تعهدت الولاياتالمتحدة بعدم استخدام الأسلحة النووية مطلقا ضد الدول الملتزمة بمعاهدات حظر الانتشار النووي، في إطار مراجعة طال انتظارها للاستراتيجية الخاصة بالأسلحة النووية التي كشفت عنها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الثلاثاء . غير أن التعهد الجديد، وهو الأول من نوعه للولايات المتحدة، ترك الباب مفتوحا أمام شن هجوم نووي على الدول الموقعة على المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي، لكنها متهمة بخرق شروط تلك المعاهدة. وقال أوباما، صراحة خلال مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، إن هذه الثغرة ستطبق على الخارجين، مثل إيران وكوريا الشمالية، الذين ترى الولاياتالمتحدة أنهم يعملون على تطوير أسلحة نووية. ومن جانبه، ذكر وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس أن الرسالة التي تبعث بها تلك المراجعة واضحة، آلا وهي إنه في حال لم تتبع إحدى الدول القواعد الموضوعة، وإذا كانت هذه الدولة من المساهمين في الانتشار النووي، فإن كافة الخيارات ستكون مطروحة حينئذ فيما يتعلق بكيفية التعامل معها. وجاء الكشف عن (مراجعة الوضع النووي) عشية توجه أوباما إلى العاصمة التشيكية براغ، لتوقيع معاهدة جديدة مع روسيا للحد من الأسلحة النووية. وتدعو معاهدة (ستارت) الجديدة، للحد من الأسلحة الاستراتيجية، الجانبين بالفعل إلى تقليص الرؤوس الحربية النووية لديهما إلى 1550، أو ما يقل بمقدار الثلث تقريبا عن المستويات الحالية. ويستعد أوباما أيضا إلى استضافة أكثر من 40 من قادة العالم الأسبوع المقبل في واشنطن في قمة تستمر يومين حول حماية المواد النووية المستخدمة في تصنيع الأسلحة وبعض المجالات الأخرى. ومن المقرر أن تعقد قمة أخرى تابعة للأمم المتحدة في أيار/ مايو المقبل لمراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي. وأوضحت المراجعة الاستراتيجية أن الغرض من الأسلحة النووية الأمريكية المتبقية يكمن أساسا في استخدامها بهدف الردع، وتؤكد بشكل أقوى على التهديد الذي تشكله الأسلحة النووية في أيدي (الإرهابيين). وكشفت المراجعة النووية عن خفض هائل في حجم الترسانة النووية الأمريكية، والتخلي عن تطوير أي أسلحة نووية جديدة. ورغم ذلك، لا يزال يتسنى تحديث الأسلحة الموجودة حاليا، بينما يتم استثمار مليارات الدولارات في الحفاظ على البنية التحتية النووية العتيقة في البلاد وتعزيزها. كما تحتفظ الولاياتالمتحدة بحق المبادرة بشن هجوم نووي، وهو مبدأ مثير للجدل دعا بعض المؤيدين لنزع السلاح، الرئيس الأمريكي إلى التخلي عنه. وقال أوباما في بيان إن المراجعة أقرت بأن التهديد الأكبر على الولاياتالمتحدة والأمن العالمي لم يعد يتمثل في التبادل النووي بين الدول، بل في الإرهاب النووي الذي يمارسه متطرفون يتسمون بالعنف، وكذلك الانتشار النووي في عدد متزايد من الدول. ويدرس البيت الأبيض مليا ما إذا كان سيبدأ في سحب الرؤوس الحربية النووية التكتيكية المنتشرة في دول أوروبية، الأمر الذي طالما سعت إليه روسيا. وقال وزير الدفاع الأمريكي إنه ينبغي إدراج هذه القضية بوضوح في أجندة الحد من الأسلحة، غير أنه يتعين مناقشتها بين الحلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو). ومن جانبه، أشاد جيدو فيسترفيله وزير الخارجية الألماني بالاستراتيجية الجديدة للرئيس الأمريكي والخاصة بالأسلحة النووية. وطالب فيسترفيله، الذي يشغل منصب نائب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، باتخاذ خطوة أخرى جريئة نحو نزع السلاح النووي. وأضاف فيسترفيله، الذي يتزعم الحزب الديمقراطي الحر الشريك في الائتلاف الحاكم في برلين في حديث أجراه الثلاثاء مع الموقع الإلكتروني لصحيفة (بيلد) الألمانية، ثمة إمكانيات جديدة تنفتح لخفض ما يسمى بالأسلحة النووية التكتيكية في أوروبا ومن ثم سحب هذا النوع من الأسلحة من ألمانيا. ويطلب الكونغرس الأمريكي من كل إدارة أمريكية استكمال مراجعة للوضع النووي مرة واحدة خلال ولايتها. وتحظى المراجعة بمراقبة عن كثب بعدما طرح أوباما رؤيته في براغ العام الماضي بشأن عالم خال من السلاح النووي، وهو الهدف الذي رشحه بقوة للفوز بجائزة نوبل للسلام. وقال جورج بيركوفيتش من مؤسسة (كارنيجي) للسلام الدولي، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، إن أوباما انتهج سبيلا وسطا إلى حد كبير، يعكس الحقائق السياسية في الولاياتالمتحدة. وفي الوقت الذي لا يتعين فيه موافقة النواب الأمريكيين على المراجعة، أشار بيركوفيتش إلى أن أوباما يدرك تماما أن أي تغيير كبير في الاستراتيجية النووية من شأنه أن يهدد التصديق على معاهدة (ستارت) الجديدة مع روسيا. ويمثل معظم الاستراتيجية النووية الجديدة لأوباما تحولا عن مراجعة الوضع النووي التي قدمها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش عام 2002، غير أنها لم تصل إلى الحد الذي كان يأمله بعض السياسيين الذين يميلون إلى اليسار بشأن التخلي عن استخدام الأسلحة النووية. ووصف غيتس، الذي تولى مسئولية وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في فترة الولاية الثانية لبوش أيضا، المراجعة النووية بأنها نهج متوازن وشامل في التعامل مع دور الأسلحة النووية، مبينا أنها تلبي هدف أوباما بشأن تقليص دور الأسلحة النووية وعددها بهدف الوصول إلى عالم خال من الأسلحة النووية على المدى البعيد. وأوضح وزير الدفاع الأمريكي أن الاستراتيجية الجديدة أزالت بعض الغموض المتعمد عن الوضع النووي الأمريكي، حيث استبعدت بوضوح استخدام الأسلحة النووية ضد الدول التي تفي بالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. وقال غيتس إنه بدلا من ذلك، فإن الدول التي تشن هجوما على الولاياتالمتحدة بأسلحة كيماوية أو بيولوجية ستواجه احتمال التعرض لرد عسكري تقليدي مدمر، مضيفا أن واشنطن تحتفظ بحق تغيير هذا الموقف مستقبلا.