بعد أن فشلت أغلب المبادرات والحوارات والتدخلات الداخلية والخارجية لتسهم في انفراج الأزمة السياسية في اليمن، ظهرت مخاوف عديدة بدأت تقض مضاجع المواطنين في الشمال والجنوب والشرق والغرب، أهمها ما يلي: بعد أن أكتسحتنا رياح التغيير القادمة والمتمثلة بالثورة السلمية في كل من تونس ومصر، هل ستكون النتيجة كمثل هاتين الثورتين؟ أم أننا سنتقارب أكثر مع الثورة الليبية، خاصة أننا بعد مرور أكثر من شهرين مازلنا غير قادرين على حسم المعركة مع أو ضد النظام، وهناك بوادر حرب أهلية تلوح في الأفق بعد أن انقسم الشعب والجيش إلى موالٍ ومعارض، وكل له حساباته وقوته وسطوته. فهل ستنتهي هذه الأزمة على خير، سواء باتفاق على تسليم الحكم سلمياً أو رحيل النظام، أم سنتجه إلى خيارات لا تُبقي ولا تذر؟ ماذا بعد رحيل النظام، باعتبار أن بقاء النظام لفترة وجيزة كما أشارت إليه أغلب المبادرات، أو حتى رحيله المباشر سيكون له آثار وأبعاد سياسية على المشهد اليمني، خاصة في ظل كتل سياسية عديدة وأحزاب لديها تعارضات وتجاذبات وتحديات، وأطراف تلعب على المكشوف أو من وراء حجاب، وكلها وبمجملها فشلت في أن تتفق على رؤية واحدة تخرج البلاد من أزمتها الحالية، لا عن طريق الجلوس على طاولة الحوار ولا عن طريق الاستماع للمبادرات ولا الوساطات السياسية والاجتماعية والقبلية والدينية. كيف يمكن أن يتصور المواطن البسيط بعد كل هذا أن تتفق كل هذه الأطراف على مصلحة الوطن بعد رحيل النظام إذا لم تستطع أن تتفق عليها قبل رحيله؟ وكيف يمكن تصور نظام سياسي آمن ومتزن بوجود كل هذه الأطراف؟ من سيشكل القيادة السياسة المستقبلية، وهي نقطة أساسية في مخيلة الشعب اليمني، خاصة بعد عقود من التفرد بالسلطة لدى شخص واحد وحزب واحد، وكون النظام البرلماني الذي يحكم فيه النواب ويكون الرئيس فيه رمزاً، لم يتم الاتفاق عليه والترويج له ليفهم المواطن أنه ليس مهماً من يكون الرئيس- الذي سيكون حينها بدون صلاحيات كما عهدها سابقاً – بل سيكون الأمر بيد مجلس النواب الممثل من قبل الشعب. وعليه فالمخاوف من حكم حزب معين أو شخصية سياسية معينة أصبح الهم الشاغل لأغلب أبناء الوطن، وأصبح كثير من أنصار ومعارضي النظام الحالي يتدافعون للتظاهر ليس كرهاً أو حباً بالنظام ولكن خوفاً من المستقبل القادم الذي شوهه الساسة خلال عقود من العمل السياسي غير الصحيح. هل سنظل على وفاق وطني وستظل مكتسبات الوحدة قائمة، أم أن بعض القوى السياسية ستستغل الحرية التي تنادي بها لتطالب بفيدرالية لأقاليمها تتبعها مطالب بالاستقلال كما حدث في السودان الشقيق، وبدلاً من أن نسافر في أرض اليمن بحرية ونزور أهلنا بسهولة سنحتاج إلى فيزا من منطقة إلى أخرى، ومن دولة يمنية إلى دولة يمنية أخرى؟ هل سيكون للشباب الذي ينادي في الساحات بسقوط النظام دور سياسي حقيقي مستقبلي، أم أن القوى السياسية العتيقة ستخطف الضوء منه لتعود إلى ممارسة برامجها السياسية العتيقة أيضاً وبنفس الفكر المتأكل الذي أثبت خلال عقود عدم جدواه؟ هل سيكون الشباب قادراً على التصدي لأية محاولة من قبل تلك القوى وفرض فكره الجديد على الحياة السياسية، وكيف سيتمكن من ذلك، خاصة أن أغلب الشباب قيادات لا خبرة لها في العمل السياسي الحقيقي وقد تقع فريسة للمخضرمين السالفي الذكر وتنفذ ما يخططون له؟ ماذا سيكون مصير الحزب الحاكم وأعضائه الكثيرين؟ هل سيُحل أم سيُجمد نشاطه، أم سيُسمح له بممارسة الحياة السياسية بشكل طبيعي وكأن شيئاً لم يكن؟ وهل سيتابع أعضاؤه كما حدث في مصر وتونس، وهو شيء يخشاه الكثيرون كون شريحة هائلة من الشعب تنتمي لهذا الحزب. ماذا عن المرأة التي تخاف من أن يتحول اليمن إلى دولة إسلامية متشددة تضيق عليها الخناق وتسحب كل الحريات التي ناضلت من أجلها منذ عقود، لتعود إلى مربع التبعية للرجل بعد أن كانت تطالب بحصولها على مناصب سيادية وقيادية وعضوية في الوزارة والمجلس النيابي عبر الكوتا وغيرها؟ وهل ستنتهي كل أطماع المرأة التي أيقظها النظام الحالي في مخيلتها الإجتماعية والسياسية؟ ماذا عن قضية الجنوب والحوثيين، هل سيتم التعامل معهما بنفس آلية النظام الحالي أم بآلية النظام السوداني أم سيتم الاتفاق على كون هاتين القضيتين من أهم ملامح الحل السياسي القادم لأزمة اليمن. ومع أن كل هذه المخاوف باتت تتردد هنا أو هناك، إلا أن أغلب القوى السياسية لم تستوعب أن مثل هذه المخاوف أضحت عاملا مساعدا على تعقيد الأزمة، كون كل طرف يتصرف بناء على مخاوفه فيندفع إما لدعم هذا الطرف أو ذاك الطرف ضد الآخر، وإن لم يكن مؤمنا بالطرف الذي يدعمه كل الإيمان. وبناء على ذلك، فإن الحسم في هذه الأزمة سيكون في صف الطرف الذي يستطيع أن يوضح للشعب في برنامجه كيف سيعالج الإشكاليات أعلاه، من خلال ما يلي: تحديد موقفه من قضية الحوار، فالذي لا يستطيع الحوار الآن لن يستطيع ذلك مستقبلاً ولن يؤمن له. تحديد برنامجه السياسي والنظام الذي يسعى لتحقيقه بالشراكة مع كل القوى السياسية في البلد، وتقديم ضمانات للالتزام بهذا البرنامج. تطمين الشارع بأن مكتسبات الثورة والوحدة من وفاق وحريات لن يتم المساس بها، بل على العكس سيتم تعزيزها وتطويرها لتتناسب والألفية الثالثة وطموح الشعب. عندها فقط سيكون هذا الطرف أحق بأن يتبعه العامة والشعب كافة ليخرج باليمن من مأزقه الذي صار لا يسُر عدوا ولا حبيبا. * كاتب يمني *القدس العربي