ملف الأسرى في السجون الاسرائيلية الملف الشائك الأكثر جدلاً، الملف الذي غبّره اهمال سلطات دول وأطماع عدو ينهش بلحم شعوب ولدت من رحم آلامها مقاومة لولاها ما تحطم القيد. تاريخ الأسرى العرب في سجون الاحتلال الاسرائيلي تاريخ قديم العهد ، وفي أجندة دول العالم هو مجرد تاريخ طويت صفحاته بالنسبة لمصالحهم، هو تاريخ بنقاط تشتد سواداً مع مرور كل دقيقة يقضيها سجين عربي في سجون احتلال يمارس بحقهم أفظع أنواع المعاملات والاساءة . ولعلّ من أسوأ ما يعانيه الأسرى هو تخاذل الأنظمة تجاه ملفّهم وتقصير الاعلام تجاههم وتجاه معاناتهم والتوعية الجماهرية بضرورة تحريرهم والضغط على المجتمع الدولي تجاههم. وكما يبدو جلياً أن الملف يغيب عن كل طاولة مفاوضات يجريها العرب مع كيان الاحتلال الاسرائيلي الا اذا ما كان في "الصفقة" طرفاً حزبياً أو سياسياً يقبع كوادره في المعتقلات . على مر السنين الماضية تبادل الطرفان الاسرائيلي والعربي لاسيما اللبناني والفلسطيني عدد من الأسرى الذين أفرج عنهم ضمن صفقات مختلفة، وفي هذا التقرير اضاءة على تلك الصفقات التي نجحت بعضها في تحرير المناضلين والمقاومين فيما ينتظر البعض الآخر اقتراحاً يمهد طريقهم نحو الحرية. بالأغلب تطلق كلمة أسير على "أسير الحرب" الذي يعتقل في ساحة المعركة ويعتبر احدى غنائم الحرب وهذه التسمية هي مصطلح موجود في نص القانون الدولي الإنساني بالإضافة الى شرائع أخلاقية أخرى، تشير في مضمونها إلى مكانة المقاتل في جيش أو منظمة، والذي يقع في أيدي عدوه ك"أسير حرب"". وقد تضمنت نصوص القانون الدولي الإنسان حقوق ومكانة "أسير الحرب" التي يجب أن يتمتع بها الأسير منها عدم محاكمته وعدم تعرضه للتعذيب ، إضافة الى تلقيه علاج طبي كامل لاسيما عند اصابته خلال المعارك مع الاستعانة بمنظمة الصليب الأحمر الدولية وذلك لمراقبة حالته الصحية والاتصال بأقربائه بالإضافة الى حقوق أخرى تتعلق بحقوق الانسان . ميثاق جنيف الثالث الذي وضع عام 1949 أرسى أيضاً مفهوم "أسير الحرب" بتعريفه ك"مقاتل شرعي وقع في أيدي عدوه وهو عاجز عن القتال أو مستسلماً". لكن مفهوم مصطلح الأسير تغير مع الوقت ليشمل العزّل والمدنيين والاعتقالات لم تعد تقتصر على أرض المعركة خلال الحروب، فيات "الأسرى" يعتقلون بعد اقتحام بيوتهم ومحالهم أثناء تأدية عمل أو خلال جلسات عائلية وغيرها . وهذا ما يظهر جلياً في مدن مختلفة في الضفة الغربية وغزة وغيرها من المدن الفلسطينية حيث تعتقل بشكل يومي شباناً عزّل ودون سن العشرين فتقتادهم قوات الاحتلال الى سجون ينسون فيها طيلة أعوام تتخطى الثلاثين أحياناً الا اذا ما كانت أسمائهم ضمن لوائح صفقات التبادل .. فما هي صفقات التبادل العربية الاسرائيلية عبر التاريخ؟ بدأت صفقات تبادل الأسرى بين العدو الاسرائيلي و العرب في العام 1948 بعد الحرب، و قد شملت صفقة التبادل البلدان التالية: لبنان وسوريا والأردن ومصر ، وقد كانت كل بلد تعتقل منفردة عدد من الأسرى "الاسرائيليين" مقابل اعداد أسرى عرب تعتقلهم "اسرائيل" ففيما كان كيان الاحتلال يعتقل عام 1948 حوالي 1098 أسيراً مصريا، و28 أسيراً سعوديا، و25 سودانياُ، بالاضافة الى 24 أسيراً يمنيا، و17 أردنيا، و36 أسيراً لبنانيا، كما اعتقل 57 أسيراً سوريا و نحو5021أسيراً فلسطينياً، خلال الحرب كان كل من البلدان المذكورة يعتقل :مصر 156 جنديا إسرائيلياً، أما