رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    شعب الجنوب أستوعب صدمة الاحتلال اليمني وأستبقى جذوة الرفض    فلنذكر محاسن "حسين بدرالدين الحوثي" كذكرنا لمحاسن الزنداني    ليس وقف الهجمات الحوثية بالبحر.. أمريكا تعلنها صراحة: لا يمكن تحقيق السلام في اليمن إلا بشرط    شيخ بارز في قبضة الأمن بعد صراعات الأراضي في عدن!    الحوثيون يراهنون على الزمن: هل ينجحون في فرض حلولهم على اليمن؟ كاتب صحفي يجيب    أنباء غير مؤكدة عن اغتيال " حسن نصر الله"    الأمل يلوح في الأفق: روسيا تؤكد استمرار جهودها لدفع عملية السلام في اليمن    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    "بعد وفاته... كاتبة صحفية تكشف تفاصيل تعرضها للأذى من قبل الشيخ الزنداني ومرافقيه!"    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    دوري ابطال آسيا: العين الاماراتي الى نهائي البطولة    تشييع مهيب للشيخ الزنداني شارك فيه الرئيس أردوغان وقيادات في الإصلاح    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    كلية القيادة والأركان بالعاصمة عدن تمنح العقيد أديب العلوي درجة الماجستير في العلوم العسكرية    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    مفسر أحلام يتوقع نتيجة مباراة الهلال السعودي والعين الإماراتي ويوجه نصيحة لمرضى القلب والسكر    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    رئيس مجلس القيادة يجدد الالتزام بخيار السلام وفقا للمرجعيات وخصوصا القرار 2216    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    لابورتا بعد بيان ناري: في هذه الحالة سنطلب إعادة الكلاسيكو    انقطاع الشريان الوحيد المؤدي إلى مدينة تعز بسبب السيول وتضرر عدد من السيارات (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    قيادي حوثي يقتحم قاعة الأختبارات بإحدى الكليات بجامعة ذمار ويطرد الطلاب    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    ميلشيا الحوثي تشن حملة اعتقالات غير معلنة بصنعاء ومصادر تكشف السبب الصادم!    برئاسة القاضية سوسن الحوثي .. محاكمة صورية بصنعاء لقضية المبيدات السامة المتورط فيها اكثر من 25 متهم    دعاء مستجاب لكل شيء    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    عودة الزحام لمنفذ الوديعة.. أزمة تتكرر مع كل موسم    رئيس مجلس النواب: الفقيد الزنداني شارك في العديد من المحطات السياسية منذ شبابه    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكرى ال35 لوفاة رائد الاشتراكية العلمية في اليمن «عبدالله باذيب»
نشر في إخبارية يوم 16 - 08 - 2011


اليساري العملاق والإنسان الذي لا يُنسى
الذكرى ال35 لوفاة رائد الاشتراكية العلمية في اليمن «عبدالله باذيب»
تصادف اليوم الثلاثاء ال16 من أغسطس الذكرى ال35 لوفاة القائد اليساري العملاق والمثقف الكبير الأستاذ عبد الله عبد الرزاق باذيب.
خلَّف رائد الاشتراكية العلمية في اليمن في عمره القصير (45) تراثاً ثقافياً وفكريا وسياسياً غنياً، وتاريخياً نضالياً ناصعاً، حري بكل الوطنيين والثوريين في اليمن، وتحديداً المنتسبين لليسار التقدمي, أن يتمثلوا هذا التراث الفكري والتاريخ النضالي، وأن يتقدموا بمشروعهم الحقيقي المتميز في أدق مرحلة من مراحل النضال الثوري.
***
ولد الأستاذ عبدالله عبدالرزاق باذيب في منطقة الشحر بمحافظة حضرموت في 1931 وتوفي في 16 آب (أغسطس) 1976 إثر نوبة قلبية.
تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في عدن، واضطر إلى ترك السنة النهائية قي المرحلة الثانوية لظروف أسرته الصعبة. وعلى الرغم من ذلك تمكن عبدالله باذيب بالاستناد إلى ثقافته الذاتية أن يلفت الأنظار إليه في الوسط الثقافي والاجتماعي وهو ما يزال طالباً. وتنوعت قراءاته بين الأدب والتاريخ والفلسفة والسياسة.
في عام 1949 أصدر مجلة «المستقبل» الشهرية وهو في السنة الأولى من المدرسة الثانوية، وكان المحرر الرئيس في المجلة. واتسمت «المستقبل» بمستوى رفيع في اللغة والمضمون الأمر الذي جعلها تقف في مصاف المجلات الثقافية والأدبية التي كانت تصدر في الوطن العربي في ذلك الوقت. ومثلت «المستقبل» مرحلة مهمة في حياة عبدالله باذيب بما عكسته من طموح في تجديد الحياة الأدبية والثقافية والاجتماعية بعيداً عن أنماط التفكير التقليدية، الأمر الذي جعلها تواجه بحملات مضادة من الأوساط المحافظة وبعض المتاجرين بالدين لكنها مضت في خطها غير عابئة بكل ذلك، إلا أنها اضطرت إلى التوقف بعد عامين ونَيف من صدورها.
عمل عبدالله باذيب بعد ذلك محرراً في صحيفة «النهضة» ثم سكرتيراً لتحريرها, وكانت أشهر الصحف الأسبوعية التي تصدر حينذاك.
وفي هذه الفترة برز اسم باذيب كاتباً سياسياً مرموقاً ومفكراً وطنياً تقدمياً يتسم بوضوح الرؤية وبعد النظر واستشراف المستقبل، إضافة إلى أسلوبه اللاذع. لم تتحمل السلطات الاستعمارية البريطانية كتاباته بما حملته من مفاهيم وطنية جذرية، فما إن نشر مقاله «المسيح الجديد الذي يتكلم الإنجليزية» الذي يرد فيه على الكتابات التي كانت تدعو في تلك الفترة (1955) إلى التعايش مع الحكام حتى اعتقلته السلطات وقدمته للمحاكمة بتهمة «إثارة الكراهية والعداء ضد الحكومة وبين طوائف وطبقات السكان». وقوبل هذا الإجراء بغضب شديد في أوساط واسعة من الشعب، وتنادت كثير من الشخصيات الوطنية والمنظمات السياسية للوقوف ضد المحاكمة. وعقدت المحاكمة وسط تظاهرات وحشود للجماهير، وهو أمر لم تشهده مدينة عدن من قبل. وأرغمت ردَة الفعل الشعبية المحكمة على أن تصدر حكماً مخففاً في القضية. على أن المحاكمة شكلت نقطة تحول في مسار الحركة السياسية الناشئة، وكانت مؤشراً قوياً لنهوض سياسي أخذت ملامحه تبرز بعد عام واحد فقط من هذه المحاكمة.
أولى باذيب في منتصف الستينات اهتماماً خاصاً لتنمية الوعي السياسي والفكري للمجاميع العمالية والنقابية الناشئة وتوجيهها لتنظيم صفوفها، وعندما شعر أن السلطات تنوي نفيه خارج عدن، بعد أن تسربت معلومات حول هذا الموضوع، قرر الخروج إلى تعز في شمال اليمن في أواخر 1958. ومن هناك أخذ يواصل نشاطه السياسي والفكري من خلال إصدار صحيفته «الطليعة». وبالرغم من كل الصعوبات التي واجهها في مستقره الجديد إلا أنه مضى بدأب وإصرار يحمل لواء الدعوة لوحدة كل القوى الوطنية من أجل مواجهة المشاريع المشبوهة المطروحة حينذاك والتي تمثلت في «اتحاد إمارات الجنوب» و«الحكم الذاتي لعدن» وربطها بعلاقات أوثق بالاتحاد، وتعزيز القواعد العسكرية في المنطقة، إضافة إلى التسلل الاقتصادي والسياسي الأميركي في الشمال. وبعد فترة قصيرة من صدورها (13 عدداً) أغلقت السلطات الصحيفة بتحريض من الدوائر المرتبطة بالمصالح الأميركية.
