تتصاعد الاحتجاجات في سوريا اليوم بوتيرة أسرع لتشمل أماكن ووسائل جديدة منذ قرر الشعب في منتصف مارس/آذار الماضي أن يبدأ ربيعه، مطالبا بالحرية. ورغم أن النظام السوري تعامل مع المتحجين عبر المواجهة الأمنية، فإن عدد القتلى الذي ناف على 6000 قتيل حتى الآن يؤشر على إصرار المحتجين على مطالبهم على أمل تحقيق إنجازات ميدانية وسياسية قد تتزايد قريبا. بدأت الاحتجاجات في مدينة درعا جنوبي البلاد كمحاولة لاستنساخ ثورات الربيع العربي خصوصا في تونس ومصر، ولكنها سرعان ما تحولت إلى سلوك يومي. وحينما تدخل الجيش السوري في أبريل/نيسان لدك معاقل الاحتجاجات في المدينة مستخدما المدرعات والطائرات، كانت المظاهرات في حمص وسط البلاد قد اشتد عودها لتطالب برحيل النظام وإسقاط الرئيس ولتصبح عصية ليس فقط على قوات الأمن وإنما على القبضة العسكرية للجيش وعلى الأخص الفرقة الرابعة التابعة للحرس الجمهوري. ومنذ ذلك الحين أصبحت حمص مهد الثورة عبر المظاهرات والاحتجاجات التي لم تنقطع فيها يوما ما. اتساع الاحتجاجات ودخلت حماة أيضا على خط الاحتجاجات لتعيد إلى الأذهان الدور الريادي لهذه المدينة عام 1982 في رفض هيمنة حزب البعث الحاكم على البلاد، مما أدى لتعرضها لقمع وحشي أودى بحياة عشرات الآلاف من سكانها وسجن أعداد مماثلة منهم. واليوم تعد حماة أحد أهم معاقل الثورة. واستكمالا لهذه الحلقة من الاحتجاجات التي عمت البلاد، انتفضت بانياس الواقعة على الشاطئ السوري، كما شاركت طرطوسواللاذقية في احتجاجات قمعتها قوات الأمن سريعا، ولكنها لم تتمكن من وقف حصولها بين الفينة والأخرى. وسريعا شاركت إدلب والزبداني في شمال البلاد بقوة في الاحتجاجات التي بدأت تأخذ طابعا جديدا بانشقاق مجموعة من الضباط والمجندين الذين رفضوا إطلاق النار على المحتجين ليشكلوا في يوليو/تموز حالة عرفت باسم الجيش السوري الحر بقيادة المنشق العقيد رياض موسى الأسعد، حيث التحق بهذا الجيش مجندون وضباط آخرون في العديد من المدن السورية. وقبل أيام، وتحت وطأة الاشتباكات العنيفة مع الجيش الحر، اضطرت القوات الحكومية للخروج من الزبداني القريبة من الحدود مع لبنان والمعروفة أيضا برواج تجارة التهريب فيها من لبنان. كما جرت حالة مماثلة في سقبا بريف دمشق. وكانت اشتباكات اندلعت قبل أشهر في جسر الشغور قرب الحدود مع تركيا بين القوات السورية والجيش السوري الحر. ومنذ منتصف العام الحالي تشهد مدينة دير الزور شرقي سوريا والبوكمال على الحدود مع العراق مواجهات دامية مع الجيش السوري، فيما يشارك الأكراد القاطنون فيالقامشلي بشمال شرق البلاد بفعالية في الاحتجاجات، حيث شهدت المدينة قبل أشهر قليلة اغتيال المعارض مشعل تمو الناطق باسم تيار المستقبل الكردي. دمشق وحلب تشاركان ومنذ البداية شاركت بعض أحياء دمشق مثل الميدان والقابون وكفر سوسة في الاحتجاجات. ولكن الأيام الأخيرة شهدت تكثيفا لهذه الاحتجاجات في العاصمة في هذه المناطق وغيرها، ولا أدل على ذلك من تمكن متظاهرين قبل أيام من رفع علم الاستقلال بألوانه الخضراء والبيضاء والسوداء على جسر الرئيس، وهو جسر حيوي وسط العاصمة وتتجمع بجانبه الحافلات التي تنطلق لجميع مناطق دمشق، الأمر الذي يعني دخول الثورة السورية في مرحلة جديدة من القوة بتفعيل دور العاصمة فيها. أما ريف دمشق القريب فقد كان ولا يزال أحد أهم النقاط الساخنة في الاحتجاجات المطالبة برحيل النظام، ومن هذه المناطق الأكثر سخونة دوما وداريا ومعضمية الشام وسقبا، وكلها مناطق متاخمة للعاصمة السورية. وقد ظلت حلب (ثاني أهم المدن والعاصمة التجارية لسوريا) عصية على التظاهر والاحتجاج إلا في جامعة المدينة التي واجه طلابها حملة قمع عنيفة لمجرد مؤازرتهم مدينتي درعا وحمص، وذلك قبل أن تبدأ المظاهرات تنتشر شيئا فشيئا في المدينة، لتصبح سوريا كلها من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها مندمجة في الاحتجاجات المطالبة برحيل النظام. الجيش السوري الحر ويبدو أن سياسة القبضة الحديدية التي اتبعتها السلطات السورية والزج بالجيش النظامي في قمع المتظاهرين قد أحدثا ردة فعل قوية عبر انتشار الانشقاقات في الجيش المعروف بولائه المطلق لنظام الرئيس بشار الأسد. ويأتي في هذا السياق ما ذكرته لجان التنسيق السورية اليوم من انشقاق ضابط برتبة عميد مع 300 عسكري يتبعون له وانضمامهم للجيش الحر. ويقول مراقبون إن هذا الجيش لم يعد ملجأ للمنشقين من الجيش فقط، وإنما أداة استقطاب لجميع المطاردين والملاحقين من نظام الأسد، إذ إن هؤلاء باتوا يدركون أن عودتهم لبيوتهم تعني اعتقالهم أو تصفيتهم على أيدي قوات النظام وشبيحته. كما أن وجود هذه الجيش يشكل عامل تشجيع للمترددين من المواطنين للمشاركة في الاحتجاجات، الأمر الذي يعطيها المزيد من الزخم والانتشار. ويبدو أن الأحداث في سوريا تنبئ عن تطورات محتملة قد تزيد الثورة اشتدادا وانتشارا وتنوعا في وسائل الاحتجاج وامتلاك المزيد من وسائل التغيير والتأثير، لا سيما مع ترافق ذلك مع تحرك عربي ودولي لعزل النظام السوري وإعطاء دعم غير مباشر للثورة، لكي تستمر لتحقيق هدفها بالتغيير في سوريا. اخبارية نت / الجزيرة نت / ماجد أبو دياك-الجزيرة نت