طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    "نوخان شبوة" تُسقط شبكة مخدرات: 60 كيلو حشيش في قبضة الأمن    "طاووس الجنان" و"خادمة صاحب الزمان"...دعوة زفاف لعائلة حوثية تُثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مافيها(صورة)    الحكومة تطالب بتحرك دولي لوقف تجنيد الحوثي للأطفال تحت غطاء المراكز الصيفية    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    الدوري الاوروبي ... ميلان وليفربول يودعان البطولة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    انفجار مقذوف من مخلفات الحوثي في 3 أطفال في قعطبة    الحوثيون والبحر الأحمر.. خطر جديد على كابلات الأعماق مميز    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    تأجيل مباريات الخميس في بطولة كرة السلة لأندية حضرموت    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    عن العلامة اليماني الذي أسس مدرسة الحديث النبوي في الأندلس - قصص رائعة وتفاصيل مدهشة    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    ترحيل آلاف اليمنيين من السعودية    أضرار مادية وخسائر بشرية بسبب الفيضانات شرقي اليمن وإغلاق مدينة بالكامل    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليساري العملاق والإنسان الذي لا يُنسى
الذكرى ال35 لوفاة رائد الاشتراكية العلمية في اليمن «عبدالله باذيب»
نشر في مأرب برس يوم 16 - 08 - 2011

تصادف اليوم الثلاثاء ال16 من أغسطس الذكرى ال35 لوفاة القائد اليساري العملاق والمثقف الكبير الأستاذ عبد الله عبد الرزاق باذيب.
خلَّف رائد الاشتراكية العلمية في اليمن في عمره القصير (45) تراثاً ثقافياً وفكريا وسياسياً غنياً، وتاريخياً نضالياً ناصعاً، حري بكل الوطنيين والثوريين في اليمن، وتحديداً المنتسبين لليسار التقدمي, أن يتمثلوا هذا التراث الفكري والتاريخ النضالي، وأن يتقدموا بمشروعهم الحقيقي المتميز في أدق مرحلة من مراحل النضال الثوري.
***
ولد الأستاذ عبدالله عبدالرزاق باذيب في منطقة الشحر بمحافظة حضرموت في 1931 وتوفي في 16 آب (أغسطس) 1976 إثر نوبة قلبية.
تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في عدن، واضطر إلى ترك السنة النهائية قي المرحلة الثانوية لظروف أسرته الصعبة. وعلى الرغم من ذلك تمكن عبدالله باذيب بالاستناد إلى ثقافته الذاتية أن يلفت الأنظار إليه في الوسط الثقافي والاجتماعي وهو ما يزال طالباً. وتنوعت قراءاته بين الأدب والتاريخ والفلسفة والسياسة.
في عام 1949 أصدر مجلة «المستقبل» الشهرية وهو في السنة الأولى من المدرسة الثانوية، وكان المحرر الرئيس في المجلة. واتسمت «المستقبل» بمستوى رفيع في اللغة والمضمون الأمر الذي جعلها تقف في مصاف المجلات الثقافية والأدبية التي كانت تصدر في الوطن العربي في ذلك الوقت. ومثلت «المستقبل» مرحلة مهمة في حياة عبدالله باذيب بما عكسته من طموح في تجديد الحياة الأدبية والثقافية والاجتماعية بعيداً عن أنماط التفكير التقليدية، الأمر الذي جعلها تواجه بحملات مضادة من الأوساط المحافظة وبعض المتاجرين بالدين لكنها مضت في خطها غير عابئة بكل ذلك، إلا أنها اضطرت إلى التوقف بعد عامين ونَيف من صدورها.
عمل عبدالله باذيب بعد ذلك محرراً في صحيفة «النهضة» ثم سكرتيراً لتحريرها, وكانت أشهر الصحف الأسبوعية التي تصدر حينذاك.