كان العمل الصحفي هو الغالب على نشاط عبدالله باذيب في البداية، وتعددت الصحف التي عمل بها لفترات قصيرة: «النهضة»، «البعث»، «الفجر»، «الجنوب العربي» و«الفكر» إلى جانب إسهامه في تحرير صحف أخرى, وفي كل مرَة كان يترك هذه الصحف بعد وقت قصير من العمل فيها إما لخلاف مع أصحابها أو لغلقها من قبل السلطة.
ما إن عاد عبدالله باذيب إلى عدن عام 1962 حتى بدأ يفكر جدياً في تأسيس تنظيم سياسي بعد أن أخذ التوجه الذي عمل من أجله يبرز كتيار نامٍ مؤثر في الحركة السياسية، وفي 22 أكتوبر من نفس العام تأسس «الاتحاد الشعبي الديمقراطي» بقيادته لتبدأ مرحلة نوعية جديدة في حياته الحافلة بالأحداث الهامة.
كان «الميثاق الوطني» للحزب هو أول برنامج سياسي في تاريخ الحركة اليمنية يعلن الاسترشاد بمبادئ الاشتراكية العلمية كدليل للعمل، على أن «الميثاق» نصّ على أهمية الاستناد في تحديد مهمات الحزب الجديد إلى واقع البلاد وخصائص ظروفها وطبيعة المرحلة التي تمر بها. كما أن من أبرز ما ميَز التنظيم الجديد شعاره «نحو يمن ديمقراطي موحد» وبذلك كان قي طليعة التنظيمات اليمنية التي أكدت على وحدة الشعب اليمني وعلى الطابع الديمقراطي لهذه الوحدة. وعدّ «الميثاق» الاستعمار هو «العدو الأساسي والأشد خطراً… وإليه يجب أن توجه الضربة الرئيسية».
فور قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962، سارع عبدالله باذيب إلى تأييدها بمختلف السبل, وأصدر التنظيم الذي يرأسه بيانًا يحدد الأهداف والمهام التي تنتصب أمام الثورة الوليدة، فأكد البيان أن «المهمة الرئيسية المطروحة الآن أمام شعبنا هي صيانة الجمهورية الفتية وضمان سيرها في طريق التطور الوطني المستقل». وأكد البيان بصورة خاصة على أن من أبرز مهام الثورة مساندة الشعب في الجنوب في نضاله ضد الاستعمار.
في عام 1963 اعتقل عبدالله باذيب مع عدد من العناصر الوطنية القيادية البارزة إثر حادث إلقاء قنبلة في مطار عدن على المندوب السامي البريطاني وبعض السلاطين، ثم أفرج عنهم جميعًا تحت ضغط الرأي العام المحلي والدولي.
عندما قامت ثورة 14 أكتوبر المسلحة في جنوب اليمن كان عبدالله باذيب من أوائل الذين أيدوا الثورة, فهو قد رأى فيها طريق الخلاص الحقيقي من الاستعمار، وأدرك منذ وقت مبكر أن الثورة تملك كل شروط البقاء والانتصار.
أصدر عبدالله باذيب، في هذه الفترة صحيفة «الأمل» في يونيو 1965، واستخدم هذه الإمكانية بذكاء وفعالية لمصلحة الثورة، وقد دفع هذا بعض القوى المناوئة لتنظيم الثورة إلى إحراق مطبعة الأمل؛ ونتيجة لذلك توقفت عن الصدور.
في يناير 1968 أي عقب الاستقلال مباشرة أصدر عبدالله باذيب وثيقة تحليلية هامة بعنوان «وجهة نظر حول المرحلة الراهنة – ثورة 14 أكتوبر .. طبيعتها.. مهماتها.. وآفاق المستقبل»، واعتبرت الوثيقة أن المهمة الرئيسية للثورة، بوصفها ثورة تحررية ديمقراطية، هي إقامة حكم وطني ديمقراطي أساسه تحالف قوى الشعب العاملة. وفي هذه الوثيقة طرح باذيب، لأول مرة بعد الاستقلال، ضرورة وحدة كل القوى السياسية المتقدمة.
