يصطدم الزائر لليمن ، بمنظر السلاح وخاصة في مناطق الريف البعيدة، فالسلاح في اليمن جزء من الشخصية الوطنية ويرتبط بالتراث والتقاليد والعادات أكثر من كونه وسيلة متعارفاً عليها للعنف والقتل . وينتشر السلاح بين فئات المجتمع المختلفة حتى بين فئة الشباب الجامعي ، ويكثر ظهور السلاح في المناسبات والأعياد ، حتى أن صورة العريس المتأبط الكلاشنكوف هي الصورة التي يحرص عليها الشاب باعتزاز . والسلاح أيضاً وسيلة تعبير في اليمن ، فهو وسيلة للتعبير عن الفرح والغضب واستقبال الضيف العزيز الذي يستقبل بوابل من الرصاص ، وفي الأعراس إطلاقه في الهواء تعبير عن الفرحة . بل ويستخدم أيضاً في النداء والتوضيح بدلاً من مكبرات الصوت . فإذا مرت سيارة مسرعة ويريد أن يلفت النظر إلى توقفها يطلق طلقة في الهواء، وطلقتين للتحذير ، وأكثر يعني أن هناك هجوماً قادماً! . والسلاح في اليمن مصدر فخر ، ويحدد المكانة الاجتماعية ، ولكن قبل الدخول في تفاصيل أكثر سأبدأ بتعريف مفهوم السلاح الذي تقصده هذه الورقة . معنى السلاح : قبل أن ندخل في الحديث عن ظاهرة حمل الأسلحة في اليمن لابد أن نقف عند مفهومنا لمعنى ( السلاح ) وهنا نحصر الأمر بالسلاح الناري، والمفرقعات وليس في جانب الأسلحة الأخرى ( مثل السلاح الأبيض ) ، الخناجر والسيوف ! فاليمن كلها تتعامل مع الخنجر اليماني كموروث اجتماعي، وزي شعبي متميز، وبالتالي فالخنجر (الجنبية ) لا يدخل بمفهوم السلاح . وبحسب تعريف القانون اليمني المادة الأولى فقرة (5) من قانون تنظيم حمل السلاح لمفهوم السلاح فإن ذلك يعني : «كل سلاح ناري شخصي مهما كان نوعه وكل جزء منه أو قطعة من قطع غياره ، ويشمل البنادق والبنادق الآلية والمسدسات وبنادق الصيد». ومن هذا التعريف ، ندرك أن السلاح هو الناري سواءً البنادق التقليدية أو الآلية أو المسدسات وبنادق الصيد مع التأكيد على أنها ( أسلحة شخصية ) أي تلك التابعة للمواطنين ولا يدخل في ذلك أسلحة المؤسسة العسكرية والأمنية. وبالتالي فالأرقام هنا والحديث عن الأسلحة النارية الشخصية خارج إطار المؤسسات الرسمية في البلد. حجم الأسلحة : لا يوجد حتى الآن إحصاء دقيق عن عدد الأسلحة النارية في اليمن ، وحجم تداولها، وما تم إطلاقه من الأرقام لا يخرج عن إطار التصريحات الصحفية وليس الدراسات الموثقة. ويتداول الإعلام اليمني رقم (50.000.000) خمسون مليون قطعة سلاح في اليمن بحسب تصريحات رسمية مختلفة، ولكن لم تقل هذه المصادر بأنها وضعت الرقم بعد دراسة إحصائية للواقع ولا يخرج الأمر من التخمين. ويمكن لنا التشكيك برقم كهذا من خلال مراجعة الواقع نفسه ، فعدد خمسين مليوناً يعني ببساطة ثلاثة أضعاف عدد سكان اليمن، وبإخضاع هذا الرقم للمناقشة يمكن ملاحظة المبالغة فيه إلى حد كبير وبالعودة إلى إحصائيات السكان والمؤشرات الديمغرافية نجد أن عدد سكان اليمن حسب إحصاء 1997م هو 16.482.000 نسمة يشكل السكان الذكور منهم عدد 8.229.000 ثمانية ملايين ومائتين وتسعة وعشرين ألف نسمة أي نسبة 49.9 % من السكان بينما تشكل الإناث نسبة 50.1 % من السكان . ونسبة السكان أقل من 15 سنة هي 48.83 % الذكور منهم 50.9 % وبذلك يمكن حصر عدد الرجال الذكور الذين يمكن أن يكونوا الشريحة التي تحمل السلاح بما لا يزيد عن ربع السكان أي بحدود أربعة ملايين، ونصف مليون نسمة وبقسمة الرقم المتداول لعدد قطع الأسلحة في اليمن 50 مليوناً مثلاً سيكون كل شخص في اليمن لديه أكثر من اثنتي عشرة قطعة سلاح لذلك يبدو الأمر مبالغاً فيه ، هذا مع الأخذ بعين الإعتبار أن معظم سكان الحضر لا يحملون السلاح في اليمن . حيث تتركز المناطق التي ينتشر فيها السلاح بالمناطق الريفية أساساً وهي مناطق أعطاها القانون حق حمل السلاح وحيازته بدون ترخيص مسبق . وإذا أخذنا في اعتبارنا أن معظم المناطق