تحولت مصر إلى ساحة منافسة بين الدولتين الأقوى فى العالم، الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا، حيث تبذل الدولتان جهودهما لكسب ود مصر خلال الفترة الحالية. وفصلت ساعات معدودة بين وصول مدير المخابرات الحربية الروسية "فيسكلاف كوندراسكو" للقاهرة، فى زيارة وصفت بأنها تهدف للتحضير لزيارة يقوم بها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وبين إعلان جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى اعتزامه زيارة القاهرة خلال الأسابيع المقبلة، لتكون هى المرة الأولى منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسى. هذا التقارب الزمنى بين الإعلان الأمريكى والزيارة الروسية، يكشف، بحسب خبراء، عن أن مصر أصبحت مجالا للمنافسة بين الدولتين، على غرار الأزمة السورية، التى استطاعت روسيا حتى الآن فرض وجهة نظرها تجاه الأحداث الجارية هناك، وإجبار الولاياتالمتحدة على التراجع عن توجيه ضربة عسكرية لنظام بشار الأسد، على خلفية استخدامه السلاح الكيماوى. وأشعل الرئيس الروسى "فلادمير بوتين" هذه المنافسة الروسية الأمريكية بعد أن استغل القرار الذى اتخذته الولاياتالمتحدة بإلغاء مناورات النجم الساطع مع الجيش المصرى، اعتراضا على طريقة فض اعتصام مؤيدى الرئيس المعزول محمد مرسى بميدانى رابعة العدوية والنهضة فى أغسطس الماضى، وأعلن عن استعداد بلاده التحضير لمناورة مشتركة مع الجيش المصرى، ردا على إلغاء الولاياتالمتحدةالأمريكية مناورات "النجم الساطع". ومؤخرا، قالت شبكة "RT" الروسية فى السياق ذاته، أن روسيا ستزود مصر بنهاية العام الجارى بقمر صناعى عسكرى روسى لرصد تحركات واتصالات المسلحين فى سيناء، كما أعلن الرئيس الروسى فلادمير بوتين استعداد روسيا التام تزويد مصر 55 طائرة حربية حديثة من طراز الميج فى حال موافقة مصر، وذلك ردا على قرار الإدارة الأمريكية استمرار تعليق جانب من المساعدات العسكرية لمصر. وعلى غرار هذه التصريحات السياسية، بدأ رأس المال يلوح – أيضا – بإمكانية الاتجاه نحو روسيا، وعكست تصريحات لرجل الأعمال محمد أبو العينين رئيس المجلس المصرى الأوروبى اليوم الأربعاء هذا التوجه. وقال خلال اجتماع عقده المجلس مع سيرجى كيربيتشينكو سفير روسيا بمصر، إن هناك رغبة من الطرفين لزيادة الاستثمارات الروسية بين مصر وروسيا، خاصة السياحة، فى أعقاب ثورة 30 يونيو، وفى ضوء التغيرات التى تشهدها المنطقة. قطاع المصريين المؤيد للسلطة الحاكمة حاليا من جانبه تفاعل مع هذه التوجهات الروسية، والتى قد تترجم إلى واقع عملى خلال زيارة بوتين المحتملة للقاهرة، وعلقت فى أكثر من مدينة مصرية صور بوتين إلى جانب الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع والإنتاج الحربى مصحوبة بعبارة "باى باى أمريكا"، وذلك فى إشارة واضحة إلى الدور الروسى الإيجابى فى الأزمة المصرية من وجهة نظرهم. وردا على هذا التقارب الروسى من مصر، والذى جاء استغلالا لقرار أمريكا استمرار تعليق جانب من المساعدات العسكرية، جاءت جلسة استماع عقدها الكونجرس الأمريكى بالأمس مدركة لهذا التوجه الروسى. وطالب الكونجرس الأمريكى خلال جلسة الاستماع إدارة أوباما بإعادة النظر فى قطع المعونات العسكرية عن مصر، وشدد أعضاء الكونجرس على أن مصر يجب أن تظل حليفا إستراتيجيا مهما للولايات المتحدة، مشيرين إلى أن قطع المساعدات العسكرية لم يكن قرارا جيدا ويجب الحفاظ على المميزات التى نحصل عليها فى مصر منها أمن إسرائيل وكذلك المرور فى قناة السويس. ووجه جين وركر رئيس اللجنة الفرعية بالكونجرس الأمريكى الشكر للفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع لدوره بالإطاحة بما أسماه "الإسلام الراديكالى" وتغيير المنطقة بعد رحيل الإخوان. وبالتزامن مع تلك التصريحات "المرضية جدا" بالنسبة للسلطات المصرية، جاء الإعلان عن زيارة كيرى، والتى سيحاول فيها استشراف إمكانية القيام بدور الوسيط بين الإخوان والسلطة لحل الأزمة فى مصر، بحسب دبلوماسيين فى القاهرة طلبوا عدم نشر أسمائهم أو الكشف عن جنسياتهم.
