لا يفزعني من الموت شيء أكثر من فكرة أن يموت المرء دون أن يتمكن خلال حياته من بناء بيت لأطفاله. إنها فكرة مفزعة ولئيمة وتسبِّب السخطَ من كلِّ شيء في الحياة. البلد مليئة بمساحات شاسعة من الأرض، لكنها تفتقر إلى سلطة لديها الإحساس بمخاوف الناس وبحاجتهم إلى الأمان لكي يساهموا- جدياً- في بناء بلد يستحق الاحترام. في أحيان كثيرة أشعر أن غالبية الذين تعاقبوا على حكم هذا البلد لم يتربُّوا في بيوت محترمة، ما جعلهم لا يحترمون مخاوف الناس ولا يعلون من شأن حاجة المواطنين لأن يعيشوا حياة محترمة. في أحيان كثيرة أيضاً، أشعر أن غالبية رأسمال هذا البلد، ليسوا أكثر من لصوص وضيعين وجدوا في هذه البلاد السائبة فرصاً وفيرة للكسب الوضيع ما جعل منهم قطاعاً يتعامل بتهذُّب جمٍّ مع اللصوص الكبار، لكنهم حيال حاجات المثابرين من الناس يتعاملون بانحطاط، ذلك لأن "النزاهة" ترهقهم، ولأن رغبة الناس في الحصول على حياة إنسانية محترمة تذكرهم بكل تلك الإهانات التي تربوا وعاشوا وكبروا عليها، وصعدوا إلى المجد بوجوه من ربل. في أحيان كثيرة جداً، أشعر أن غالبية رجال الدين، أناس لا يعرفون الله قدر معرفتهم المُتقنة ل "طلبة الله". وهو الأمر الذي يجعل منهم أداة جيدة لتمرير جرائم اللصوص وتسويقهم على أنهم قادة، تاركين صميم احتياجات الناس عند باب المسجد، فيما المنابر مشغولة بصراعات سخيفة، لا نبل فيها ولا ضمير. في أحيان كثيرة جداً جداً، أقتنع بأن صلاح حال البلد والناس لا يمكن له أن يتم إلا بوجود "عيال ناس" وأبناء بلد، إذ أن غالبية الذين يسيرون حياة اليمنيين الآن ليسوا أكثر من عيال شوارع. عيال الشوارع، لا يعنيهم أن يكون للناس بيوت يسكنون فيها، ولا يعنيهم أن يشاهدوا بلادهم كسيرة وضعيفة وأوهن من بيوت العنكبوت. عيال الشوارع وأبناء البيوت غير المحترمة أصلاً، يفتقرون دائماً إلى الإحساس بالنبل وبالحياة، ومن الصعوبة بمكان المراهنة عليهم- مثلاً- ببناء مدن سكنية مُيسرة للناس، ناهيك عن الركون إليهم ببناء بلد العيش فيه يسير. يتعيَّن على كلِّ واحد يشعر باقتراب الموت منه دون أن يكون قد ترك لأطفاله بيتاً للحياة، أن يخاف أكثر من أن يكون قد ترك أطفاله من غير تعليم جيد. الموت أمر جيد يا ولدي.. لا تبتئس، وعليك أن تعلم جيداً. وفي لحظات القهر، اضحك يا ولدي ثم لُمَّ شفتيك بأقصى ما لديك من سخط وابصق في وجوه أبناء الشوارع وأبناء البيوت غير المحترمة وأنت تردد بارتياح جم: تفوووو عليكم أوادم.