وفي هذه الفترة برز اسم باذيب كاتباً سياسياً مرموقاً ومفكراً وطنياً تقدمياً يتسم بوضوح الرؤية وبعد النظر واستشراف المستقبل، إضافة إلى أسلوبه اللاذع. لم تتحمل السلطات الاستعمارية البريطانية كتاباته بما حملته من مفاهيم وطنية جذرية، فما إن نشر مقاله «المسيح الجديد الذي يتكلم الإنجليزية» الذي يرد فيه على الكتابات التي كانت تدعو في تلك الفترة (1955) إلى التعايش مع الحكام حتى اعتقلته السلطات وقدمته للمحاكمة بتهمة «إثارة الكراهية والعداء ضد الحكومة وبين طوائف وطبقات السكان». وقوبل هذا الإجراء بغضب شديد في أوساط واسعة من الشعب، وتنادت كثير من الشخصيات الوطنية والمنظمات السياسية للوقوف ضد المحاكمة. وعقدت المحاكمة وسط تظاهرات وحشود للجماهير، وهو أمر لم تشهده مدينة عدن من قبل. وأرغمت ردَة الفعل الشعبية المحكمة على أن تصدر حكماً مخففاً في القضية. على أن المحاكمة شكلت نقطة تحول في مسار الحركة السياسية الناشئة، وكانت مؤشراً قوياً لنهوض سياسي أخذت ملامحه تبرز بعد عام واحد فقط من هذه المحاكمة.
أولى باذيب في منتصف الستينات اهتماماً خاصاً لتنمية الوعي السياسي والفكري للمجاميع العمالية والنقابية الناشئة وتوجيهها لتنظيم صفوفها، وعندما شعر أن السلطات تنوي نفيه خارج عدن، بعد أن تسربت معلومات حول هذا الموضوع، قرر الخروج إلى تعز في شمال اليمن في أواخر 1958. ومن هناك أخذ يواصل نشاطه السياسي والفكري من خلال إصدار صحيفته «الطليعة». وبالرغم من كل الصعوبات التي واجهها في مستقره الجديد إلا أنه مضى بدأب وإصرار يحمل لواء الدعوة لوحدة كل القوى الوطنية من أجل مواجهة المشاريع المشبوهة المطروحة حينذاك والتي تمثلت في «اتحاد إمارات الجنوب» و«الحكم الذاتي لعدن» وربطها بعلاقات أوثق بالاتحاد، وتعزيز القواعد العسكرية في المنطقة، إضافة إلى التسلل الاقتصادي والسياسي الأميركي في الشمال. وبعد فترة قصيرة من صدورها (13 عدداً) أغلقت السلطات الصحيفة بتحريض من الدوائر المرتبطة بالمصالح الأميركية.
كان العمل الصحفي هو الغالب على نشاط عبدالله باذيب في البداية، وتعددت الصحف التي عمل بها لفترات قصيرة: «النهضة»، «البعث»، «الفجر»، «الجنوب العربي» و«الفكر» إلى جانب إسهامه في تحرير صحف أخرى, وفي كل مرَة كان يترك هذه الصحف بعد وقت قصير من العمل فيها إما لخلاف مع أصحابها أو لغلقها من قبل السلطة.
ما إن عاد عبدالله باذيب إلى عدن عام 1962 حتى بدأ يفكر جدياً في تأسيس تنظيم سياسي بعد أن أخذ التوجه الذي عمل من أجله يبرز كتيار نامٍ مؤثر في الحركة السياسية، وفي 22 أكتوبر من نفس العام تأسس «الاتحاد الشعبي الديمقراطي» بقيادته لتبدأ مرحلة نوعية جديدة في حياته الحافلة بالأحداث الهامة.
كان «الميثاق الوطني» للحزب هو أول برنامج سياسي في تاريخ الحركة اليمنية يعلن الاسترشاد بمبادئ الاشتراكية العلمية كدليل للعمل، على أن «الميثاق» نصّ على أهمية الاستناد في تحديد مهمات الحزب الجديد إلى واقع البلاد وخصائص ظروفها وطبيعة المرحلة التي تمر بها. كما أن من أبرز ما ميَز التنظيم الجديد شعاره «نحو يمن ديمقراطي موحد» وبذلك كان قي طليعة التنظيمات اليمنية التي أكدت على وحدة الشعب اليمني وعلى الطابع الديمقراطي لهذه الوحدة. وعدّ «الميثاق» الاستعمار هو «العدو الأساسي والأشد خطراً... وإليه يجب أن توجه الضربة الرئيسية».
فور قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962، سارع عبدالله باذيب إلى تأييدها بمختلف السبل, وأصدر التنظيم الذي يرأسه بيانًا يحدد الأهداف والمهام التي تنتصب أمام الثورة الوليدة، فأكد البيان أن «المهمة الرئيسية المطروحة الآن أمام شعبنا هي صيانة الجمهورية الفتية وضمان سيرها في طريق التطور الوطني المستقل». وأكد البيان بصورة خاصة على أن من أبرز مهام الثورة مساندة الشعب في الجنوب في نضاله ضد الاستعمار.
