تحوّلت بديهيات الحياة إلى «مناسبات» يحتفي بها أهل صنعاء، فيطلق الناس هناك إشارات الفرح، ما إن تصل الكهرباء العامة أو المياه إلى منازلهم «على حين غفلة»، كما بات السؤال عن توافر الماء والكهرباء من عدمه بعد السؤال عن الحال أو قبله طبيعياً جداً. فالمياه والكهرباء صارتا خدمتين يفتقدهما جلّ السكان في العاصمة اليمنية صنعاء، وبات توافرهما حدثاً مهماً تدور حوله الأحاديث، وتعلو أهميته لدرجة تداخله مع الأحاديث السياسية التي تشغل هذه الأيام مجالس الرجال وجلسات النساء.
وفي كل بيت يفتقر الى الماء بالذات، لا تخطئ عيناك تلك المساحة المخصصة للعبوات البلاستيكية بأحجام وأشكال وألوان مختلفة في المطبخ أو الحمام أو إحدى شرفات المنزل لحفظه للاستهلاك، أو استعداداً لاستقبال «ماء» قد يرشح في شكل مفاجئ.
مأساة حقيقية وبات مألوفاً أن تنقل النساء والرجال والأطفال المياه في العبوات البلاستيكية من الآبار العامة في الأحياء السكنية أو المساجد، حملاً بأيديهم أو في سياراتهم، وربما يلجأ البعض إلى شرائها من محطات المياه المنتشرة في العاصمة لتغذية المنازل بمياه الشرب أو الاستخدامات العامة.
أما إذا انقطعت مياه المشروع العام - تصل بصورة شحيحة إلى الخزانات المنزلية - لمدة تصل لأسابيع، ورافق ذلك انقطاع دائم للكهرباء، وكان المبنى عمارة من أدوار عدة آهلة بالسكان، فإن الأمر يصبح مأساة حقيقية، وترتفع شدتها إذا ما كان البيت عامراً بالأطفال.
وكثيراً ما يقول الناس: «يهون انقطاع الكهرباء، امام انقطاع الماء الذي يشكل مشكلة كبيرة»، ذلك أنهم استطاعوا التغلب على الأولى بشراء مولدات كهربائية، توجب عليهم تحمّل ضجيجها مقابل التمتع بالضوء ومشاهدة التلفزيون وأداء أعمالهم داخل منازلهم وخارجها.
لكن تظل الخدمة التي تقدمها تلك المولدات محدودة بخاصة أن قدرتها لا تتجاوز تشغيل لمبة واحدة وتلفزيون، أما تلك التي تستطيع تشغيل مبنى من أداور عدة فقيمتها مرتفعة ولا يستطيع أي كان شراءها، وتبقى ساعات عملها معدودة، لذا تظل غالبية السكان في الظلام بانتظار وصول الكهرباء العامة.
واللافت أن لا فترة زمنية محددة لتوافر التيار الكهربائي، فالأمر مزاجي بامتياز، إذ تأتي الكهرباء في كثير من الاحيان ساعة واحدة خلال يوم كامل في حي ما، وقد تمتد إلى ثلاث ساعات متواصلة، وربما لا تأتي بالمرة طيلة أيام.
كما أن لا ساعات نهارية أو ليلية لعودة التيار الكهربائي، لذا صار الناس يتركون أجهزتهم مثل الثلاجات والسخانات موصولة بالكهرباء، حالها حال هواتفهم الجوالة، وإذا استيقظوا وهي مشحونة أو أن مياه الشرب باردة في ثلاجاتهم فهذا دليل قاطع على عودة التيار أثناء نومهم!
المضحك - المبكي أما إذا «حضر» التيار الكهربائي خلال النهار أو بداية الليل، فإن صرخات الترحيب تعلو في المنزل، ويسارع الجميع باتجاه مقابس الكهرباء لشحن هواتفهم، أو تعمد النساء لتشغيل الغسالة والمكواة، ويتجه الأبناء نحو التلفزيون للتمتع بالخدمة خلال الوقت المحدود الذي تتوافر فيه.
وبالأسلوب ذاته يتعامل الناس مع الماء، إذ يتركون حنفياتهم مفتوحة، وفي حال سماعهم خريرها، يدب النشاط في المنزل وإن كانوا في عزّ النوم، فهذه فرصة لا تعوض، بخاصة للنساء اللواتي يضطررن لحمل غسيلهن إلى الآبار وغسله هناك بما يعيدهن، وهن في المدينة، إلى عهد جداتهن في القرية، بسبب انقطاع الكهرباء والمياه في آن. أمّا المضحك - المبكي فيكمن في إصدار وزارتي الكهرباء والمياه فواتير خدماتهما للجمهور، وكأن الظروف طبيعية، إلى جانب رفعهما قيمة الاستهلاك، وكثيراً ما يتعرض موظفو توزيع الفواتير للشتم أو تمزيق الفاتورة أمامهم من أصحاب المحال، وقد يصل الأمر الى حد الضرب في حال ارتفعت وتيرة النقاش بين الموظف وأحدهم.