فتحت قضية التجسس على المحادثات الهاتفية للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أبوابا واسعة للجدل حول التخبط الذي تشهده السياسة الخارجية الأميركية، تحت إدارة الرئيس باراك أوباما، تجاه حلفائها التقليديين، لكنها بالمقابل تبحث عن إرضاء "الأعداء" وخاصة روسيا. ورغم أن هذا التخبط طال أيضا السعودية، الحليف القوي لواشنطن، إلا أن الخلاف مع ألمانيا وفرنسا من السهل التوصل إلى تسوية في شأنه، مقارنة بخلافها مع الرياض. ويقول مراقبون إن التوتر الذي تشهده العلاقات الأميركية-السعودية يدخل في نطاق البنية الهيكلية للمصالح المشتركة في المنطقة، ويهدد بانهيار للعلاقات التاريخية بين البلدين، رغم أن السعوديين لم يتخذوا أية قرارات مصيرية بعد. ويضيف المراقبون أن ما يمكن استنتاجه هو أن واشنطن ستواجه صعوبة بالغة في استعادة هؤلاء الحلفاء من جديد إلى معسكرها، خاصة في الوقت الذي تحتاج فيه إلى دعمهم في تمرير قرارات تتعلق بالأوضاع الشائكة في كل من إيران وسوريا وفلسطين، داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويذهب المراقبون إلى أن ابتعاد السعودية عن الولاياتالمتحدة سيكون له تأثير كبير على دول أخرى، في المنطقة وخارجها، لاتخاذ نفس الخطوة، وبناء سياساتها على رؤى مستقلة، أو الاقتراب من قوى دولية أخرى، لا تتفق مصالحها مع السياسات الأميركية. ويلفتون إلى صعود الصين كلاعب سياسي قوي على مسرح الأحداث، بعد أن نجحت في السيطرة على حصص ضخمة من الاقتصاد العالمي، وأصبحت أهم منافس تجاري لواشنطن، وبدأت تتبع سياسات خارجية تطرح نفسها من خلالها كبديل عن الأميركيين. غير أن التربة تتمتع بالخصوبة الكافية لبناء علاقات موسعة بين الرياض وبكين منذ وقت طويل. فالسعودية تمثل أكبر شريك تجاري للصين في المنطقة، وبدأت علاقاتهما الاقتصادية تتبلور بعدما نجحت المنتجات الصينية في إزاحة نظيرتها الأميركية تدريجيا، حتى تمكنت من السيطرة بشكل كامل (تقريبا) على الأسواق السعودية. وبالنظر إلى أن العمود الفقري للسياسة الخارجية الصينية يتمحور حول نظرية "الاقتراب من مصادر الطاقة" ، فإن هذا يعني أن الخلاف بين واشنطنوالرياض قد يشكل فرصة كبيرة أمام الصينيين لإعادة تشكيل ملامح الإستراتيجية الإقليمية، التي رسمت الولاياتالمتحدة خطوطها في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، في الشرق الأوسط. ويرى مراقبون أنه يجب وضع عاملين رئيسيين في الاعتبار عند تقييم دور السعودية المحتمل في إفساح المجال أمام الصينيين لدخول المنطقة، هما السيطرة شبه التامة لبكين على مراكز القوى في قارة آسيا الصفراء، والتوتر الذي تشهده علاقة واشنطن بالقاهرة. وأشار محللون إلى أن النمو المطرد للصين في مجال الصناعات العسكرية، بالتوازي مع تطلعاتها السياسية والاقتصادية من الممكن أن يؤدي إلى ربط الرياض عسكريا ببكين، ما يمثل خطرا على التواجد الأميركي في المنطقة. ويرى البعض أنه سيكون على الولاياتالمتحدة أن تدخل مرحلة انتقالية تتمكن خلالها من إعادة لملمة أوراقها من جديد.