من الظواهر الغريبة التي ينفرد بها اليمن السعيد، وتشكل تهديدا للأمن الداخلي للبلاد، وعبئاً شديداً على السلطة السياسية انتشار الأسلحة النارية بين أيدي المدنيين اليمنيين بشكل كبير، إلى درجة أن كل مواطن يمني له ثلاث قطع سلاح.
فبعض الإحصائيات تشير إلى أن هناك نحو 60 مليون قطعة سلاح بحوزة 20 مليون مواطن يمني، هم جملة سكان اليمن، أي بمعدل 3 قطع لكل فرد، في بلد لا يحرِّم قانونه حيازة الأسلحة النارية من قبل المواطنين، بل يعتبره حقاً لهم، حيث تنص المادة التاسعة من قانون تنظيم حمل الأسلحة على أنه: 'يحق لمواطني الجمهورية حيازة البنادق والبنادق الآلية والمسدسات وبنادق الصيد اللازمة لاستعمالهم الشخصي، مع قدر من الذخيرة لها لغرض الدفاع الشرعي'.
إن هذا الوضع، الذي لا نظير له في أي مكان على سطح البسيطة، حدا بمجلس الدفاع الوطني اليمني أن يقرر أن يكون يوم الانتخابات الرئاسية الأخيرة يوماً خالياً من السلاح، يحظر فيه على الجميع مهما كان شأنهم حمل السلاح عدا منتسبي الأجهزة الأمنية المنوط بها واجب الحفاظ على الأمن والسكينة والسلم الاجتماعي. وقد استهدف المجلس من هذا القرار حسب البيان الذي أصدره وقتها: 'إتاحة الفرصة للجميع أن يخوضوا هذا الاستحقاق الدستوري والديمقراطي المهم بمسؤولية ووعي، وفي ظل التنافس الشريف والالتزام بالدستور والقانون، والابتعاد في الحملات الانتخابية عن كل ما من شأنه إثارة الفتن والضغائن والأحقاد في المجتمع'.
ورغم أن مجلس الوزراء اليمني كان قد أصدر قراراً قبل سبعة أعوام يقضي بمنع حمل السلاح أو التجول به أو حتى إظهاره داخل مدينة صنعاء والمدن الرئيسية الأخرى، فإن أحداً لم يستجب لذلك في بلد تتعدد فيه وتتشابك وتتعقد أسباب حمل السلاح.
وأول هذه الأسباب يرتبط بالتقاليد والعادات الاجتماعية، فاليمنيون يتعاملون مع السلاح على أساس أنه وسيلة من وسائل الزينة والتباهي والتفاخر بين القبائل، لذا يشجع الآباء أبناءهم على حمله والتدرب عليه منذ نعومة أظفارهم، كما أن السلاح عند اليمني أداة للتعبير عن الغضب والفرح، حيث يستقبل الضيوف الأعزاء بوابل من الرصاص، وتطلق الأعيرة النارية في الأعراس، ويستخدم السلاح في النداء بدلاً من مكبرات الصوت، حتى في شوارع المدن الرئيسية.
ولا يمكن فهم ما تقدم إلا من خلال إدراك حجم الدور الذي تلعبه القبيلة في الحياة السياسية اليمنية، وهو متضخم إلى درجة أن القبائل تتحدى في بعض الأحيان سلطة الدولة المركزية، ويظهر هذا بجلاء من خلال ظاهرتي تفجير أنابيب النفط واختطاف الأجانب، فرجال القبائل يقدمون على ذلك ليجبروا السلطات على أن تفرج عن سجناء من ذويهم، أو يطالبوا بحقوق اقتصادية ومالية معينة، وبالطبع فإن رجال القبائل يستمدون الجزء الأكبر من قوتهم، في مواجهة الدولة، من قدراتهم التسليحية، فضلا عن وعورة الأراضي اليمنية التي تجعلهم في منعة من ملاحقة القوات الحكومية، سواء الجيش أو الشرطة، علاوة على اعتماد النخب السياسية الحديثة في البلاد على القبائل كسند وظهير ومرجعية في المجتمع المحلي.