وقال هؤلاء الدبلوماسيون أن نجاح أمريكا فى الوصول لصيغة توافقية بين الطرفين، قد يساهم فى الحفاظ على نفوذها القوى فى المنطقة، وذلك بعد تعثر الجهود الأوروبية التى قامت بها كاثرين آشتون الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبى، وكذلك تعثر الوساطة المحلية التى كان ينتوى القيام بها المستشار محمود مكى نائب رئيس الجمهورية السابق. ويفسر أحمد صوان، عضو اللجنة الاستشارية للحزب الجمهورى بالكونجرس الأمريكى فى تصريحات صحفية أمس الثلاثاء، هذا التحول فى المواقف الأمريكية، بأن الجانب الأمريكى يقلق من أن تقوم مصر بعلاقات مع الروس، لأن ذلك سيؤثر فى موازين القوى بالعالم والشرق الأوسط، مشيراً إلى أن الولاياتالمتحدة لا تريد أن تحدث تلك العلاقات، لأنها لا يمكنها الاستغناء عن العلاقة مع مصر. وإذا كانت الولاياتالمتحدة لا يمكنها الاستغناء عن العلاقة مع مصر، كما ذهب صوان، فإن مصر – أيضا – حريصة على هذه العلاقة. وقال عبد السلام نوير أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط إن المعونات التى أعلنت الولاياتالمتحدة تجميدها ليست ضاغطة على السلطة الحالية فى مصر. وأوضح أن مصر لا تزال تستخدم معونات العام الماضى، وعندما يأتى الموعد الذى من المفترض فيه استلام المعونات مجددا، ستكون السلطة الحالية قد خطت خطوة فى خارطة الطريق تجد بها الولاياتالمتحدة مبررا لإلغاء القرار وإعادة إرسال المعونات. ووصف نوير ما يحدث من رغبة روسية فى التقرب من مصر بأنه يهدف إلى العودة لنفوذها فى منطقة الشرق الأوسط من خلال مصر بعد أن خسرته فى السبعينيات بعد حرب أكتوبر 1973، أو أن تظل ضاغطة بتقربها من مصر على الولاياتالمتحدة، وساعتها ستكون ورقة تستخدمها روسيا فى وجه أمريكا فى القضايا الخلافية بينهما عندما تتذرع أمريكا بحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان". وبدت القاهرة من جانبها حريصة على إذكاء هذه المنافسة الروسية الأمريكية للحصول على أكبر قدر من المكاسب، فاتخذت القاهرة موقفا أكثر ميلا للتوجه الروسى من الأزمة السورية، وأعلن وزير الخارجية نبيل فهمى فى تصريحات صحفية على هامش زيارته للولايات المتحدةالأمريكية، لإلقاء كلمة مصر أمام الجمعية العام للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى، عن تأييد مصر للجهود التى بذلتها روسيا للحيلولة دون توجيه ضربة أمريكية لسوريا. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية المصرى نبيل فهمى ذهب خلال كلمة له الاثنين الماضى، بالغرفة التجارية الأمريكية، أن التقارب المصرى الروسى ليس موجها ضد أمريكا بل هو تقوية وتدعيما للدور المصرى على الساحة العالمية، إلا أنه قال أيضا فى نفس الكلمة إن العلاقات المصرية الأمريكية اختلفت عما كانت عليه قبل 30 يونيو، حيث تحولت لأول مرة منذ 30 عاما إلى الندية، مؤكدا أن القرار المصرى الآن أصبح مستقلا عن أى دولة.