الأردن ف 673 جنديا، سوريا فقد احتجزت 48 جنديا، أما لبنان ف8 جنود. وقد امتدت الفترة الواقعة ما بين عام 1948 والعام 1968 من الحروب بين الطرفين العربي والاسرائيلي حيث قام الطرفان بأسر العديد من الجنود والمقاتلين تمت خلالها عمليات تبادل أسرى وصفقات عدة تقدر بحوالي 30 صفقة أو عملية تبادل ويذكر أن هذه الفترة شهدت بالإضافة الى حرب 1948 الحروب التالية : حرب 1956 و ما تلاها من حروب عامي 1961 و1963 حرب 1967 وهي حرب حزيران التي شنتها القوات العربية ضد الجيش الاسرائيلي حرب الاستنزاف وقد امتدت ما بين العامين 1968 و1969. هذه الحروب تضمنت أسراً وأسراً مضاداً من كلا الطرفين تبادلا على اثرها عدد من الأسرى ضمن صفقات تبادل عدة. وقد تفرعت من صلب الصفقات العربية الموسعة صفقات أكثر ضيقاً وحصرية بين، على سبيل الحصر، الجانب الاسرائيلي من جهة والجانب اللبناني من جهة أخرى، كما من جانب الاسرائيلي من جهة ومن جانب الاسرائيلي من جهة أخرى. على صعيد الصفقات اللبنانية-الاسرائيلية: أول عملية تبادل أسرى جرت في العام 1991 بين حزب الله "المقاومة الاسلامية في لبنان" وكيان الاحتلال الاسرائيلي عبر وساطة دولية .هذه الصفقة تمت حينها على مراحل ثلاثة شملت معتقلاً بالإضافة الى تسليم جثث تسعة مقاتلين لبنانيين وذلك مقابل تقديم معلومات عن مصير جنديين "إسرائيليين" أسرا خلال عملية في بلدة كونين الجنوبية في العام 1986. وفي تاريخ 21/7/1996 كانت ثاني عمليات تبادل الأسرى بين حزب الله وكيان العدو والتي شملت في حينها إطلاق 45 معتقلاً من معتقل الخيام، الكائن جنوب لبنان، ومن بينهم 3 فتيات كما تم خلال العملية تسليم 123 جثة وذلك مقابل تسليم حزب الله لجثتي الجنديين الإسرائيليين اللذين كانا قد أسرا خلال "عملية كونين" في جنوب لبنان عام .1986 وقد أنجزت العملية عبر معبر "كفرتبنيت " الجنوبي تحت إشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر. أما العملية الثالثة فقد تمت عام 1998 وقد أفرجت " إسرائيل " خلالها عن 60 معتقلا بالإضافة الى 40 جثة، فيما قام حزب الله بتسليم أشلاء جنود إسرائيليين كانوا قد قتلوا في كمين لوحدة "الكوماندوس الإسرائيلي" في بلدة إنصارية الجنوبية بتاريخ 5/9/1997. وكانت كبرى عمليات التبادل بين حزب الله و الجانب "الاسرائيلي" غداة انتصار حزب الله في العام 2000 الذي ادى الى انسحاب الجيش الاسرائيلي من الجنوب وتحريره، في العام 2004 يوم 29 كانون الثاني-يناير وقد أفرجت "اسرائيل" وقتها عن ما يقارب ال500 أسير فلسطيني بالإضافة الى 28 معتقلا لبنانيا -من ضمنهم المناضل الشيوعي "أنور ياسين" -وعربياً وذلك مقابل افراج حزب الله عن جثث ثلاثة جنود "اسرائيليين" كانوا قد اختطفوا من قبل الحزب خلال عملية عسكرية في بلدة مزارع شبعا المحتلةجنوب لبنان. وما بين العملية الرابعة والعملية الخامسة جرت عمليات تفاوض غير مباشرة وتبادلات فرعية وصولاً الى "عملية الرضوان" عام 2008 العملية التي أطلق الاحتلال الاسرائيلي فيها 5 أسرى في مقدمتهم عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار بالاضافة الى تسليم العدو الى حزب الله 12 من جثامين الشهداء من بينهم 8 جثامين لمقاومين استشهدوا خلال عدوان تموز عام2006 ، كما كان من بين الجثامين "مجموعة الشهيدة دلال المغربي"، وقد سلم حزب الله بالمقابل جثتي جنديين إسرائيليين