ويتعلق السبب الثاني بسلسلة الصراعات والحروب الداخلية التي شهدها اليمن، فقد اندلعت حرب أهلية في الفترة من 1962 إلى 1970 في بعض المناطق الشمالية والشرقية من البلاد، تبعها صراع في المنطقة الوسطى استمر 15 عاماً تقريباً، ثم جاءت الحرب الأهلية اليمنية التي اندلعت عام 1994 حين حاول بعض قادة الحزب الاشتراكي (الذي كان يحكم ما يسمى اليمن الجنوبي سابقاً) الارتداد على الوحدة التي تم إعلانها بين شطري اليمن عام 1990، وقد حمّل الشيخ عبدالله الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني الاشتراكيين مسؤولية عودة ظاهرة انتشار السلاح داخل المدن اليمنية الكبرى، بما فيها صنعاء، حيث يرى أنهم 'جاؤوا متخوفين وفي أعناقهم ذمم ودماء'، لذا اصطحبوا معهم أسلحتهم.
ويتمثل السبب الثالث في التطرف الديني، ففضلا عن تنامي بعض الحركات التي ترفع من الإسلام شعاراً سياسياً لها داخل التربة اليمنية ذاتها، كان اليمن خلال السنوات الأخيرة محطة لاستقبال بعض العناصر التي تنتمي إلى من أطلق عليهم 'الأفغان العرب'، وهم الشباب العرب الذين شاركوا في الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وتعذرت عليهم العودة إلى أوطانهم لأسباب أمنية. وقد ظن هؤلاء أن اليمن، بجغرافيته المعقدة وطبيعته الاجتماعية التقليدية، ملاذ آمن لهم، لذا هاجر بعضهم إليه. وقد دفع تفاقم هذا الوضع بالسلطات اليمنية إلى اتخاذ قرار يقضي بمنع دخول رعايا بعض الدول العربية إليها، إلا إذا كانوا قادمين من بلادهم الأصلية، وحاصلين على تأشيرات من السفارة اليمنية في بلادهم، لكن هذا القرار لم يمنع من بقاء اليمن مكانا جاذبا لبعض عناصر تنظيم القاعدة، الأمر الذي جعل الأميركيين حريصين على توقيع اتفاق ل'مكافحة الإرهاب' مع الحكومة اليمنية.
أما السبب الرابع فيتعلق بعدم الامتثال للقرارات الحكومية، فقرار مجلس الوزراء نصّ على تحريم حمل السلاح في العاصمة والمدن الرئيسية، إلا أنه لم يطبق بشكل كامل، وتعرَّض لخرق واضح، ليس بواسطة رجال القبائل فحسب، بل على أيدي أنصار بعض الأحزاب السياسية. ويبقى قانون تنظيم حمل السلاح رقم (40) لسنة 1992 الساري المفعول، قانوناً متساهلاً فضفاضاً، ومن ثم يمنح الغطاء التشريعي لاستمرار ظاهرة انتشار حمل السلاح في اليمن.
وعلى الرغم من أن السلطات اليمنية شرعت في تبني خطة جديدة لجمع الأسلحة التي بحوزة الأهالي، في إطار مساعيها الرامية إلى الحد من انتشار ظاهرة العنف في الشارع اليمني، فإنها لم تسن- حتى الآن- قانوناً حاسماً في هذا الشأن، أو على وجه الدقة فإنه مع خطورة هذه الظاهرة فإن مشروع القانون الذي أعد لمعالجتها لم يتم حسمه داخل مجلس النواب. ورغم أن الحكومة اليمنية تقوم، وبشكل منتظم منذ عام 1995، بحملة سنوية ضد حمل الأسلحة النارية في المدن الرئيسية بالبلاد، فإن هذه الحملات فشلت جميعاً في الحد من ظاهرة انتشار الأسلحة بين المدنيين، في بلد تعد فيه القبائل المدججة بالأسلحة سلطة موازية لسلطة الدولة، بل تتعداها في بعض الأحيان.