يثقلني الوجع فيفتك بكل جلدي المتهالك على جذع واقع لا يهدي سوى العقم ، تهرول قدمي مُتسارعة خائفة من إعصار الانهيار الذي يزورني كل يوم ألف ألف مرة ، تجاه ذلك “الكوفي شوب” الذي يمكث بعيداً عن ازدحام المدينة ، ارتاده بين الحين والآخر. وتحت أشجاره المتشابكة اترك جثماني الذي يصارع خروج الروح منه بهدوء ، وأحاول تجميع تلك الأشلاء في وطن كله أشلاء ، لكنهم هناك بجواري يحاذون تواجدي بأطوالهم الفارهة وثيابهم المرصعة بروائح النصب ، يقودهم أكثرهم كذباً ومراوغة أراقبهم بهدوء لا يعبأوا بأحد طالما وحراساتهم أمام الكوفي شوب مستعدة أن تمطره ومن فيه رصاصاً قاتلاً في ساعات الخطر ، أعرف بعضهم اغلبهم من قادة النظام السابق منهم الناصري ومنهم الاشتراكي ومنهم المؤتمري والإصلاحي وووو ..سرية تضم انتماءات حزبية مختلفة وكلهم من أولئك الذين انتموا للمؤتمر الشعبي العام وحظوا بمناصب كبيرة ، لكنهم هرولوا مع المهرولين تجاه وهم اسمه 11فبرائر. لم يشبعوا بعد، لا زالوا يحلمون بالعودة لطحن هذا الشعب والرقص على جثمانه ، كلما شاهدتهم يزداد تهالكي وانهياري حد الذوبان يصهروني بشرهم وجبروتهم وغطرساتهم وكذبهم على شعب كان يتغنّى بحبر لصق بإبهامهم أثناء الانتخابات تنتهي فائدتهم بمجرد أن يصلوا الى السلطة. وهكذا استمر الحال لتصبح لديهم مشاريعهم من تجارة رابحة تجارة سرقة ونصب على هذا الشعب الذي لا يجيد سوى غمس إبهامه في الحبر أثناء الانتخابات ، حتى عض أنامل الندم لا يجيدها مطلقاً ، بل يكرر أخطاءه كل مرة. لم يعد إشراق الشمس كما كان ينفلق منه أمل جديد ، ولم تعد الأمنيات تزورنا قبل الإفطار حتى دخان سجائر الغالين تلاشت في فراغ الوقت، لم يكن هناك شيء غريب سوى فنجان الشاي الحليب مع القرفة الذي أدمن عليه والدي على خلاف كل اليمنيين وإدمانهم على شرب البن. وها هو الوقت يمر ليصبح كل ما حولنا غريباً ليس فقط كوب شاي والدي الراحل ، ويتسلل قطار العمر يحملنا رغماً عنا لنكتشف في الغد أننا أصبحنا جيلاً قديماً ولم نراقص بعد طفولتنا وشبابنا كما يجب. هل هرمنا هل شاخت قوانا ؟! هل استسلمنا لضجيج أصواتهم الذي يرشقوننا به ليل نهار ، ويلات صراعاتهم لم تعصف إلا بنا نحن عامة الشعب ، أما هم لم يهرموا ولم يشيخوا، لازال جشعهم يلتهم بقايا جثامين هذا الشعب الجاثي على ركبتيه دوماً. تيقنت قبل خروجي من “الكوفي شوب” الذي تحول فجأة الى وكر يرتاده المتنفذون في صنعاء، إنهم لن يتركوا هذا الشعب يتنفس كي يعيش بل سيستمر الخناق عليه حتى يشيّع على يد قاداته. لك الله يا شعبي المطحون، لك الله أيها المواطن الذي لا تجد ما يسد رمق جوعك ، لك الله أيها الشاب الحالم، العاطل المنكب على أحلامك تسقيها من صبرك إكسير حياة باتت مستحيلة ، لك الله أيها المُعدم والفقير والمهمش والعفيف ... فلن يتركوننا نعيش فقد أدمنوا المناصب ولن يتخلوا عنها أبداً وما هي إلا استراحة مُحارب ثم سينقضّون كالذئاب الضارية ليأكلوا بقايا الشعب . كلهم بقايا نظام وكلهم سيعودون الى النظام بل ها هم أصبحوا من روّاد الثورة الغريبة.