هذا الحزب الكبير والمهم جداً ، بإمكانه أن يكون أكثر فاعلية في تقدم الوضع اليمني على عدة مستويات في حال استطاع فعلياً ان يغادر سلطة "الإمتيازات للأقبح " كونها استمرت تسيطر عليه ونخشى أن تستمر ، ماينعكس على أهم سياساته في المجتمع والدولة أيضاً . فالإصلاح الذي خاض -بعد تجربته التاريخية في التماهي مع السلطة- تجربة المعارضة ثم تجربة المشترك البارعة، وصولاً إلى مرحلة الثورة الجديدة ؛ صار بفعل قيم هذه الثورة يقع في إختبار رهيب نتمنى تماماً ان ينجح فيه . ولعلني لا أزعم بالقول: ان التحولات السياسية والاجتماعية المنتظرة داخل الذهنية اليمنية عموماً،والتي تأثرت بالسلبية طويلاً قبل قيام الثورة الجديدة، سوف لن تتم بالشكل الخلاق غير التقليدي ، مالم يتم أولاً وبشكل خاص تفعيل الرؤية الإيجابية المعاصرة للأفكار الحديثة في الولاء الوطني داخل حزب الإصلاح نفسه . ذلك ان مأزق الاصلاح يتجلى ساطعا من خلال ان قوة القرار فيه هي للمشائخ والشيوخ أي لرجال الفتوى والعصبية القبلية ، مايعني استمرار منطق الغاء المؤسسة في الحزب لصالح الأفراد وامزجتهم المهلهلة التي لاتتناسب مع العصر، بينما لابد ان ينعكس هذا الأمر بوضعه الراهن -في حال لم يتزحزح مستقبلاً- على طريقة الاصلاح في ادارة الدولة كنتيجة حتمية لانعكاس الداخل على الخارج . والمؤكد ان عدم اقتدار الاصلاحيين على الحد من مراكز النفوذ الاجتماعية داخل حزبهم سيجعل الاصلاح عاجزا عن تلبية مطامح دولة المدنية التي يأملها اليمنيون وخطابها الثقافي -دولة النظام والمفاهيم الجديدة في ادارة الدولة ومؤسسات المجتمع- وبالتالي سيتقهقر عن توفير فرص امكانية تطور اليمنيين، ماسيجعل كثيرون يرددون "رحم الله النباش الاول" . من هنا اوجه دعوتي بصدق شاسع كما بتمام المحبة الى كل الاصلاحيين النيرين المخلصين الذين اثق بمبادئهم الوطنية وبنبل همومهم حتى يضاعفوا من تكاتف جهودهم وطاقاتهم في اصلاح حزبهم ليكون على رأس المحققين الكفوئين لهذه المهام التاريخية التطورية التي انتظرتها اليمن طويلاً. وبالمناسبة سوف لن يكون اصرار تمسك الاصلاح بتنمية نفوذه عبر الشيوخ والمشائخ إلا بمثابة سلاح ذو حدين ، لأنهما أعظم ما لم تحترمه الثورة الشعبية على الاطلاق إلى جانب النفوذ القائم للعسكر لاشك . بالمقابل اكاد اجزم ان الاصلاح-الذي يعول عليه كثيراً في عدم مخالفة احلام اليمنيين بالتغيير المنشود وتعضيدها اكثر - سيكون بعدم نضج قاصم وبخطيئة أغلى ثمناً، في حال استمر كالسابق لايريد ان يصمم على التأهل الحقيقي للمشاركة الحيوية في قيادة التغيير، معتبراً ان تأثيره ينبع من سيطرة التقليديين فيه، وان ثقافتهم المجيدة لابد ان تستمر مسيطرة على المجتمع ايضا، مع ان في ذلك "تكرارا للتجارب الفاشلة الماثلة امامنا بوضوح فادح ". والمعنى ان على الاصلاح-ومن موقع مسؤوليته الاكبر- عدم الاستخفاف بهذه الاعتبارات .. عدم التساهل باهمية المراجعات التي تنطوي عليها ، بحيث يتوجب ان يفطن جيدا وبشكل متسارع غير بطيئ، لانه بذلك سيساهم جدياً في تخفيف التخلف عنه وعن الدولة والمجتمع معاً، لا أن يستمر في تكريس هذا التخلف بوعي وبدون وعي . كما ان المعايير المدنية والتحديثية صارت تفرض على الإصلاحيين إجراء ثورة وعي ثقافي جديد داخل حزبهم، وهذا ماتحتاجه كافة الأحزاب في هذا البلد دون استثناء وإن أختلفت الأسباب طبعاً. اقول هذا بعد مضي ربع المرحلة الانتقالية، وحتى لايكاد الاصلاح يتطابق مع حزب المؤتمر لصاحبه علي عبد الله صالح خصوصا وانهما اكثر من ينتشران في مؤسسات الدولة عسكريا وامنيا ، كما انه من حق الاصلاح مثلاً ان يحلم بالسلطة كغيره ولكن على اسس الثورة الشعبية في الشراكة والحقوق وعدم تمكين القوى التاريخية المتنفذة والاستبدادية من السيطرة برجعية وسوء وعبث على مقدرات المجتمع والانفراد بالسلطة واعادة انتاج الماضي. في السياق لعل تجربة اصرار تيار واسع من كادر الاصلاح النسائي خلال مؤتمره العام السابق على خوض انتخابات المراكز الحزبية المتقدمة، تعد تجربة جديرة ملهمة استحقت التقدير ونزع الاعجاب بإمتياز، إذ مثلت الكفاح الضروري ضد الإقصاء الذي كان سائداً إضافة إلى ماحملته من مضامين موضوعية لتفعيل التميز وشرط التقدم الذي كاد أن يغيب تماماً. لكن على سبيل المثال ايضا : أعرف