وقع رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان بين شقى الرحى، بين إصرار على دعم ومساندة "جماعات إرهابية"، وبين فضيحة لا تلاحق حكومته فحسب بل طالت أفراد أسرته. وأشارت تحقيقات متشعبة أجراها مكتب مدعى عام إسطنبول قبل أكثر من عام إلى فضيحة سياسية مالية هددت أردوغان، الفضيحة تحتوى على تزوير وغسيل الأموال ورشاوى وفساد وصل حجمه إلى 100 مليار دولار يدافع عنها رئيس الوزراء التركى بشدة ويتهم من يرددونها بأنهم لا يعرفون الحق والعدالة.. العدالة التى شن هو ضدها حرب شعواء فى مجملها تحصين قضائى لحكومته التى تم اعتقال عددا من أعضائها. وقد أعفى أردوغان عدد كبير من مديرى الأمن من مناصبهم وإجراء تعديل قانونى يشترط إبلاغ المحافظ أو المسئول الإدارى بالبلدات قبل فتح أى تحقيق أو القيام بحملات اعتقال. وقد أبرزت التحقيقات تجارة ذهب غير مشروعة من تركيا إلى إيران، الخاضعة لحظر دولى بسبب برنامجها النووى المثير للجدل، وأشيرت أصابع الاتهام إلى رجل أعمال إيرانى يدعى رضا ضراب، الذى قام بحسب المعلومات بتمويه الصفقات المالية المرتبطة بهذه المبيعات عبر المصرف التركى العام «خلق بنك» الذى يديره سليمان أصلان، لكن هذا المصرف نفى بشكل قاطع صحة هذه المعلومات. كما أشار التحقيق إلى أن ضراب قام أيضًا بتمويل وسائل التسهيل مثل الحصول على الجنسية التركية وأذونات إقامة وعمل من باريس جولر وكنعان تشاجليان، نجلى وزيرى الداخلية معمر غولر والاقتصاد ظافر تشاغليان، اللذين نفيا أى ضلوع فى القضية لكنهما قدما استقالتهما. وفتح تحقيقان آخران حول عمليات اختلاس ومخالفات ارتكبت فى إطار استدراجات عروض عامة فى مجال العقارات. ويشتبه التحقيق الأول بأن عبد الله أوغوز بيرقدار، نجل وزير البيئة المستقيل أردوغان بيرقدار، ومسئولين آخرين فى الوزارة نفسها، باعوا تراخيص بناء مقابل رشاوى دفعت من قبل أصحاب شركات بناء، مثل صاحب إمبراطورية البناء والأشغال العامة، على آغا أوغلو. أما التحقيق الثانى فيستهدف مباشرة رئيس بلدية منطقة فاتح فى إسطنبول، مصطفى ديمير، المعروف بتدينه الشديد، والعضو فى حزب العدالة والتنمية، الذى يتزعمه «أردوغان». ويتهم «ديمير» بمنح تراخيص بناء مقابل المال فى منطقة محظورة بسبب بناء نفق لسكك الحديد تحت مياه البوسفور. ويستعد المدعون العموميون فى إسطنبول للقيام بحملة اعتقالات ثانية فى إطار عمليات اختلاس مرتبطة بأسواق عقارية، لكن المذكرات الثلاثين التى سلمت للشرطة القضائية لم يتم تنفيذها كما كشف المدعى العام معمر أكاس الخميس. وأفادت الصحافة التركية أن لائحة المشبوهين تشمل أصحاب مجموعات تركية كبرى فى قطاع البناء والأشغال العامة مثل ليماك وكاليون، إضافة إلى مسئولين مقربين من السلطة. وذكرت صحف تركية أيضا أن المدعين العموم يهتمون فى هذا الإطار بمنظمة غير حكومية وهى المؤسسة التركية لخدمة الشباب والتربية، التى يعد أحد نجلى «أردوغان»، «بلال»، من مسئوليها. وميدانيا تتواصل التظاهرات الحاشدة المطالبة باستقالة رجب طيب أردوغان اليوم الأحد، فى مدن أنقرة وأسطنبول ومرسين وإزمير وهاتاى وأسبرطة وبورصا وبالكسير وتونجلى. وتظاهر المواطنين فى ملابس "بابا نويل" حاملين أكياس مليئة بصناديق الأحذية فى إشارة لمدير بنك الشعب الأهلى الذى تم ضبط مبلغ 4.5 مليون دولار مخبأة فى صناديق أحذية فى غرفة نومه. واستخدمت قوات الشرطة القنابل الغاز المسيلة للدموع ومدافع المياه بعد كتابة المتظاهرين على جدارن العمارات والمحلات التجارية شعارات تطالب باستقالة أردوغان. وفى إزمير شارك ما يقرب من 10 آلاف مواطن فى تظاهرة مناهضة للحكومة التركية التابعة لحزب "العدالة والتنمية" للمطالبة باستقالة أردوغان على خلفية قضية الفساد والرشاوى واستمرت الاحتجاجات حتى ساعة متأخرة من الليلة الماضية رغم تدخل قوات الشرطة التى استخدمت الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه. وفى أسطنبول استخدم بعض المتظاهرين فى حى سلطان غازى قنابل المولوتوف ضد قوات الشرطة فى الاحتجاجات ضد حكومة أردوغان، وأدى انفجارها لوقوع أضرار كبيرة فى المحلات التجارية والبنوك. وفى الوقت الذى تنقل فيه الصحف المعارضة التى تعمل تحت ضغوط شديدة واعتقالات وتنكيل، هناك تعتيم تام من الإعلام الحكومى، فلم تهتم الوكالات الرسمية بنقل الاحتجاجات مثلما كانت تهتم بنقل الأحداث فى مصر. وطالب الكاتب الصحفى ممتاز أر ترك أونه، بصحيفة زمان التركية، أردوغان بالاستقالة قائلا: الاستقالة حل ناجع فى مثل هذه الحالات. أما المجازر التى يقوم بها فى جهاز الأمن، وكذلك الحرب التى يخوضها أردوغان ضد القضاء، فهى محاولات يائسة، ولا تؤدى إلا إلى تفاقم الدمار، ولا فائدة لمحاولات البحث عن التوافق بعد اليوم". وقال ترك أونه، الأيام التى نعيشها فى الآونة الراهنة تمهد لفوضى مروعة. سيأتى يوم لن تتمكن الحكومة من إدارة البلد. فالخطوات الناجعة اليوم، سوف تفقد قيمتها غدا. أما ما يدور فى خلد أردوغان من خطة تقديم الانتخابات، فلا يحل الإشكال، إنما يزيد من حدة الفوضى. لأن الأزمة الحالية أزمة قضائية بامتياز.