منذ الأيام الأولى للاستقلال لم يكف عبدالله باذيب عن التحذير من أية محاولة للاستئثار بالعمل الوطني واحتكار العمل السياسي، كما فعلت عدد من «الحركات الثورية» في بعض دول العالم الثالث، الأمر الذي أعاق تطور الثورة في تلك البلدان في الاتجاه الصحيح. وبالفعل حدث ما كان يتوقعه عبدالله باذيب عندما حاول عدد من القادة العسكريين مع بعض العناصر في التنظيم الحاكم للاستحواذ على السلطة فيما عرف حينذاك ب «حركة 20 مارس1968» واعتقل جَراء هذه المحاولة باذيب مع عدد كبير من قادة اليسار في التنظيم الحاكم, غير أن الحركة فشلت في تحقيق أهدافها وأفرج عن جميع المعتقلين.
بعد خطوة «22 يونيو التصحيحية 1969» ووصول يسار الجبهة القومية إلى السلطة، اتخذت عدد من الخطوات للانفتاح على بعض القوى السياسية الأخرى. وفي منتصف 1970 بدأ الحوار الفعلي بين الأحزاب الثلاثة: «الجبهة القومية»، «الاتحاد الشعبي الديمقراطي» و«حزب الطليعة الشعبية». ولعب باذيب دورًا رئيسًا في مناقشة وبلورة الصيغة التوحيدية الملائمة والممكنة في تلك الظروف حتى تكلل هذا الحوار بالتوقيع على اتفاق 5 فبراير 1975 الذي وضع أسس وحدة الفصائل الثلاث.
تولى باذيب وزارة التربية والتعليم في نهاية عام 1969، وخلال توليه الوزارة أسهم في حل عدد من المشكلات المتعلقة بالتعليم الأهلي وألحقه بالوزارة من حيث الإشراف والتوجيه وأعفى طلبته من الرسوم. كما تحققت للمدرسات إجازة الولادة مدفوعة الأجر، وأنشئت الإدارة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، وتأسست أول كلية للتعليم العالي وهي كلية التربية العليا التي غدت فيما بعد نواة جامعة عدن.
في عام 1972 عين عبدالله باذيب وزيرًا للثقافة والسياحة التي كانت مجرد إدارة صغيرة للثقافة. وخلال فترة قصيرة تحولت هذه الإدارة إلى وزارة وصار لها كثير من المشاريع في مجالات الآثار والدورات الأكاديمية والفنون بمختلف أنواعها، وفي عهده أنشئ لأول مرة المسرح الوطني وأول معهد للموسيقى والفنون الشعبية.
بعد قيام التنظيم السياسي الموحد – الجبهة القومية – انتخب عبدالله باذيب عضوًا في لجنته المركزية والمكتب السياسي وسكرتيرًا للثقافة والإعلام. وكان همّ الفقيد الرئيس في سنواته الأخيرة إرساء أساس متين للعمل الأيديولوجي في الحياة الداخلية للتنظيم السياسي.
لا يمكن للمرء وهو يستعرض حياة الفقيد السياسية إلا أن يتوقف أمام نضاله من أجل السلم العالمي, ومع تبلور رؤيته السياسية والاشتراكية منذ أواسط الخمسينيات أخذ اهتمامه بقضية السلم يزداد ترسخًا وغدا نشاطه في هذا المجال جزءًا لا يتجزأ من نضاله الوطني والاجتماعي. وفي عام 1968 شكل عبدالله أول لجنة يمنية للسلم، واختير في نفس العام عضوًا في مجلس السلم العالمي وفي 1974 عضوًا في الهيئة الرئاسية للمجلس؛ تتويجًا لدوره البارز في النضال من أجل مثل السلم والتحرر والتقدم.