في عام 1963 اعتقل عبدالله باذيب مع عدد من العناصر الوطنية القيادية البارزة إثر حادث إلقاء قنبلة في مطار عدن على المندوب السامي البريطاني وبعض السلاطين، ثم أفرج عنهم جميعًا تحت ضغط الرأي العام المحلي والدولي.
عندما قامت ثورة 14 أكتوبر المسلحة في جنوب اليمن كان عبدالله باذيب من أوائل الذين أيدوا الثورة, فهو قد رأى فيها طريق الخلاص الحقيقي من الاستعمار، وأدرك منذ وقت مبكر أن الثورة تملك كل شروط البقاء والانتصار.
أصدر عبدالله باذيب، في هذه الفترة صحيفة «الأمل» في يونيو 1965، واستخدم هذه الإمكانية بذكاء وفعالية لمصلحة الثورة، وقد دفع هذا بعض القوى المناوئة لتنظيم الثورة إلى إحراق مطبعة الأمل؛ ونتيجة لذلك توقفت عن الصدور.
في يناير 1968 أي عقب الاستقلال مباشرة أصدر عبدالله باذيب وثيقة تحليلية هامة بعنوان «وجهة نظر حول المرحلة الراهنة – ثورة 14 أكتوبر .. طبيعتها.. مهماتها.. وآفاق المستقبل»، واعتبرت الوثيقة أن المهمة الرئيسية للثورة، بوصفها ثورة تحررية ديمقراطية، هي إقامة حكم وطني ديمقراطي أساسه تحالف قوى الشعب العاملة. وفي هذه الوثيقة طرح باذيب، لأول مرة بعد الاستقلال، ضرورة وحدة كل القوى السياسية المتقدمة.
منذ الأيام الأولى للاستقلال لم يكف عبدالله باذيب عن التحذير من أية محاولة للاستئثار بالعمل الوطني واحتكار العمل السياسي، كما فعلت عدد من «الحركات الثورية» في بعض دول العالم الثالث، الأمر الذي أعاق تطور الثورة في تلك البلدان في الاتجاه الصحيح. وبالفعل حدث ما كان يتوقعه عبدالله باذيب عندما حاول عدد من القادة العسكريين مع بعض العناصر في التنظيم الحاكم للاستحواذ على السلطة فيما عرف حينذاك ب «حركة 20 مارس1968» واعتقل جَراء هذه المحاولة باذيب مع عدد كبير من قادة اليسار في التنظيم الحاكم, غير أن الحركة فشلت في تحقيق أهدافها وأفرج عن جميع المعتقلين.
بعد خطوة «22 يونيو التصحيحية 1969» ووصول يسار الجبهة القومية إلى السلطة، اتخذت عدد من الخطوات للانفتاح على بعض القوى السياسية الأخرى. وفي منتصف 1970 بدأ الحوار الفعلي بين الأحزاب الثلاثة: «الجبهة القومية»، «الاتحاد الشعبي الديمقراطي» و«حزب الطليعة الشعبية». ولعب باذيب دورًا رئيسًا في مناقشة وبلورة الصيغة التوحيدية الملائمة والممكنة في تلك الظروف حتى تكلل هذا الحوار بالتوقيع على اتفاق 5 فبراير 1975 الذي وضع أسس وحدة الفصائل الثلاث.
تولى باذيب وزارة التربية والتعليم في نهاية عام 1969، وخلال توليه الوزارة أسهم في حل عدد من المشكلات المتعلقة بالتعليم الأهلي وألحقه بالوزارة من حيث الإشراف والتوجيه وأعفى طلبته من الرسوم. كما تحققت للمدرسات إجازة الولادة مدفوعة الأجر، وأنشئت الإدارة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، وتأسست أول كلية للتعليم العالي وهي كلية التربية العليا التي غدت فيما بعد نواة جامعة عدن.
في عام 1972 عين عبدالله باذيب وزيرًا للثقافة والسياحة التي كانت مجرد إدارة صغيرة للثقافة. وخلال فترة قصيرة تحولت هذه الإدارة إلى وزارة وصار لها كثير من المشاريع في مجالات الآثار والدورات الأكاديمية والفنون بمختلف أنواعها، وفي عهده أنشئ لأول مرة المسرح الوطني وأول معهد للموسيقى والفنون الشعبية.