برلمانيا اصلاحيا قبل أن يكون كذلك كان فشل كثيراً كأستاذ، ثم ارتقى ليصير موجهاً ، ثم فشل كموجه تعليمي وتم تعميده فجأة بلقب شيخ، ثم طلع إلى كرسي البرلمان ولايزال يتعرش فيه منذ دورتين كاملتين . في حين استمرت معظم تصرفاته للاسف مثيرة للتقزز والسخط ليس إلا .. مع ان هنالك من يمارس السياسة افضل منه داخل الاصلاح، بل ان هنالك من هم اكثر قدرة منه على التجانس مع القوى الاخرى لفتح قنوات مشتركة، كما ان هؤلاء بمنطلقات وطنية عميقة وذوي نزاهة ايضا، خلافا لأولئك -كنموذج صاحبنا - من الذين يغذون التعصب في الغالب ، بينما تبدو همومهم مجرد سطحية أو انتهازية . وإذا كان يحسب للاخوان المسلمين في اليمن" نواة حزب الاصلاح " الفعل الأبرز في دحض عبادة الأئمة المشينة من رؤوس اليمنيين بعد الثورة الاولى ، إلا ان قيادات بارزة فيه ظلت الى اليوم تحث اليمنيين على الرضوخ للمشائخ والشيوخ مؤدين مهمتهم في ارضاء السعودية ومذهبها على نحو يخل بالسيادة الوطنية، كما عززوا للغاية من سلطة عدم " رفع مستوى الشعب إجتماعيا وسياسياً وثقافياً " . كذلك إذا كان الاصلاح على رأس المصدات الوطنية التي بدأب مشهود ظلت تواجه وعي " الإمامة للبطنين " ..الوعي المغفل الذي ظل يتردد حتى اليوم في رؤوس متعصبيه للاسف ، إلا ان الاصلاح لم يناضل من اجل "ازالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات " كلياً ، فلقد ظل يستميت في البقاء خلف واجهات وزعامات قبلية بطريقة تعكس مباركته في احلال ذهنية "العكفي " لحكم المجتمع وإدارة الدولة بدلاً عن ذهنية "السيد " لا أقل ولا أكثر . وإذا كان الاصلاح ايضا على رأس الاحزاب الهامة التي تجسد الوحدة الوطنية - كالحزب الاشتراكي مثلا اوالتنظيم الناصري ولو ان الاخير هو الاقل في الامكانيات والقدرات- إلا ان انتشار الاصلاحيين الاوسع في عموم البلاد سببه اموال القوة التنظيمية الهائلة التي تبدع في الحشد والتعبئة فقط مرتكزاً على الخطاب الديني في الاساس –لكأنه التوأم غير السيامي لحزب المؤتمر الذي حكم به علي عبد الله صالح- في حين ان المنتظر من الاصلاح الآن هو افراز خطاب سياسي وثقافي ابداعي نوعي يحتاجه الواقع اليمني بشدة ليساهم في تحولات المجتمع نحو الحال الوطني الافضل وباعتباره حزبا سياسيا يحلم بيمن الدولة المدنية مثلنا لاباعتباره مجرد جماعة منبر أو جماعة مرافقين تناضل من اجل قيام "دولة الزنداني أو دولة حميد " . فوق ماسبق نقول : لايمكن-بل انه من المحال- ارجاع حلم الدولة الاستبدادية باسم الله كانت او باسم القبيلة، بغض النظر عن كونها دولة خلافة اسلامية مثلا او حتى دولة امامة حوثية بالمقابل فالأمر سواء بسواء من خلال رفض كل الوطنيين لهما كصيغ مأزومة لاتجدي ابدا . ثم ان القبلية والمذهبية لاتنتجان دولة مواطنة متساوية بقدر ماتنتجان تصفية حسابات يفترض انها اندثرت منذ سنين.. ولقد امتص هذا التفكير "ضرع الثورة الاولى" كما نعرف، اضافة الى قيمة الجمهورية مرورا بفكرة تصحيح تلك الثورة وليس انتهاء بقيمة الوحدة، فيما لايزال ذات التفكير يهدد الثورة الجديدة ايضا . والحاصل ان التفرد هو مشكلتنا العصية في السلطة كيمنيين، بينما ثرنا جميعا عليه، ولا اظن ان ذلك كان تمثيلا، كما ان المسلم به لدى العقلاء ان هذا الرهان صار خاسراً اكثر من اللازم حتى ولو جاء من قوة كالاصلاح لايستهان بها، إذ لايمكن تجاوز الآخرين من القوى السياسية ،كما ان مطالب الشعب اليمني تكمن في رفض التجهيل وتحقيق الكرامة والعدل والحقوق والقانون اضافة الى رفض العبث بالضمير الوطني وتحقيق مزيد من الديمقراطية والتنمية والتحديث والحريات. والخلاصة انه بات على الاصلاح والاصلاحيين الايمان الكلي بالتطورات الحادة الجارية في مزاج المجتمع ..التطورات التي صارت تتوق الى انتشال البلد من ازمته الشاملة وتحتاج من كافة القوى عدم المزايدات بها وانما التلاحم . غير ان هذا لن يتحقق للاصلاح دون ان يستوعب ضرورة التغيير فيه بحيث نشعر نحن كمجتمع بذلك دون تناقض قائم ، بل لعل البوابة الاولى في هذا المسعى الضروري هو الاعتذار الشجاع من الاصلاح للجنوب، إذ سيمثل جوهر هذا الاعتذار المتفوق برأيي واحداً من أهم الانجازات القيمية للثورة الجديدة ، كما سيكون الاصلاح حينها قد حقق مكسباً اخلاقياً ووطنياً عظيماً.