بدت تعز وصنعاء يوم الأربعاء مثل بقعة دم كبيرة بفع ل ما سفحته قوات علي عبدالله صالح من دماء المحتجين المسالمين بوحشية غير معهودة لهاثاً وراء مصير غير مخزٍ، بات في حكم المستحيل. لم يحدث أن واجهت قوات أمنية محتجين عزلاً بالرشاشات الثقيلة المضادة للطائرات إلا في عهد علي صالح الذي يؤمن أن تسيير مظاهرة يعني بالضرورة إراقة دم لذلك يقول مراراً في خطاباته إنه يعمل على نقل السلطة دون إراقة دماء. وحين ينجلي غبار المظاهرات السلمية عن بضعة شهد اء ومئات المصابين يتضح سر اقتران السلطة بحديث الدم عند صالح. من غير المعقول أن رئيس النظام المترنح تحت ثورة شعبية هائلة مازال يؤمل في الاستمرار بالحكم سواء عبر إلهاء العملية السياسية فترة إضافية أو التعويل على فض جموع الشعب التي تتحفز لابتداع نهاية لائقة بالثورة وتضحياتها الغالية. ومثل ذلك، الرهان على توسيع بقعة الدم وإظهار مزيد من الوحشية في الفتك بالمواطنين أملاً في ترهيبهم حتى يعودوا إلى منازلهم فهذا لن يفت في عضدهم بل يذكي الثورة والتحدي في نفوسهم. أما التفكير بأن الحل في توسيع بقعة الدم فمعناه الانتحار إذ كل الطغاة غرقوا وسط برك الدم التي أجروها. من المحال الفكاك من لعنة الدم كما ليس سهلاً الإفلات من إدانته سواء في الداخل حيث تجاوز القتلة نقطة التسامح أو في الخارج المحكوم بمصالح شديدة التقلب. يبدو إلى الآن أن النظام اليمني قد بلغ الحد الذي تحرك عنده المجتمع الدولي حين بلغه النظام الليبي قتلاً وجرحاً في مواطنيه ما يعني أن الضمير الدولي والإقليمي واقع تحت ابتلاء الضحايا اليمنيين وهو امتحان نزيه من فقراء لا تعوم بلادهم على بحيرة من النفط وليست ملتقى للمصالح الدولية المتشابكة. وغير كثير على العواصم الكبرى فهم أن تحسين وجه العالم والتخلص من النزاعات والإرهاب يبدأ بتخليصه من الدكتاتوريات المأفونة بالتسلط والقتل ومساعدة الشعوب الطامحة لإقامة مجتمعات ديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وهي تعرف هذا جيداً غير أن الامتحان يكمن هنا: الاختيار بين الانحياز للمصالح المصبوغة بدماء المستضعفين أو لحقوق الشعوب المقدسة إذ مهما قيل عن ارتباط السياسة العالمية بالمصالح لكن هذا لا يعني القتل على "مرأى ومسمع" العالم المتحضر