بعد قيام التنظيم السياسي الموحد - الجبهة القومية - انتخب عبدالله باذيب عضوًا في لجنته المركزية والمكتب السياسي وسكرتيرًا للثقافة والإعلام. وكان همّ الفقيد الرئيس في سنواته الأخيرة إرساء أساس متين للعمل الأيديولوجي في الحياة الداخلية للتنظيم السياسي.
لا يمكن للمرء وهو يستعرض حياة الفقيد السياسية إلا أن يتوقف أمام نضاله من أجل السلم العالمي, ومع تبلور رؤيته السياسية والاشتراكية منذ أواسط الخمسينيات أخذ اهتمامه بقضية السلم يزداد ترسخًا وغدا نشاطه في هذا المجال جزءًا لا يتجزأ من نضاله الوطني والاجتماعي. وفي عام 1968 شكل عبدالله أول لجنة يمنية للسلم، واختير في نفس العام عضوًا في مجلس السلم العالمي وفي 1974 عضوًا في الهيئة الرئاسية للمجلس؛ تتويجًا لدوره البارز في النضال من أجل مثل السلم والتحرر والتقدم.
***
عبد الله باذيب.. الإنسان الذي لا يُنسى *
عبد الرحمن عبد الخالق**
النبوغ أعلن عنده مبكراً..
فتى – كان عبد الله – لم يتجاوز العشرين عاماً عندما خاض غمار الكتابة، حتى أن معلمه الأستاذ إبراهيم روبله، قال فيه قبل ذلك: «ما كنت أرضى له بأقل من الدكتوراه».
تصدى عبد الله باذيب باقتدار لقضايا أدبية وثقافية رفيعة من خلال (المستقبل) الصادرة في 1949م، المجلة التي سجلت – حينها - بأعدادها القليلة حضوراً لافتاً في الحياة الثقافية والأدبيَّة في عدن.
بشرت (المستقبل) بمستقبل زاهر للفتى عبد الله عبد الرزاق باذيب، وبآتٍ جديدٍ ومتقدمٍ، بكل ما تعنيه كلمتي جديد ومتقدم من معنى جليل.
وكان الرائد لا يَكذِبُ أهله...
وككل العظماء لم يرتهن عبد الله باذيب للسكون ولم يُسلَّم بالثابت، بل راح يبحث عن طريق يفضي به لتفسير ما حوله وتغييره، فكان أن اهتدى إلى الفكر الاشتراكي العلمي؛ هذا الفكر الإنساني الخلاَّق، الذي قاده إلى تجنيد قلمه وتوظيفه لمصلحة السواد الأعظم من الناس التواقين لحياة كريمة «ماذا أريد؟ ولمن أكتب؟ وفي سبيل أن أجد الجواب على هذه الأسئلة كلها أمضيت سنة لم أكتب فيها شيئًا».. سنة وبعض سنة راح عبد الله باذيب يقرأ فيها الكتب الجذرية حسب وصفه «كنت أبحث عن نفسي حتى وجدتها، وأريد اليوم أن أحققها», هذا ما كتبه في صحيفة (البعث) عام 1955م...
حدد عبد الله باذيب خياره بالانحياز إلى «الجموع الكادحة العاملة من أجل الحرية والعدل والسلام».. وبقى وفيًا لها إلى أن توقف قلبه عن الخفقان في 6 أغسطس 1976م.
عبد الله باذيب.. رجل استثنائي ومثقف عضوي.. لا فصل عنده بين النظرية والتطبيق، بين القول والعمل، الكلمة عنده صنو للفعل.. كتب قائلا: «إن المبادئ معزولة عن الأشخاص مجرد جثث هامدة، وأطياف غير منظورة تتحرك في اللاشيء»..
وعبد الله باذيب.. كاتب قل نظيره من حيث سلاسة العبارة وعمق الفكرة ووضوحها وجمال اللغة وطراوة الأسلوب..
هو القائد الفذ...
نعم يوجد رجل كهذا.. فلنتعلم منه.. لنتذكره دوما...
* نُشر في صحيفة «الثوري», أغسطس 2007م، أعيد نشره بتصرف محدود.
**الرئيس السابق لفرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بعدن.
***
في ذكرى الفقيد العظيم عبد الله باذيب *
نشوان محمد العثماني**
تمر ذكرى رحيل أحد رجالات اليمن المخلدين في التاريخ بسجل ناصع ومشوار مكتظ بالبطولات بدأه منذ النصف الأول من القرن المنصرم, إلى أن وافاه الأجل في السادس عشر من أغسطس عام 1976.
