"أينما ذهبت مصر تبعتها المنطقة" هذا قول مأثور كثيرا ما يستشهد به الأكاديميون الذين يدرسون لطلابهم عالم السياسة الغامض في الشرق الأوسط. ويبدو أن تدخل الجيش في القاهرة يوم الأربعاء للإطاحة بالإسلاميين الذين لم يمض طويل وقت على صعودهم إلى السلطة عقب واحدة من الانتفاضات الكثيرة التي عمت أرجاء العالم العربي سيكون له أثر عميق يتجاوز حدود مصر. ويمثل سقوط الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين على أيدي الجيش الذي دفعته إلى التحرك احتجاجات شعبية عارمة تراجعا استراتيجيا للإسلام السياسي في الشرق الأوسط. ومصر ليست أكثر الدول العربية سكانا ومؤشرا يحدد اتجاه المنطقة فحسب بل هي كذلك مهد هذه الحركة الإسلامية الأممية ومنارة لانتفاضات الربيع العربي التي شهدتها المنطقة عام 2011 وأطاحت بنظم حكم دكتاتورية ودفعت بالإسلاميين إلى سدة السلطة. وأي انتكاسة تلحق بالإخوان المسلمين في معقلهم الأساسي تطرح أسئلة بخصوص قدرتهم على الحكم في بلدان أخرى من تونس إلى سوريا. وقد تلقى الإخوان ضربة مقعدة. وخرج المصريون لمعارضة مرسي بعد عام واحد من انتخابهم له بأعداد أكبر حتى من تلك التي خرجت لخلع الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي أسقطه ميدان التحرير عام 2011. وسيظل ذلك بقعة في ثوب الإخوان المسلمين حملة راية التيار الرئيسي للإسلام السياسي السني منذ نشأة جماعتهم في مصر عام 1928. وبعد سقوط مبارك برزت جماعة الإخوان المسلمين التي ظلت على الصعيد الرسمي جماعة سرية محظورة طوال ما يزيد على 80 عاما كأفضل القوى السياسية تنظيما في مصر بل في واقع الأمر القوة الوحيدة المنظمة تنظيما محكما غير القوات المسلحة. ولم يتبق في مصر مجال لحياة سياسية ديمقراطية تقليدية بعد أن قضت 60 عاما تحت حكم يهيمن عليه الجيش بدءا من جمال عبد الناصر الذي ترددت أصداء خطابه القومي العربي في أرجاء المنطقة وساهمت في تشكيل العالم العربي بعد الحقبة الاستعمارية. وقد تمكن الإخوان المسلمون من استغلال هذه الفجوة. أهو انهيار كامل؟ وقد كانت القوة الدافعة وراء الثورات العربية في 2011 هي أساسا الشبان الساخطون من أبناء الطبقة الوسطى. لكن الجماعات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين هي التي كانت في أفضل وضع يتيح كسب مغانم العملية الانتقالية. وفاز الإخوان المسلمون في مصر في عدة انتخابات من بينها انتخابات الرئاسة وأصبح مرسي أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد. لكنهم بدوا مثلهم في ذلك مثل التنظيمات المشابهة كالنهضة في تونس غير قادرين على التخلص من عادات السرية التي اكتسبوها عبر ماضيهم. ويقول منتقدون إنهم سعوا للسيطرة على كل مؤسسات الدولة بشغل مناصبها الأساسية وتحويلها إلى قلاع للإخوان المسلمين بدلا من خدمة البلاد. وأدى الرفض الشعبي لهذا المسلك وتدخل الجيش عقب ذلك لعزل مرسي إلى جعل انهيارهم يبدو تاما وتحذيرا لكل الإسلاميين في شتى أنحاء المنطقة. وقال فواز جرجس أستاذ سياسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد "إنها كارثة. إنها ضربة شديدة للحركة الإسلامية برمتها." وأضاف "أداء مرسي والإخوان المسلمين البائس يقوض صورة الإسلاميين ومركزهم وخطابهم في شتى أنحاء المنطقة في مصر وفي الأردن بل وحتى في تركيا. ويطرح أسئلة بخصوص كفاءتهم وقدرتهم على إدارة الأمور." ويقر الجميع بأن مصر واجهت بعد مبارك مشاكل صعبة من الانهيار الاقتصادي مع فرار الرأسماليين من المرتبطين بالحكم إلى فراغ أمني مع انسحاب قوات الشرطة. لكن لم يتصور أحد تقريبا أن حركة جيدة التنظيم مثل الإخوان المسلمين ستكشف عن هذا القدر من عدم الكفاءة في الحكم. وقال جرجس "كل شيء في مصر صار أسوأ نتيجة لسياسات مرسي. أساليبه الاستبدادية وسوء إدارته الاقتصادية... إنهم يفتقرون بوضوح إلى أفكار. الوضع في جوهره هو وضع إمبراطور بلا ثياب. لقد انكشفت الحركة الإسلامية عارية. وسيكون لهذا عواقب ضخمة على حركات في المنطقة."
