ويقول: "قامت الجمهورية الإسلامية على فكرة تحقيق حياة أفضل للمظلومين والفقراء. وفي البداية، جرت محاولات لتجسيد ذلك. ولكن بمرور الوقت، حل الفساد مكان المبادئ، واستمرت مصاعب الحياة في الضغط على أبناء تلك الطبقة من المجتمع.. وهذا يفسر لماذا هم محبطون الآن من نظام انتفضوا يوماً من أجله". دهشة ويشير بيترسون إلى الصدمة التي أصابت زعماء إيران حيال حجم ومكان الاحتجاجات التي خرجت بداية بسبب مظالم اقتصادية في صبيحة 28 ديسمبر ( كانون الأول)، ومن ثم تحولت إلى انتفاضة سياسية وامتدت لأكثر من 70 مدينة وبلدة، كان عدد منها يعتبر معاقل للمحافظين وداعمي النظام. ولم تفاجأ الطبقة الحاكمة في إيران بسبب احتقار الإيرانيين لها. فقد أحرقت صور لآية الله خامنئي في عام 2009، أيضاً، عندما تظاهر ملايين في طهران وسواها من المدن احتجاجاً على نتيجة انتخابات أثارت جدلاً. وعوضاً عنه، دهش حكام إيران، هذه المرة، نتيجة تعبير الناس عن غضبهم من النظام، رافعين صوتهم دون خوف. هزّ مراكز السلطة وبحسب المحرر، أدت الانتفاضة الأخيرة لهز مراكز السلطة في إيران، وذلك لأن المحتجين يشتكون من عدم الوفاء بوعود قديمة، تعود لعام 1979، عندما وعدت الثورة الإسلامية بتحقيق "الرفاهية والنمو والمساواة والعدالة الاجتماعية".
وكشفت الانتفاضة أيضاً حجم الإنفاق الكبير على مؤسسات دينية، وخاصة بعد قطع معونات اجتماعية وسواها من الإعانات، فيما يشهد الإيرانيون تراجع مداخيلهم وأجورهم خلال السنوات الأخيرة، هو ما أثار شعوراً بتفاوت طبقي، وعدم مساواة. وبرأي بعض الخبراء، طاولت تلك الاحتجاجات شرعية الجمهورية الإسلامية، وأضرت بعقدها الاجتماعي الثوري الصامد منذ قيام الجمهورية الإسلامية. فرضية قديمة في هذا السياق، يقول كيوان حارس، مساعد بروفسور لدى جامعة كاليفورنيا: "سادت، منذ وقت طويل، فرضية تقول إن قاعدة الجمهورية الإسلامية تستند على الفلاحين ورجال الدين وأسر قدامى محاربي الحرب الإيرانية – العراقية. لكني أعتقد أن تلك الفرضية لم تعد تنطبق على إيران في الوقت الحالي". وعبر الروائي الإيراني أمير أحمدي آريان، عن رأيه فيما يجري في بلاده، فكتب في صحيفة "نيويورك تايمز": "خلافاً للعقود الأولى لما بعد الثورة في إيران، يستعرض الأثرياء اليوم ثرواتهم، دون مراعاة لمعاناة ملايين الفقراء الإيرانيين". معايير مزدوجة وكتب آريان: "لم يتخل قط جيل الثورة عن ولائه لمبادئ ثورة 1979، فيما نادراً ما يبدي أبناؤهم ذلك الولاء. إنهم يقودون سياراتهم الفارهة في شوارع طهران أمام أعين الفقراء، ويتباهون باستعراض ثرواتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. ويشاهد إيرانيون صور أبناء مسؤولين، وهم يشربون ويتسكعون على الشواطئ حول العالم، فيما يسجن أبناؤهم بسبب شرائهم كحول. فقد أدت تلك المعايير المزدوجة لتنامي شعور بالذل والخذلان بين الإيرانيين". انفصال عن الواقع ويقول ناغراس باجوغلي، باحث لدئ معهد واتسون التابع لجامعة براون: "لقد تحدى المحتجون السلطات الإيرانية، لكن يبدو أن أبناء طبقة النخبة منفصلون عن الواقع، ولا يدرون شيئاً عما يجري في حياة الناس العاديين، ولم يتوقعوا هذه الانتفاضة". ورأى أن السلطات لن تتردد في استخدام العنف لقمع التمرد، ولكن الطريقة التي كشف بها المتظاهرون عن وجوههم وهتفوا ضد خامنئي في بلدات صغيرة ونائية، هو ما أثار هلع طهران".