***
عبد الله باذيب.. الإنسان الذي لا يُنسى *
عبد الرحمن عبد الخالق**
النبوغ أعلن عنده مبكراً..
فتى – كان عبد الله – لم يتجاوز العشرين عاماً عندما خاض غمار الكتابة، حتى أن معلمه الأستاذ إبراهيم روبله، قال فيه قبل ذلك: «ما كنت أرضى له بأقل من الدكتوراه».
تصدى عبد الله باذيب باقتدار لقضايا أدبية وثقافية رفيعة من خلال (المستقبل) الصادرة في 1949م، المجلة التي سجلت – حينها – بأعدادها القليلة حضوراً لافتاً في الحياة الثقافية والأدبيَّة في عدن.
بشرت (المستقبل) بمستقبل زاهر للفتى عبد الله عبد الرزاق باذيب، وبآتٍ جديدٍ ومتقدمٍ، بكل ما تعنيه كلمتي جديد ومتقدم من معنى جليل.
وكان الرائد لا يَكذِبُ أهله…
وككل العظماء لم يرتهن عبد الله باذيب للسكون ولم يُسلَّم بالثابت، بل راح يبحث عن طريق يفضي به لتفسير ما حوله وتغييره، فكان أن اهتدى إلى الفكر الاشتراكي العلمي؛ هذا الفكر الإنساني الخلاَّق، الذي قاده إلى تجنيد قلمه وتوظيفه لمصلحة السواد الأعظم من الناس التواقين لحياة كريمة «ماذا أريد؟ ولمن أكتب؟ وفي سبيل أن أجد الجواب على هذه الأسئلة كلها أمضيت سنة لم أكتب فيها شيئًا».. سنة وبعض سنة راح عبد الله باذيب يقرأ فيها الكتب الجذرية حسب وصفه «كنت أبحث عن نفسي حتى وجدتها، وأريد اليوم أن أحققها», هذا ما كتبه في صحيفة (البعث) عام 1955م…
حدد عبد الله باذيب خياره بالانحياز إلى «الجموع الكادحة العاملة من أجل الحرية والعدل والسلام».. وبقى وفيًا لها إلى أن توقف قلبه عن الخفقان في 6 أغسطس 1976م.
عبد الله باذيب.. رجل استثنائي ومثقف عضوي.. لا فصل عنده بين النظرية والتطبيق، بين القول والعمل، الكلمة عنده صنو للفعل.. كتب قائلا: «إن المبادئ معزولة عن الأشخاص مجرد جثث هامدة، وأطياف غير منظورة تتحرك في اللاشيء»..
وعبد الله باذيب.. كاتب قل نظيره من حيث سلاسة العبارة وعمق الفكرة ووضوحها وجمال اللغة وطراوة الأسلوب..
هو القائد الفذ…
نعم يوجد رجل كهذا.. فلنتعلم منه.. لنتذكره دوما…
* نُشر في صحيفة «الثوري», أغسطس 2007م، أعيد نشره بتصرف محدود.
**الرئيس السابق لفرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بعدن.
***
في ذكرى الفقيد العظيم عبد الله باذيب *
نشوان محمد العثماني**
تمر ذكرى رحيل أحد رجالات اليمن المخلدين في التاريخ بسجل ناصع ومشوار مكتظ بالبطولات بدأه منذ النصف الأول من القرن المنصرم, إلى أن وافاه الأجل في السادس عشر من أغسطس عام 1976.
فلقد كان الراحل العظيم عبد الله عبد الرزاق باذيب أحد الأفذاذ الذين ما كانوا ليرضخوا لإملاءات مستعمر, ولا لفكر متقزم, لينطلق حاملا مشروعه الفكري النهضوي الوطني الذي رافقه منذ برز على الساحة الوطنية ككاتب مأمول, وهو ما زال في سن صغيرة حاولت بنجاح أن تجتاز مسمى فارق الزمن.