هل تكون تونس التالية؟ لم تكن الحشود الضخمة في ميدان التحرير مهد الثورة هي وحدها التي عمتها الفرحة الطاغية عندما أبلغ القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح السيسي الأمة يوم الأربعاء أن مرسي لم يعد رئيسا. ففي تونس التي بدأ فيها الربيع العربي بالإطاحة بزين العابدين بن علي هتفت الحشود التي تجمعت أمام السفارة المصرية للاحتفال بعزل مرسي "اليوم مصر وغدا تونس" و"يسقط حكم الإخوان المسلمين يسقط حكم النهضة" و"ثورة ثورة حتى النصر". وعلى فيسبوك عبر ألوف التونسيين عن فرحتهم الغامرة. وكانت الرسالة الموجهة إلى زعيم النهضة راشد الغنوشي: "مرسي رحل فمتى ترحل يا غنوشي؟" وقال المحلل سفيان بن فرحات "هذا هو سقوط الإسلام السياسي في بلدان الربيع العربي بعد فشل له وقع الكارثة." وقد كان نذير الكارثة التي ستحل بمرسي المحتجز الآن في وزارة الدفاع واضحا عندما تظاهر الملايين يوم الأحد الذكرى السنوية الأولى لانتخابه مطالبين باستقالته ومتهمين الإخوان المسلمين بسرقة الثورة. ومنح هذا الفريق السيسي المبرر للاستشهاد "بإرادة الشعب" ومطالبة مرسي باقتسام السلطة مع معارضيه أو التنحي. وكان ما كشف عنه الفريق السيسي هو خطة لإزالة كومة من الإصلاحات المشوشة التي طبقت منذ سقوط مبارك. وعلق العمل بالدستور مؤقتا وأدى رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور اليمين رئيسا مؤقتا. وستشكل حكومة مؤقتة وسيراجع الدستور لتعديله. وستجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية.
ليست للمسلمين ويأمل كثير من المعارضين في أن يحققوا نجاحا انتخابيا أكبر مما حققوه العام الماضي. وقد تكون قدرة الإخوان المسلمين على العودة إلى الصدارة بطريقة ديمقراطية محدودة الآن نتيجة القبض على بعض قياداتهم المتهمين بالتحريض على العنف. وقد توجه تهم إلى مرسي كذلك إذ اتهمه معارضوه هذا الأسبوع بالدعوة "للحرب الأهلية" بتحدي إنذار السيسي. وقد تؤثر الأحداث على الطريقة التي ينظر بها الإسلاميون إلى الديمقراطية التي تمثل بالفعل بالنسبة إلى بعضهم منتجا مشبوها مستوردا من الغرب يهدف إلى منعهم من تولي السلطة. وكما كتب عصام الحداد مستشار مرسي للشؤون الخارجية مع تدخل الجيش أن هذه "رسالة ستتردد أصداؤها عالية واضحة في شتى أنحاء العالم الإسلامي: الديمقراطية ليست للمسلمين". وقالت جين كينينمونت وهي خبيرة في شؤون الخليج في مؤسسة تشاتام هاوس البريطانية إن الإخوان المسلمين احتكروا السلطة ولم يستمعوا إلى معارضيهم. وأضافت "لكن عملية الانقلاب العسكري تبعث على أشد القلق... فالإطاحة بهم بالقوة لن تجعلهم يتخلون عن رغبتهم في السلطة وإنما تطرح أسئلة مهمة بخصوص الاستراتيجية التي سيتبعونها في المستقبل وإذا وصلوا إلى الاعتقاد بأن الانتخابات السلمية ليست خيارا يعول عليه فقد يكون ذلك أمرا بالغ الخطورة." ويتفق المحللون على أن الإطاحة بمرسي المنتخب في انتخابات حرة ستكون لها عواقب أوسع نطاقا وتمثل معضلة بالنسبة إلى الحكومات الغربية التي تؤيد الديمقراطية. وقال فواز جرجس "إنه انقلاب واضح المعالم. وهو يقوض أسس العملية الديمقراطية. إنه خطوة محفوفة بالخطر وعدم اليقين. وهو يبين أن المعارضة لم تكن قادرة على إجبار مرسي على الرحيل دون تدخل الجيش. إنه يعمق الانقسام في المجتمع المصري." وفي أسوأ السناريوهات قد يقرر الإخوان المسلمون المقاومة. وقد يؤدي هذا إلى مواجهة دموية مع الجيش مماثلة للحرب الأهلية التي شهدتها الجزائر في التسعينات بعد أن تدخل الجيش لحرمان الإسلاميين من نصر انتخابي. وقد تتمكن جماعة الإخوان المسلمين المحكمة التنظيم من التعبئة من جديد والفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة وهو ما يعيد الجيش والبلاد إلى حالة من عدم اليقين. وقالت كينينمونت إن أنصار الإخوان المسلمين لن ينقلبوا على الجماعة استنادا على تجربة عام واحد في السلطة. وأضافت "والآن وبعد انقلاب عسكري من المتوقع أن يكونوا أقل استعدادا للإنصات إلى الانتقاد الداخلي ومن المرجح لقاعدة تأييدهم ان تزداد التفافا حولهم. ولديهم الأعداد التي تمكنهم من تنظيم احتجاجات ضخمة والتأثير على الاقتصاد حتى إذا كانوا لا يمثلون أغلبية المجتمع." (شارك في التغطية يارة بيومي وسامي عابودي ومحمود حبوش في دبي وطارق عمارة في تونس وسليمان الخالدي في عمان - اعداد عمر خليل للنشرة العربية - تحرير عماد عمر)