كان قد أسرهما في تموز من العام 2006 قبيل اندلاع الحرب أو ما اعتبره البعض سبباً رئيسياً لاندلاعها. وعلى صعيد صفقات تبادل الأسرى بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي : نصت اتفاقية أوسلو للسلام التي وقّعت عام 1993 فيما نصّت، والتي وقعت من قبل منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات من جهة وبين الجانب الاسرائيلي من جهة أخرى ، على تحرير أو الافراج عن 104 أسير فلسطيني قابع في سجون الاحتلال، الا أن الجانب الاسرائيلي لم يلتزم ولم ينفذ ما جاء فيها الا بعد 20 عاماً وبشكل غير كامل حيث أفرج مؤخراً عن 26 أسيراً فلسطينياً فيما يزال 78 أسيراً معتقلاً وسط الحديث عن مفاوضات للإفراج عن حوالي 500 أسير كإبراز نية حسنة من قبل الاسرائيليين تجاه المفاوضات الجارية حالياً. أما الصفقة الثانية فكانت "صفقة شاليط" وقد تمت بين حركة حماس وكيان الاحتلال الاسرائيلي وقد سميت أيضاً ب"صفقة وفاء الأحرار " كما تدعوها حماس فيما تدعوها " إسرائيل" ب" إغلاق الزمن". وقد تم التوصل الى هذه الصفقة التي اعتبرت الأضخم في تاريخ صفقات تبادل الأسرى بين العرب و"اسرائيل" عام 2001 شملت الصفقة الافراج عن 1027 أسيراً فلسطينياً من ضمنهم "أسيرات" وقيادات مقابل افراج حركة حماس عن الأسير "الإسرائيلي" الجندي في جيش الاحتلال جلعاد شاليط. وتجدر الاشارة الى أن المعتقلين في السجون الاسرائيلية يلاقون أفظع وأسوأ معاملة ما يؤدي الى تدهور حالة الأسرى الذين نفذوا اضرابات من شأنها الضغط على سلطات الاحتلال للافراج عنهم أو لتحسين وضعهم الانساني، من دون أن يلقى ذلك صدىً. وبحسب ما أصدر مركز الإعلام والمعلومات الوطني الفلسطيني استناداً الى إحصائية رسمية أن عدد الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الاسرائيلية قد بلغ حوالي 8000 أسيراً، مقارنة ب 1500 أسير فقط عام 2000، ومن بين هؤلاء الأسرى 240 طفلا و73 امرأة وفتاة، وبحسب الاحصائية فإنهم كلهم موزعون على 22 سجناً ومعتقلاً إسرائيلياً داخل وخارج ما يعرف ب"الخط الأخضر" وقد سجلت جمعيات حقوق الإنسان استشهاد 103 أسرى جراء التعذيب. ويذكر أن عدد المعتقلات والسجون الاسرائيلية في لبنان وفلسطين المحتلة يبلغ عددها 14 معتقلاً مارست فيهم "اسرائيل" كل أنواع التعذيب المفرط هذا بالإضافة الى الاهمال وانتشار الأمراض . ومع بقاء ملف الأسرى قيد المماطلة وفيما تواصل سلطات الاحتلال اعتقالاتها اليومية المتكررة للفلسطينيين على مرأى ومسمع العالم من دون تحريك ساكناً لانتشال المعتقلين من مستنقع الجور والظلم الذي يحل عليهم من قبل قياداتهم بإهمالها قبل جور العدو الذي لا يرحم تستأنف السلطة الفلسطينية مفاوضاتها مع كيان جشع لم يشبع من دماء مدنيين جلّ جرمهم أنهم اختاروا العيش بكرامة لا تحت وطأة الاحتلال الذي ينهش من أرضه ولحمه. ومع ازدياد معاناة الأسرى المنسيين في سجون الظلم اليومية يخصص العالم يوماً سنوياً سمّي "يوم الاسير الفلسطيني " ويصادف سنوياً بتاريخ السابع عشر من شهر 17 نيسان . وبحسب المعلومات الصحفية ان تاريخ هذا اليوم يعود الى العام 1974 حين جرت أول عملية لتبادل الأسرى الفلسطينيين مع الاحتلال الإسرائيلي وقد أطلق خلالها سراح "الأسير محمود بكر حجازي" لذا اعتبرت هذه المناسبة "يوماً للأسير الفلسطيني" وذلك " تأكيداً على حتمية انتصاره على سجانه".