قبل أكثر من عام نشرت في «مخلف صُعيب» المقال أدناه، تعليقاً على صعود الإخوان لرئاسة مصر وخطورة عدم استيعابهم للتحول التاريخي للمرحلة.. وأرى أن أعيد نشره اليوم من باب التذكير بالطريق الذي كان يفترض أن يتخذه الإخوان قبل أن تتراكم أزمات مرسي في مصر وتقود الى فعل احتجاج ثوري شاسع ضد سياساته وجماعته في أكبر بلد عربي له تأثيرات قصوى على المنطقة كما يقول التاريخ. *** ليس أمام الإخوان في مصر إلا اجتياز وعي الانغلاق والانفتاح على المجتمع واحترام التعدد فيه، مع إعطاء الضمانات الكافية المكتوبة والملزمة للشراكة واحترام وتفعيل الحقوق والحريات تعضيداً لمسعى الدولة المدنية المنشود ثورياً. فالوعود المجردة وحدها لا تكفي، كما أن استمرار التمترسات بضراوة خلف أفكار وتصورات وآليات محددة في إدارة الدولة والمجتمع لابد أن يفاقم من استفزاز مخاوف الآخرين ضدهم بحيث سيعتبرونهم خصوماً ألداء بالضرورة. ذلك أن الزمن للتحديات الكبرى، ولعل التمترسات الفكرية والأيديولوجية لأي منحى سياسي هي أكبر من يعيق التجانسات الاجتماعية، وبالتالي الوطنية في أي بلد. بينما عليهم تماماً استيعاب التحول التاريخي العاصف الذي تشهده المنطقة والعالم؛ بحيث يكون طموحهم وطنياً في المقام الأول وليس مجرد طموح أناني مغلق سيجلب الندم بالتأكيد مستقبلاً لجماعة ترفض التجدد وتصطدم مع تطلعات المجتمع الحيوية في التعايش وعدم ادعاء أي طرف احتكار التمثيل الديني للمجتمع أصلاً، كما تتعثر بشكل عجيب في إقناع الشعب بكافة تياراته السياسية والاجتماعية على أن مصلحته كشعب هي من أهم أولوياتها بدون تمييز. ففي السياسة الحديثة ليس هنالك أي مفر من الإيمان بالمواطنة وحرية المعتقد وتكريس فكرة الدولة وتحقيق السلام بين الأضداد الفاعلة في المجتمع - على قاعدة عدم المساس بالتنوع والنضال المتفوق من أجل حقوق المواطنين كسواسية أمام الدستور الناضج والقوانين الحيوية - وليس بالطبع العمل على تفاقم الاتجاه المعكوس السيء والصادم والغاشم أيضاً. ثم إن أي كيان سياسي أو اجتماعي سيستمر في اقتيات الأوهام لن ينتج سوى الأوهام عموماً، في حين سيأتي اليوم الذي يتحول فيه إلى معضلة مجتمعية لابد أن يقف الجميع ضدها، لأن مجتمعات ما بعد الثورات الجديدة عربياً ستظل ترفض فكرة تسلّط طرف ضد آخر في مسألة شديدة الحساسية كتسييس الدين، كما لن تتواءم هذه المجتمعات مع كيانات مسيسة دينياً لا تعمل على تقديم دلائل لا يتخللها الشك في شأن تقدمها التنويري المعرفي الوطني في هذا السياق. غير أن الوضع التاريخي للواقع قد شهد تغيرات كثيرة في القبول بالآخر، وأظن الإخوان سيفهمون ذلك جيداً أو على الأقل حتى لا يصابون بلعنة التشفي والسخرية من المتربصين المتكاثرين الذين يأملون فقط بزيادة فرص تأجيج المجتمع ضدهم وصولاً إلى تعثر تجربتهم في الأخير خصوصاً، وأنهم يخوضون هذه الاختبارات المنتظرة نتائجها من كافة تنويعات الشعب المصري بشدة اليوم في ظل مرحلة ذات خصوصية مختلفة كان أن دشنوا خلالها ممارستهم السياسة العلنية بعد ثورة لاتزال مستمرة ولها الفضل في ذلك بعد أن قُمعوا كثيراً، بينما تتسع المخاوف الشعبية من أن يكونوا منتقمين قامعين بالمقابل. إزاء هذا تظل ثقتي قائمة – رغم عديد عوامل مقلقة وغير مشجعة للأسف – بأن الإخوان “قدها وقدود” كما يردد المصريون دائماً. ولئن كان الانتظار لردود فعل إيجابي منفتح من قبلهم هو ما ينتاب كل مراقب موضوعي الآن، فإننا لا نأمل أن يأتوا يوماً ويتذكروا ببالغ الغصة والتحسر واللاجدوى كيف خسروا رهان المدنية، مضيعين الفرصة التاريخية التي لا تتكرر من بين أيديهم سواء نتيجة الاستمراء في الحمق السياسي أو لعدم مغادرتهم الوعي الاجتماعي المأزوم غير الملائم أبداً لطبيعة الحاضر وتحولاته المدنية الشاسعة. كذلك لا نأمل استحضارهم للعنف جراء أي انتكاسة سياسية قد تصيبهم مثلاً، بحيث لن يكون العنف حينها إلا تلك الضربة التي سترتد عليهم على نحو شديد التركيز داخلياً وخارجياً، بحيث ستقصمهم تماماً شكلاً ومضموناً، بل إلى حد الانسحاق الحقيقي!.