إن الزعامة التي لا تُعلي مظالم الإنسان بقدر ما تعتلي مظالم و مأسي هذا الإنسان , هي عامل من عوامل هدم الإنسان عندما تستغل واقعه و تُتاجر بِآلآمه و ترى أنهُ كُلما زادت مأسيه تضاعفت فرصها كزعامات تقتات و ترتزق على هذة المأسي و إستمراريتها و إستدامتها. عندما تُسد كافة أبواب الأمل المترافقة مع تضخم مشاعر العجز و اليأس لدى الإنسان المغلوب , يلجاء عادة إلى تعليق آماله على الزعيم المُنقذ و المُخلص ( الزعامة ليست بالضرورة فردية فقد تكون زعامة جمعية من قبيل الحزب أو القبيلة أو حتى دولة أُخرى .....) . و عندما يُراهن إلانسان على خلاصة من واقعة المُزري و المؤسف على يد هذة الزعامة يُعفي نفسه ضمنياً من المسئولية بإن يكون لهُ أي دور في خلاصة المنشود سِوى كونه تابع إمعي لا حول لهُ و لا قوة , بل الأنكى من ذلك أنهُ يكفر بإمكانات الناس من حوله و ينسف كُل المُحاولات و المُناشدات الرامية إلى خلاصه بِمعزل عن الزعيم أو الزعامة , و هذا بدورة عائد إلى فقدانه الثقة بنفسه و بأمثالة . إن درجة خنوع و إستسلام الإنسان في مُجتمع كمجتمعنا (مع تحفظنا على كلمة مُجتمع ) لِزعامات تقليدية كانت و ستظل جزء رئيسي من مشكلته المُزمنة , التي في حال إستمرارها ستؤدي إلى إنفجار عشوائي في البلد قد يضع مصالح قوى عُظمى في العالم في خطر مُحتمل نتيجة تداخل العديد من العوامل ليس مجالها هُنا , هو الأمر الذي إقتضى مُبادرة هذة القوى إلى التغيير (القادم لا محالة) بحيث يكون تحت السيطرة و أن لا يُترك قرر التغيير في يد هذا الإنسان و المُجتمع العاجز و القاصر و فق هذة الرؤية التي تقف خلف هذة المُبادرة , فكان لا بد من خارطة طريق تضمن في جزئية مِنها تلبية الحاجة إلى التغيير عند هذا الإنسان و المُجتمع شرط أن يكون لهذا الإنسان العاجز دور في تحقيق هذا المسعى . لكن هذا التوجه سيصطدم بِمُعضلة مُركبة فالإنسان و المُجتمع عاجز إتكالي بصورة إمعية على زعامات غير مؤتمنه و هي جزء من مُشكلته , فكان لابد من مواجهة هذه المعضلة بضرورة فك الإرتباط الإتكالي بين هذا المُجتمع و بين زعاماته التقليدية من خلال إيصال هذا المُجتمع إلى أن يكفر بزعاماته كخطوة أولى لإستعادته ثقته بنفسه لتولي مهام النهوض بنفسه . و نحن هُنا لا نُسفه الزعامة و لا نُقلل من أهميتها شريطة أن تكون هذة الزعامة ضرورة حيوية لتماسك أفراد الجماعة و إلتفافهم حول الزعيم أو الزعامة الني تمتلك مُقومات الزعامة التي تؤهلها للعب هذا الدور خصوصاً القدرة على خلق النموذج و القدوة الحسنة للجماعة و أهم من ذلك كُله قدرتها (الزعامة) على تحريك الإمكانات و تفجير الطاقات لدى المُجتمع بما يدفع نحو إنتشال هذا المُجتمع من وحل التخلف الذي يقبع فيه . أما أن تكون الزعامة إما خارجة من تحت عبائة نِظام التخلف ذاته الذي هو سبب مُعانة هذا المجتمع أو أن تكون هذة الزعامة تماهت مع ثقافة هذا النِظام المُتخلف و تكيفت مع أساليبة التي عانى منهُ المُجتمع طوال فترات من الزمن إلى درجة تطبعت هذة الزعامات بهذة الثقافة و تبنت ذات الأساليب التي كانت هي تشتكي مِنها . إن وضع أي مُدعي غير حقيقي في تحدي و إمتحان حقيقي هو السبيل الأنجع لتعريته أمام الأخرين , و من هُنا كان لا بُد من وضع هذة الزعامات المُفترضة و المُصطنعه في إمتحان حقيقي أمام مُجتمعها المُتكل كُلياً عليها , و هُنا يأتي المأزق الحقيقي لهذة الزعامات التي وصلت إلى هذة المرتبة إما هروباً إلى الأمام من موروثها السابق و مأسية أو حفاظاً على مصالحها الذاتية و رغبة في إستمراريتها , فعندما لا تمتلك الزعامة مقومات الزعامة الحقيقية القادرة على النهوض بالمجتمعات , فإن هذة الزعامات تصبح محكومة بالفشل و تكرار هذا الفشل سيؤدي إلى تراكم عجزها و تفجير التناقضات بينها و بين قواعدها و جمهورها , و بعدم إعترافها بالفشل في لعب دور الزعامة و إصرارها على التربع على عرش الزعامة و إصرارها على منهجها الفاشل مرة تلو الأخرى سيحولها إلى زعامة مُتسلطة لابد لها من إستخدام القمع الفكري و الجسدي كوسيلة و حيدة للإحتفاظ بمكانتها بسبب غياب و إفتقارها لوسائل و أدوات أُخرى مُفترضة للزعامة الحقيقية . سيصل الإنسان و المُجتمع المُتكل على هذة الزعامة إلى قناعة تامة بأن هذة الزعامة ما هي إلا تجسيد و تِكرار للعدو (الخصم) الذي يُعاني منه و الذي يُفترض أنهُ خرج عليه ثائراً , فلن يجد في النهاية سِوى الكُفر بهذة الزعامات التقليدية المُجربة ويصبح لا مفر لهُ من إستعادته لِثقته بنفسه و بأمثالة كسبيل وحيد لخلاصة من واقعه . نصل في الأخير إلى خُلاصة مفادها أن هدم الإنسان عِوضاً عن بناء الإنسان , كان و لا يزال هو السبب الرئيسي في فشل المُجتمع في محاولاته للخلاص من واقعه المُزري و تحقيق الإنتقال الثوري المنشود , و هي مسئولية يتشارك بها السُلطة و المُجتمع لإنهما محكومان بثقافة مُتخلفة لاتزال تعتبر إحترام الإنسان و إحترام القيم الإنسانية مُجرد رفاهية تكميلية ليست أساسية .