توتر العلاقات بين أربيل وبغداد ألقى الضوء على الحقيقة المثيرة للقلق وهي أن الطرفين لم يخفقا فقط في تسوية خلافاتهما، بل إنهما، وباتخاذهما مسارين أحاديين، قد فاقما هذه الخلافات إلى درجة يبدو معها الحل السلمي بعيدا. ولا يستبعد مراقبون من أن تؤدّي أزمة النفط بين حكومة بغداد المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق، إلى مواجهات مسلّحة بين الطرفين، في ظلّ تصاعد الخلاف، الذي بدأ يقترب من درجة الغليان. وقد وصف نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني الوضع في إقليم كردستان بالرمادي في هذا المجال، مشيرا إلى أن مشكلة تصدير النفط من الإقليم دون موافقة الحكومة المركزية لا تزال عالقة. وأوضح الشهرستاني، في كلمة ألقاها في ندوة نظمها المعهد العراقي للإصلاح الاقتصادي، بعنوان “صناعة النفط بعد عشر سنوات من الإنجازات والتحديات”: “لا بد أن نتكلم عن التحديات (..) التي لم نستطع أن نصل بها إلى ما نطمح إليه”. وأضاف أن أبرز التحديات هي أننا “لم نستطع أن نصل إلى اتفاق وطني، لاستخراج وتسويق النفط في كل مناطق العراق، ولا يزال الوضع مع إقليم كردستان عالقا”. وقال الشهرستاني إن “هذا الملف لم يحسم على الرغم من تحقيق بعض التقدم ونأمل أن ينتهي خلال الفترة القصيرة القادمة”. وأضاف “لذا بقي جزء مهم من احتياطات النفط حتى الآن لم يتم تطويره بالشكل الذي كنا نريده أن يكون أسوة بعقود النفط الأخرى”. ويشير الشهرستاني إلى طبيعة العقود التي أبرمتها بغداد مع الشركات العالمية التي كانت عقود خدمة، فيما أبرمت أربيل عقود مشاركة بالإنتاج مع الشركات الأجنبية الأمر الذي أثار غضب بغداد. وقال الشهرستاني “لدينا منطقة رمادية هي أننا لا نعرف كم يستخرج الإقليم من النفط وكيف يخرج وبكم يباع وأين تذهب الإيرادات”. تثير محاولات إقليم كردستان العراق تحقيق استقلال نفطي واقتصادي غضبا مطردا لدى الحكومة العراقية في بغداد وتصاعدت الأزمة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان، بسبب العقود النفطية التي وقعتها حكومة الإقليم مع شركات عالمية، مثل “أكسون موبيل” الأميركية و”توتال” الفرنسية لاستخراج النفط في أراضي الإقليم. كما سعت حكومة البرزاني إلى مد أنبوب لنقل النفط يربطها مباشرة بالأسواق العالمية، وعملت على تصدير النفط مباشرة إلى الجارة الشمالية تركيا، الأمر الذي زاد من توتّر العلاقة بين بغداد وأنقرة، المتوتّرة أصلا على خلفية قضية تسليم نائب الرئيس العراقي الأسبق طارق الهاشمي. حيث ترفض تركيا تسليم، الهاشمي المحكوم عليه بالإعدام، للسلطات العراقية. وبدأت عمليات تصدير النفط من إقليم كردستان إلى ميناء جيهان التركي، بحسب ما أعلن وزير الطاقة التركي تانيز يلدز في الثاني من الشهر الماضي. وبحسب يلدز فإن بيع مليوني برميل من الخام سيتم من الآن حتى نهاية يناير القادم وستليه شحنات أخرى لاحقا. ورفضت بغداد أن يبيع الإقليم نفطه دون العودة إلى الحكومة المركزية واعتبرت ذلك مخالفة صارخة للدستور وتهريبا للنفط.
وتثير محاولات الإقليم تحقيق استقلال نفطي واقتصادي غضبا مطردا لدى الحكومة العراقية في بغداد، التي تختلف مع سلطات الإقليم على تفسير بعض النصوص الدستورية وعلى بعض المناطق التي يتنازعها الطرفان، وفي مقدمتها مدينة كركوك مختلطة الأعراق والغنية بالنفط التي تطالب سلطات الإقليم بضمها إليه. وتصر الحكومة العراقية على أنها وحدها لها حق تصدير النفط الخام وتوقيع الصفقات بينما تقول كردستان إن الدستور يتيح لها توقيع عقود النفط وتصديره بمنأى عن بغداد. وهددت حكومة بغداد بمقاطعة كل الشركات التركية العاملة في البلاد، وإقامة دعوى قضائية ضد حكومة أنقرة على خلفية سماحها بتصدير نفط عراقي من إقليم كردستان دون موافقة بغداد. فيما هدد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، باقتطاع حصة إقليم كردستان العراق من ميزانية الدولة، في حال قام الإقليم بتصدير نفطه إلى تركيا عبر خط الأنابيب الجديد، من دون موافقة الحكومة المركزية. ووافقت الحكومة العراقية في شهر يناير الماضي على مشروع ميزانية عام 2014 الذي يتضمن خفض حصة الإقليم من إيرادات الدولة ما لم يصدر 400 ألف برميل يوميا من الخام عبر شركة تسويق النفط العراقية (سومو). وتبلغ حصة إقليم كردستان من موازنة الدولة 17 في المئة، لكنه يرفض تسليم نفطه المنتج منذ ثلاثة أعوام ويقوم ببيعه عن طريق تركيا وإيران، بحسب الحكومة العراقية. وفي تعليقه على الجدل المستمر بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق بشأن الجهة المسؤولة عن منح العقود وتراخيص التنقيب عن النفط والغاز، أكد الخبير النفطي صبحي البدري، أن أزمة النفط بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان مقبلة على التصعيد، بسبب تمسك كل منهما بموقفه؛ مشيرا إلى وجود “أطراف خارجية ضمن هذه الأزمة إضافة إلى الخلافات الأخرى بين الكتل السياسية في العراق”.