ف«باذيب» المولود في مدينة الشحر بحضرموت عام 1931م, أصدر عام 1949 مجلة «المستقبل» الشهرية, وهو ما زال في سن الثامنة عشرة, إذ كان المحرر الرئيسي فيها, واستطاع أن يبلغ بها مصافى المجلات الثقافية والأدبية التي كانت تصدر على مستوى الساحة الوطنية, بل والعربية, مستندا إلى ثقافته الكبيرة التي استمدها من قراءاته المتعددة في أكثر من مجال من مجالات الفلسفة والفكر.
وعمل بعد إصدار مجلته «المستقبل» محررا في صحيفة "النهضة" قبل أن يصبح سكرتير تحريرها, وكان حينها في عدن, إلا أنه قرر الخروج إلى تعز أواخر الخمسينات وأصدر هناك صحيفة "الطليعة", قبل أن يتوقف صدروها بعد صدور 13 عددا.
وفي الثاني والعشرين من أكتوبر عام 1961, وقد عاد إلى عدن, أسس حزب "الاتحاد الشعبي الديمقراطي" رافعا شعار "نحو يمن حر ديمقراطي موحد". وكانت نقطة جوهرية في حياة باذيب, قديما, وحديثا.. كان في القديم الاستعمار وأعوانه أعداء لفكرة اليمن الموحد الحر والديمقراطي, واليوم ذات الصيغة ما زالت متواجدة باختلاف الأشخاص.. من هنا وهناك. وبعد قيام الثورة في الشطر الجنوبي من الوطن حينها, أصدر باذيب مجلة "الأمل", في يونيو 1965, استبشارا بالأمل الجديد الذي انطلقت بوادره في 1963, إلا أن القوى المعادية لهذا الأمل قامت بإحراق مطبعة المجلة ظنا منها أنها تستطيع كبح النزوع نحو التقدم, وإن كان هذا التقدم قد أصيب ببعض الانتكاسات في عدد من المراحل في وقت لاحق.
ولعل أبرز ما ميز الراحل باذيب أنه حمل مشروعا وطنيا مضى في سبيله إلى مقارعة من وقفوا عائقا أمام الثورية والتقدم, أكانوا من المستعمر البريطاني أو من أعوانه في البلد..
وقد خلد لنا التاريخ عبد الله باذيب في أكثر من محطة, وفي أكثر من سجال.. وكان المفكر الوطني الذي, ونحن به في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، كأنه يتحدث بلسان حال اليوم, والوضع المزري والحالك الذي نحن فيه.
إننا اليوم, ومع انتهاء العقد الأول من الألفية الثالثة, أحوج ما نكون لقامة فكرية ك"عبد الله باذيب"؛ لأن هذا الواقع الكئيب بحاجة ماسة لمشروع ثقافي فكري نهضوي يسعى إلى معالجة الاختلالات والاختلافات على نحو عميق, بمشاريع أكثر نطاسة في الثقافة والتنوير, وليس بالاجتزاء السياسي.
وسيظل تاريخ الراحل مشعلا للفكر ونبراسا للنور من الواجب على الأجيال الحديثة أن تستمد منه هداها الوطني والديمقراطي؛ من أجل يمن حر جديد وموحد.
ولن يفي بتاريخ وشخصية مفكرنا العظيم باذيب مقال, ولا دراسة, ولا بحث, ولا حتى مجلدات.. إنه معلم بارز, ومنارة سامقة ومنبع متجدد يكفينا شرفا أن نجعله مرجعا وأبا روحيا نستمد منه تجارب لا تعرف النضوب ولا الاضمحلال.
فأي مشعل للفكر هذا الذي انطفأ في السادس عشر من أغسطس 1976، وأي قلب قد توقف عن الخفقان؟؟.
*نقلا عن صحيفة «14 أكتوبر» وموقع «مأرب برس», 22 أغسطس, 2010, بتصرف.
**صحفي في موقع «مأرب برس».
***
* من صفحة «عبد الرحمن عبد الخالق» على ال«فيس بوك», بتصرف, باستثناء المقال الأخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.