أكد مصدر مسؤول بوزارة الداخلية التونسية أنباء تحدثت عن القبض على أبوعياض، زعيم أنصار الشريعة التونسية، في مدينة مصراتة الليبية. وأوضح المصدر المسؤول أن "عملية القبض على أمير أنصار الشريعة تمّت من خلال قوات مشتركة أميركية – ليبية، وأسفرت عن إصابة ثلاثة جنود أميركيين، بحسب المعلومات الأولية المتوافرة لدى الجانب التونسي والتي سنسعى للتأكد منها خلال الساعات القادمة". ويأتي توقيف أبوعياض كثاني عملية تقوم بها القوات الأميركية بعد القبض على أبوأنس الليبي في العاصمة طرابلس في شهر أكتوبر الماضي. وكانت وسائل إعلام محلية تونسية أفادت بقيام قوة أميركية خاصة بالقبض على أمير جماعة أنصار الشريعة بتونس، سيف الله بن حسين المعروف بأبي عياض، فجر الاثنين بمدينة مصراتة الليبية. وذكرت إذاعة "موزايك" المحلية التونسية، نقلاً مصادر دبلوماسية وأمنية أن "قوات أميركية خاصة مدعومة بقوات ليبية ومجموعة من الأهالي ألقت فجر اليوم بمدينة مصراتة القبض على أبوعياض برفقة أربعة أو خمسة مرافقين له من بينهم تونسيون، وقد تم اقتياده إلى مكان غير معلوم". وتتهم السلطات الأميركية "أبوعياض" وجماعته "أنصار الشريعة" بالوقوف وراء الهجوم على السفارة الأميركية بتونس في سبتمبر 2012 والذي أدى إلى حرق المدرسة الأميركية بتونس في أعقاب بث فيلم مسيء للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. وكان وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو قد كشف في شهر سبتمبر الماضي عن تواجد زعيم جماعة أنصار الشريعة في ليبيا، مشيراً إلى أن "جميع التقارير الأمنية التي وردت إلى وزارة الداخلية تؤكد ذلك"، على حد قوله. يُشار إلى أن "أبوعياض" متوارٍ عن الأنظار منذ سبتمبر 2012، وتشتبه السلطات التونسية في وقوفه وراء تظاهرة احتجاجية ضد فيلم مسيء للرسول (صلى الله عليه وسلم) تطورت إلى هجوم على السفارة الأميركية في تونس في سبتمبر 2012، ما أسفر عن سقوط أربعة قتلى في صفوف المهاجمين، كما تتهمه السلطات بالوقوف خلف عمليات اغتيال وهجمات، وبارتباطه بتنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب". أبوعياض التونسي، واسمه الحقيقي سيف الله بن حسين، وُلد في تونس العاصمة عام 1965، وبرغم رفضه اعتبار تونس أرض جهاد إلا أنه أعلن ولاءه لتنظيم القاعدة العالمي. وكان أبوعياض عضواً في الحركة الإسلامية التونسية في ثمانينات القرن الماضي، وخرج من تونس سنة 1991 بعد حملة أمنية ضد الإسلاميين متوجهاً وقتها إلى المغرب حيث درس الحقوق. ويشدد أبوعياض على أنه لا يعتبر تونس أرض جهاد، مؤكداً بالقول: "منذ خروجنا من السجون اخترنا الدعوة وتصحيح مفاهيم أصولنا وترسيخ الهوية الإسلامية ومصالحة ديننا، فالجهاد له أسبابه ومواطنه ولكل منطقة خصوصياتها ووقتها، وأهل مكة أدرى بشعابها". غير أنه وفي ذات الوقت أعلن موالاته لتنظيم القاعدة فكرياً على الأقل بالقول: "نعم نحن نوالي القاعدة ونعتبرها سداً منيعاً ضدّ الحرب الصليبية الصهيونية على بلاد المسلمين، ونوالي كل مسلم على وجه الأرض وكل من يسعى لتحكيم شرع الله، فالموالاة هي أعظم جزء في الدين وواجب على كل مسلم". أبوعياض.. تاريخ من الهروب
وتاريخياً، عاش أبوعياض التونسي حياة الهروب من بلد إلى بلد، فقد لاحقته السلطات التونسية في المغرب فاضطر للهروب إلى لندن وتقدم بطلب اللجوء السياسي في 10 فبراير 1994، وبقي ينشط في السرّ هناك ولم يتلقَّ الإجابة عن طلب اللجوء إلا في عام 2002 عندما كان متخفياً في باكستان، وكان الرد بالرفض القطعي إضافة إلى عدم إمكانية الاستئناف، حيث اعتُبر خطراً محدقاً بالأمن القومي البريطاني. وفي لندن تتلمذ على يد المنظّر الجهادي أبوقتادة، السجين حالياً في بريطانيا بتهمة تهديد الأمن القومي، حيث كانت لندن يومها قاعدة خلفية لنشاط الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية، المعروفة باسم "الجيا"، وتصدر في لندن نشرية "الأنصار" بإشراف أبوقتادة وأبومصعب السوري القيادي في تنظيم القاعدة. ويقول أبوعياض متحدثاً عن هذه الفترة: "عندما كنتُ في لندن كانت لي علاقة وطيدة ولصيقة بالشيخ أبوقتادة وتعلمت منه الكثير، وأتأسف لأنني لم أتمكن من التفرغ لطلب العلم من الشيخ، فالأشغال الدعوية كانت تصرفني عن طلب العلم، لكن هذا لا يمنع أنني استفدت منه قدر الإمكان لأنه مدرسة حقيقية". وبعد الفترة اللندنية انتقل أبوعياض إلى أفغانستان خلال حكم طالبان واستقر هناك حتى اندلاع أحداث سبتمبر 2001، وأسس تجمّع الجهاديين التونسيين في جلال آباد سنة 2000، والتقى في هذه الفترة زعيم القاعدة أسامة بن لادن في مقرّه بقندهار في سبتمبر 2000، ليخرج من أفغانستان في فبراير 2001 ويتنقل بين عدة دول، وكانت آخر محطة هي تركيا إلى أن تم اعتقاله في 3 فبراير 2003 بسبب خطأ ارتكبه أحد رفاقه حين ذكره بكنيته في اتصال هاتفي. وبعد شهر من اعتقاله في تركيا تم تسليمه للسلطات التونسية ليحاكم بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة وإلى تنظيمات إسلامية مختلفة، لتكون جملة الأحكام بحقه 68 سنة، قضى منها 8 سنوات قبل أن يتم الإفراج عنه في مارس 2011 بعد الثورة. وبعدها توجّه أبوعياض إلى تأسيس تنظيم سلفي جهادي تحت اسم "أنصار الشريعة"، وكان أول ظهور ميداني له في شهر مايو 2011 خلال مؤتمر علني ضم أغلب عناصر التيار الجهادي التونسي، ونظم تحت شعار "اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا"، بحضور قيادات جهادية، إلى جانب القيادة الشرعية ممثلة في الشيخ الخطيب الإدريسي، السجين السابق على خلفية أحداث الضاحية الجنوبية عام 2006.