اليمنية الوسطى والجنوبية لا تميل إلى اقتناء السلاح ولا يشكل لديها اقتناء السلاح ضرورة اجتماعية أو عادة ملحة ، سنرى أن النطاق الجغرافي لتداول الأسلحة محصور إلى حد كبير ، وذلك يؤكد ثانية أن الرقم المتداول لعدد قطع الأسلحة يبقى تخميناً وبحاجة إلى دراسة أدق وموضوعية أكثر . تنوع الأسلحة : رغم أن القانون اليمني أعطي الحق فقط بالأسلحة النارية الشخصية وحصرها بالبنادق الآلية والمسدسات وبنادق الصيد إلا أن الساحة اليمنية تمتلئ بأسلحة أعلى من ذلك وهناك عدة أنواع من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة يتم تداولها ويمتلكها أفراد خاصة القبائل ذات المنازعات المستمرة ، وفي أحدث استطلاع صحفي تم في إبريل 2001م يصف الصحفي جولته السريعة في سوق السلاح بأنه شاهد غابة من الأسلحة المتنوعة تصطف في الدكاكين والأكشاك بجانب بعضها البعض ، وهنا أنقل أسطراً من التحقيق لتوضيح الصورة « طريقة العرض قد تكون عشوائية فالقنابل والألغام مرصوصة فوق بعضها على الأرض أو فوق خشبات ترتفع قليلاً ، والمسدسات والذخائر وكل القطع الصغيرة مصفوفة في أدراج على جوانبه أما القطع الكبيرة كالمدافع الرشاشة فتعرض أمام المحل » . أما مصادر التصنيع فمتنوعة أبرزها الروسية والأمريكية والصينية وهناك التشيكية والبرازيلية والفرنسية والبريطانية والأسبانية والكورية ، والأسعار تبدأ للمسدس من 50 دولاراً وتنتهي بالكلاشنكوف الروسي ب500 دولار . والآن بعد هذا المشهد العام حول الأسلحة في اليمن مفهومها وحجمها نأتي إلى موقف القانون من عملية حيازة وتداول الأسلحة . حق حيازة الأسلحة : لا يحرم القانون اليمني حيازة الأسلحة النارية من قبل المواطنين ، بل يعتبره حقاً لهم . وتنص المادة (9) من قانون تنظيم حمل الأسلحة على ما يلي : « يحق لمواطني الجمهورية حيازة البنادق والبنادق الآلية والمسدسات وبنادق الصيد اللازمة لاستعمالهم الشخصي مع قدر من الذخيرة لها لغرض الدفاع الشرعي » . إن هذه المادة تعطي الحق المطلق لحمل الأسلحة وحيازتها دون تحديد أو ربطها بترخيص مسبق ، كما أن العدد لم يحدد للأسلحة بحيث يحق لمواطني الجمهورية حيازة البنادق والبنادق الآلية ، هكذا دون تحديد كأن يقول قطعة سلاح واحدة ، وحتى في عدد الذخيرة يبقى النص مفتوحاً بقوله مع قدر من الذخيرة لغرض الدفاع الشرعي ، وهذا القدر يخضع لمفهوم المواطن الذي يرى بصناديق الذخيرة ( قدراً لا بأس به ) وبدا واضحاً من القانون ، إطلاق حق حمل الأسلحة وحيازته كحق أساسي ، ولم ينظم عملية حمله إلا في حدود العاصمة ، والمدن الرئيسية فقط ، وبالتالي فالقانون من أجل تنظيم حمل السلاح وليس منع حمل السلاح . ومن اسم القانون ندرك أن السلاح في اليمن لا يدخل في دائرة المنع فالقانون أتى لينظم السلاح وليس ليمنع حمل السلاح وحدد القانون هدفه بما يلي : « تنظيم حمل الأسلحة الشخصية في عواصم المحافظات والمدن والإتجار بها في الجمهورية ». الفقرة (1) من المادة (3) . ويظهر من نص القانون أن الإطار الجغرافي الذي تم تحديده لتنظيم حمل السلاح وإخضاعه لسلطة القانون محصور في عواصم المحافظات والمدن ، وبهذا يكون الريف كله غير خاضع للقانون بنص هذه المادة ، كما أن المادة العاشرة من القانون حددت بشكل واضح هذه النقطة حيث نصت على ما يلي : «يحظر على أي شخص يحوز سلاحاً نارياً حمله في العاصمة صنعاء ، وعواصم المحافظات والمدن التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير إلا بترخيص من سلطة الترخيص ساري المفعول » . ولم يصدر قرار من الوزير يحدد المدن التي يحظر فيها السلاح إلا بترخيص ، حتى الآن رغم صدور القانون في 30 مايو 1992م ولكن يمكن إدراك ذلك من تقسيم الإدارة المحلية في اليمن ، أن هناك 20 محافظة لها عواصم رئيسية ، مع مدن رئيسية لا يمكن أن تمثل في