فلقد كان الراحل العظيم عبد الله عبد الرزاق باذيب أحد الأفذاذ الذين ما كانوا ليرضخوا لإملاءات مستعمر, ولا لفكر متقزم, لينطلق حاملا مشروعه الفكري النهضوي الوطني الذي رافقه منذ برز على الساحة الوطنية ككاتب مأمول, وهو ما زال في سن صغيرة حاولت بنجاح أن تجتاز مسمى فارق الزمن.
ف«باذيب» المولود في مدينة الشحر بحضرموت عام 1931م, أصدر عام 1949 مجلة «المستقبل» الشهرية, وهو ما زال في سن الثامنة عشرة, إذ كان المحرر الرئيسي فيها, واستطاع أن يبلغ بها مصافى المجلات الثقافية والأدبية التي كانت تصدر على مستوى الساحة الوطنية, بل والعربية, مستندا إلى ثقافته الكبيرة التي استمدها من قراءاته المتعددة في أكثر من مجال من مجالات الفلسفة والفكر.
وعمل بعد إصدار مجلته «المستقبل» محررا في صحيفة “النهضة” قبل أن يصبح سكرتير تحريرها, وكان حينها في عدن, إلا أنه قرر الخروج إلى تعز أواخر الخمسينات وأصدر هناك صحيفة “الطليعة”, قبل أن يتوقف صدروها بعد صدور 13 عددا.
وفي الثاني والعشرين من أكتوبر عام 1961, وقد عاد إلى عدن, أسس حزب “الاتحاد الشعبي الديمقراطي” رافعا شعار “نحو يمن حر ديمقراطي موحد”. وكانت نقطة جوهرية في حياة باذيب, قديما, وحديثا.. كان في القديم الاستعمار وأعوانه أعداء لفكرة اليمن الموحد الحر والديمقراطي, واليوم ذات الصيغة ما زالت متواجدة باختلاف الأشخاص.. من هنا وهناك. وبعد قيام الثورة في الشطر الجنوبي من الوطن حينها, أصدر باذيب مجلة “الأمل”, في يونيو 1965, استبشارا بالأمل الجديد الذي انطلقت بوادره في 1963, إلا أن القوى المعادية لهذا الأمل قامت بإحراق مطبعة المجلة ظنا منها أنها تستطيع كبح النزوع نحو التقدم, وإن كان هذا التقدم قد أصيب ببعض الانتكاسات في عدد من المراحل في وقت لاحق.
ولعل أبرز ما ميز الراحل باذيب أنه حمل مشروعا وطنيا مضى في سبيله إلى مقارعة من وقفوا عائقا أمام الثورية والتقدم, أكانوا من المستعمر البريطاني أو من أعوانه في البلد..
وقد خلد لنا التاريخ عبد الله باذيب في أكثر من محطة, وفي أكثر من سجال.. وكان المفكر الوطني الذي, ونحن به في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، كأنه يتحدث بلسان حال اليوم, والوضع المزري والحالك الذي نحن فيه.
إننا اليوم, ومع انتهاء العقد الأول من الألفية الثالثة, أحوج ما نكون لقامة فكرية ك”عبد الله باذيب”؛ لأن هذا الواقع الكئيب بحاجة ماسة لمشروع ثقافي فكري نهضوي يسعى إلى معالجة الاختلالات والاختلافات على نحو عميق, بمشاريع أكثر نطاسة في الثقافة والتنوير, وليس بالاجتزاء السياسي.
وسيظل تاريخ الراحل مشعلا للفكر ونبراسا للنور من الواجب على الأجيال الحديثة أن تستمد منه هداها الوطني والديمقراطي؛ من أجل يمن حر جديد وموحد.
ولن يفي بتاريخ وشخصية مفكرنا العظيم باذيب مقال, ولا دراسة, ولا بحث, ولا حتى مجلدات.. إنه معلم بارز, ومنارة سامقة ومنبع متجدد يكفينا شرفا أن نجعله مرجعا وأبا روحيا نستمد منه تجارب لا تعرف النضوب ولا الاضمحلال.
فأي مشعل للفكر هذا الذي انطفأ في السادس عشر من أغسطس 1976، وأي قلب قد توقف عن الخفقان؟؟.
*نقلا عن صحيفة «14 أكتوبر» وموقع «مأرب برس», 22 أغسطس, 2010, بتصرف.
**صحفي في موقع «مأرب برس».
***
* من صفحة «عبد الرحمن عبد الخالق» على ال«فيس بوك», بتصرف, باستثناء المقال الأخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.