يتساءل البعض عن المكاسب التي حققتها الثورة السلمية المباركة منذ انطلاقتها وحتى اليوم في ظل تأخر الحسم النهائي وتحقق الهدف الرئيسي للثورة والمتمثل في سقوط النظام، ومبعث هذا التساؤل هو أن هناك من يعتبر المكسب الوحيد الذي يمكن أن تحققه الثورة هو رحيل الرئيس وما يستتبع ذلك من سقوط النظام الحالي القائم على الظلم والمحاباة والديمقراطية الشكلية وقيام نظام جديد قائم على الحرية والعدل والديمقراطية الحقة والمواطنةالمتساوية، وهذا وإن كان بالفعل هو الهدف الرئيسي والمكسب العظيم الذي ينتظر الجميع تحققه إلا أن من الخطأ بل ومن الإجحاف الكبير اختزال الثورة في هذا الهدف وما يستتبع ذلك من التهوين من كل مكسب يمكن أن يتحقق في طريق تحقق الهدف الأساسي والمنشود. إن هذه الثورة المحروسة بعناية المولى عز وجل والمحفوفة بهذا الزخم الشعبي المنقطع النظير والمدعمة بالتأييد الإقليمي والدولي قد أنجزت العديد من المكاسب وحققت الكثير من الأهداف والتي لا تقتل في أهميتها عن الهدف الأساسي المتمثل في سقوط النظام بل أكاد أجزم أن هذا الهدف أيضا قد تحقق وإن بشكل غير معلن على الأقل أمام العالم الخارجي، أما نحن اليمنيون فنحن نعيش هذا الأمر ونلحظه بجلاء ولا يخالف هذا إلا إنسان مكابر. أقول لقد حققت ثورة الشباب السلمية إلى الآن العديد من المكاسب التي يطول سردها ولكن سأكتفي في هذه السانحة بسرد بعضها كون المقام هنا لا يسمح بسرد جميع الانجازات التي تحققت لأنها من الكثرة بحيث لا يمكن لمقال واحد أن يستوعبها، وأولى هذه الانجازات هي تلك الصورة المشرقة التي رسمتها هذه الثورة عن الإنسان اليمني أمام العالم الخارجي والذي كان إلى ما قبل قيام هذه الثورة ينظر إلى الفرد اليمني نظرة ازدراء واحتقار باعتباره ذلك الشخص المتخلف الذي لا يستطيع أن يطالب بحقوقه إلا من خلال العنف، هذه النظرة السوداوية التي ساهم في رسمها هذا النظام المتهالك لازمت المواطن اليمني أينما اتجه، فجاءت هذه الثورة لتثبت للعالم أجمع أن الإنسان اليمني قد بلغ من الوعي درجة تمكنه من انتزاع حقوقه بالطرق السلمية وبعيدا عن أساليب العنف والإرهاب، الأمر الذي عكس الصورة تماما أمام أنظار كل المراقبين للشأن اليمني اليوم، ولعل من يعيش خارج اليمن كما هو الحال معي كوني مقيم في الجزائر يدرك هذه الحقيقة أشد الإدراك ويلمسها عن قرب. وإلى جانب ذلك فقد حققت هذه الثورة أيضا مكسبا أخر لا يقل أهمية عن سابقه وهو هذه اللوحة البديعة من التلاحم والتفاهم والإخاء والمودة التي ارتسمت على جميع مكونات المشهد الثوري والتي راهن البعض بأن طول فترة الثورة وتأخر الحسم سيكون كافيا في تقصير أمد هذا التفاهم وتفكيك عرى ذلك التلاحم وذهاب روح ذلك الإخاء وتعكير صفو تلك المودة، وعمل أولئك المأزومون على تشويه تلك اللوحة الجميلة من خلال محاولة بث أسباب الشقاق والخلاف بين الصفوف وتغذيتها وإذكاء روح الفتنة في أوساط الشباب الحر الثائر، ولكن تلك المحاولات اليائسة أصدمت بجدار الوعي العالي والعميق الذي تحلى به هؤلاء الشباب الأبطال فما زادتهم تلك الدسائس إلا حرصا على تعميق إخوتهم والحفاظ على مودتهم، وها هم اليوم يسطرون بتلاحمهم و واحدة من أبدع الملاحم الثورية على مر التاريخ، وهو ما يجعلنا نشعر بالارتياح والطمأنينة لما سيؤول إليه حال اليمن بعد هذه الثورة المجيدة وزوال هذا النظام المهترئ، لكي نرى يمنا يكون الجميع فيه صفا واحدا هدفهم هو النهوض بهذه البلدة الطيبة وعودة السعادة التي لازمت اليمن السعيد قرونا عديدة.. هذا ما نحلم به وهو ما سيتحقق بإذن الله. * أكاديمي يمني مقيم بالجزائر.