أحسن الأحوال 40 % وبحسب إحصاء عام 1994م فإن عدد المديريات أي المدن الصغيرة 226 مديرية بينما عدد القرى 37598 قرية وعلى كل فإن سكان الحضر لا يزيد على 25 % . انتشار الأسلحة وخطورتها على حقوق الإنسان : يمثل حق الحياة أبرز وأهم حقوق الإنسان، ويمكن للمرء أن يفقد حياته ليس بسبب الطغيان ولكن بالقتل العمد ، وعدم شعور المرء بالأمان على حياته ، لذلك سأربط هنا بين ظاهرة انتشار الجرائم التي تم فيها استخدام السلاح الناري ، وبين انتشار حمل السلاح كتقليد يمني ، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى وقوع 45 ألف جريمة استخدم فيها السلاح الناري خلال الأعوام الأربعة الأخيرة منها ( 611 ) جريمة قتل سجلت في عام واحد مما يجعل ظاهرة حمل السلاح في اليمن غير مستحبة (3) . وفي تقرير إحصائي آخر يذكر أن عدد الجرائم التي حدثت في عام 1999م وصل إلى ستة عشر ألف جريمة حيث ذكرت إحصائيات صادرة عن وزارة الداخلية أن الجرائم المسجلة خلال عام 1999 بلغت 16517 جريمة . بزيادة 2877 جريمة عن عام 1998 ورصدت البيانات الرسمية ما يزيد على 1200 جريمة قتل حدثت خلال عام 1999 ، و 102 حرب قبلية ، و 107 جرائم اختطاف ، و 155 حالة انتحار . بتحليل الأرقام السابقة نجد أن حمل السلاح وسهولة الحصول عليه أمر ساعد على انتشار الجريمة والعنف ، وبرغم أن الثقافة اليمنية والتقاليد تربي المرء على اعتبار السلاح جزءاً من الشخصية والعادات وليس وسيلة للعنف والقتل، وأنه لا يستخدم إلا في حالة الدفاع القصوى أو لحماية الشرف ورد العدوان، إلا أن ظاهرة تزايد حوادث القتل والحروب القبلية يمكن رد أبرز أسبابها لتوفر السلاح وسهولة انتشاره وعدم وجود رادع قانوني حاسم في منع تداوله . إن عدم صدور قانون جديد يشدد العقوبة سببه مقاومة قوى مؤثرة في البرلمان والتجمعات السياسية حالت دون خروج مشروع قانون حمل السلاح الجديد الذي لا يزال حتى الآن مجرد مشروع لم يستطع البرلمان اليمني إصداره ، ويبقى قانون تنظيم حمل السلاح رقم (40) لسنة 1992 الساري المفعول، قانوناً متساهلاً، ويعطي الغطاء التشريعي لاستمرار ظاهرة انتشار حمل السلاح في اليمن . مقترحات لمواجهة الظاهرة : إن عملية مواجهة ظاهرة حمل السلاح في اليمن تحتاج إلى جهد متواصل أكثر منه قرار سياسي محدود الأثر . فالعملية تمر بمشكلات قانونية ، عوائق ثقافية واجتماعية عديدة . ومن هنا لابد من حل هذه المشكلات مع ربطها بوجود إدارة سياسية حقيقية العوائق القانونية : - لابد من إعادة النظر في القانون الحالي ، وسن تشريعات تؤكد تحريم حمل السلاح وليس تنظيم السلاح وليكن عبر مراحل مختلفة تبدأ بالمدن الرئيسية ولكن بتطبيقه على كافة المستويات بما فيها الشخصيات الحكومية والسياسية والاجتماعية . - تنفيذ سلطة القانون بجدية أكثر وتقليص جهات منح التراخيص . العوائق الثقافية والاجتماعية : لابد من تبني مفهوم أن الشخصية الوطنية لا تعني بالضرورة تكاملها وتميزها بحمل السلاح الناري ، الذي انتشر أصلاً في العقود الأربعة الماضية بسبب الحروب المتعددة في اليمن ، سواءً من أيام ثورة 1962 أو حرب الاستقلال عام 1967 ، أو النزاعات الداخلية المسلحة التي عانت منها اليمن خلال أعوام 72 ، 79، 86 ، 94 . وبالتالي فانتشار السلاح ناتج عن ظروف غير مستقرة وحروب داخلية ، هي ليست واردة الآن. - ضرورة تبني سياسة نشر الوعي في المجتمع، بخطورة السلاح وعدم جدواه، وأنه ليس مثالاً للرجولة أو الفروسية أو التقاليد الحميدة ! . - نشر الوعي بخطورة السلاح وتداوله ، من خلال تعريف المجتمع بحجم كارثة الجرائم ، والحروب القبلية. نقلاً عن شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للحد من سوء استخدام الاسلحة الصغيرة ❊ مدير مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان - اليمن