إذا كانت الجهات التي لم تتعلم من درس الانتفاض الشعبي السلمي في العام 2011 كثيرة ومتعددة, فإن الإعلام, وتحديداً الإعلام الرسمي, هو أكثر هذه الجهات جهلاً بالدرس وتجاهلاً لمعطياته في مقدمات الأحداث ونتائجها, من خلال عجزه عن مواكبة المتغيرات بما تتطلبه من تجدد يتجاوز الماضي وأمراضه المزمنة. في الذكرى الثالثة للانتفاضة الشعبية, تجاهل الإعلام الرسمي على الأقل المرئي منه في الفضائية اليمنية مشاهد شعبية احتفت بذكرى الانتفاضة وفق أولويات المطالبة بتغيير حكومة الوفاق, وهذا المطلب فضلاً عن كونه حقاً وواقعاً, هو في السياسة أمرٌ مفروض بانتهاء الفترة الانتقالية, وحتم مقضي بها وبمستجدات ما بعد الحوار الوطني, ولو أدرك الإعلام هذه الحقائق لتعامل مع الاحتشاد الشعبي المعبر عنها بمهنية أولاً وبحرية متحررة من ماضي الحرص على إرضاء الحكومة. ومن ناحية أخرى, وبنفس الوقت, أبرز الإعلام الرسمي اهتمامه بالأقاليم الستة, بذات أساليب الماضي التي تبالغ في تمجيد الاتجاهات السياسية للسلطة وقيادتها العليا وتصورها كإنجاز كامل الإيجابيات وخالٍ من أي قصور أو سلبيات, فمثلاً, عنونت بعض الصحف الرسمية على صدر صفحاتها الأولى بخط عريض بكلمات مثل: ترحيب شعبي كبير بوثيقة الأقاليم, أو ارتياح جماهيري واسع لصدورها, مع أن الواقع الشعبي يتخوف من هذا التقسيم وبعض هذا الواقع يعبر عن رفضه له, كما يتحفظ عليه آخرون. لا شك أن التوافق على التقسيم المعلن للأقاليم إنجاز إيجابي, ولكن إيجابيته لا تحول دون الحق في نقده وفحصه, وبحث ما يشوبه من سلبيات، وما تواجهه من تحديات, وإعادة النظر في عدد وحدود الأقاليم الستة, خصوصاً لجهة ارتكازه على الحدود الشطرية وتقسيم المحافظات الجنوبية إلى إقليمين والشمالية إلى أربعة, وهو ما يطرح مقترح الأربعة الأقاليم بواقع إقليمين, أو أربعة أقاليم تتجاوز الواقع التاريخي للتشطير, وتخفف أيضاً من الأعباء المادية والمالية والفنية اللازمة لبناء الأقاليم الستة. ما هو مطلوب سياسياً وإعلامياً, هو الاعتبار من تجربة الماضي والتعامل بواقعية وعقلانية مع واقعنا الوطني كما هو, ومع طموحنا السياسي كما تقتضيه الحاجة والمصلحة ومتاحات القدرة على الإنجاز, إذ لم يعد الاختلاف عيباً والاعتراض جرماً, ما دام الحوار آلية جامعة وحاكمة للجميع.